الثلاثاء، 30 أبريل 2019

الحب صبغتهم والقرب غايتهم


الحب صبغتهم والقرب غايتهم 



محبة الله ورسوله فريضة على كل مسلم ومسلمة، إذ هي من لوازم الإيمان وأسسه، والمحبة السليمة والصحيحة تقوم على المعرفة بالعقل والقلب معًا وعلى الموافقة بين المحب والمحبوب، ثم إن المحبة في ذاتها على مراتب ودرجات:

(1) منها (محبة عامة الناس): وهي التي تتولد من إحسان الله تعالى لعباده وعطفه عليهم.

(2) وأعلى من هذه الدرجة (محبة الصادقين): وهي التي تتولد من غنى القلب بعظمة الله وجلاله.

(3) وأسمى هذه الدرجات (محبة العارفين): وذلك حين يتعرف القلب بقديم حب الله من غير علة.

وثمة أمر آخر، ألا وهو أن محبة الله ومحبة رسوله كل لا يتجزأ، وليس بينهما مسافة تسمح بمرور شعرة دقيقة، إذا ما ذكرت عبارة (حب الله) فهي تعني لزامًا (حب رسوله)، وإذا ذكرت عبارة (حب النبي) > فهي تعني تضمنًا (حب الله)، لأن محبة النبي > هي مظهر محبة الله ومحبة الله أساس محبة النبي >.

وعلى هذا ليس مسلمًا قط من قال: إنه يحب الله دون الرسول، أو العكس فمثله كمثل من قال: (لا إله إلا الله) ولم يتبعها بـ (محمد رسول الله).

وليعلم الناس أن دوام الحب (أي حب) وإثماره رهين بأن يكون لله والرسول، فمحبة الله هي الأصل، ومحبة الناس > هي الفرع الأعظم الذي تتفرع منه سائر المحاب.

ذلك أن سيدنا ونبينا محمدًا > هو الواسطة العظمى بين الله وجميع مخلوقاته، فقد جاء في الحديث القدسي قول الله تبارك وتعالى:

(وعزتي وجلالي لو أتوني من كل طريق واستفتحوا من كل باب ما فتحت لهم حتى يدخلوا من طريقك).

إذن، كل من يدعي محبة الله بغير واسطة سيدنا محمد >، فهو كاذب الدعوى، سواء أكان من المسلمين أم من غير المسلمين، وما أصدق قول العالم الصوفي الكبير السيد (محمد البكري) في هذا المعنى:

فأنت باب الله أي امرئ
أتاه من غيرك لا يدخل


وإننا نجزم بأن المعرفة هي أوسع أبواب الحب، إذ كيف يحب الإنسان ما يجهله، فبعض الفئات الغير مسلمة مثلًا يدعون أنهم يحبون الله، وما أحبوه طرفة عين! وكيف يحبون ما يجهلون؟، لقد جهلوا أو تجاهلوا أن الله الذي أرسل (عيسى) — هو الذي أرسل محمدًا >، فلم يؤمنوا به > وكان ذلك جهلًا منهم بربهم، فتخبطوا في أمره، ولعب بهم الشيطان كما يلعب الصبي بالدمى، فقالوا أن الله هو المسيح ابن مريم، وقالوا إنه ثالث ثلاثة، وادعوا له صاحبةً وولدًا، فعبدوا ربًا يموت ويصلب ويعذب !!

ومما يحزن له القلب ويعجب منه العقل، أن تجد بين المسلمين فرقًا وجماعات تدعي الإسلام، وهي في حقيقتها خارجة عن صفوف الحق منتسبة إلى أهل الأهواء والبدع، يكاد يجمع بينها (على اختلاف مذاهبها وتباينها الشديد) أمر واحد، بحسب ظني بل بحسب اعتقادي، نقص محبتهم للنبي >، ولو أنهم أحبوه لكانت محبته عصمة لهم من الزيغ والانحراف، لأن «المرء على دين خليله» كما قال المصطفى > ([1]).

نعم ... (إن الحب جوهر الحياة ... إن الحب يولد في النفوس طاقة لا تعدلها طاقة أخرى في الكون ولا تقاربها) ([2]).

وإذا كان الحب شعورًا إنسانيًا يستقر في القلب بعد العقل، وإذا كان الصوفية أرباب العقول وأهل القلوب، كان من الطبيعي بل من اللازم أن يكون احتفاؤهم بموضوع (الحب) احتفاءً بالغًا، بل إنهم تفننوا في وصفه وبيانه، فالحب عند هؤلاء السادة أعلى مراتب الإيمان، وفي هذا يقول شاعرهم:

وأحسن حالة الإنسان صدق
وأكمل وصفه حاب وباء


والحب هو: الخصيصة المميزة للسالك الصوفي، فهو يحب الله وبالتالي:

يحب خلق الله، فهو يحبهم بحب ربهم، وهو بحكم حبه لهم ؛ يسعى في خيرهم وبرهم.

ولكن ... ليس الحب مجرد وصف لا دليل عليه، فالذين ادعوا محبة الله طولبوا بالدليل: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ﴾([3]).

فظن بعض المتعالمين: (ممن لا يرون إلا تحت أقدامهم) أن المحبة أمر هين، وحسبهم في التحلي بها أن يتبعوا النبي > في إطلاق اللحية ولبس القصير من الثياب البيض وما إلى ذلك من سنن ظاهرة، فظنوا ذلك إتباعًا، فغابت عنهم حقيقة الاتباع.

ألا فليعلم هؤلاء وسواهم أن الإتباع أعلى مراتب الحب، ولن يصل إليه العبد إلا إذا امتلأ قلبه بالحب، وانصبغ بصبغة محبوبه، حينئذ يغدو الإتباع خلقًا


تلقائيًا يجئ بلا تكلف ولا مشقة.

وما أعدل كلام القطب الصوفي الكبير (أبي الحسن الشاذلي) وما أشد صوابه يوم قال:

رأيت رسول الله > فقلت: يا رسول الله، ما حقيقة المتابعة؟

(فقال > : رؤية المتبوع عند كل شيء، ومع كل شيء، وفي كل شيء) ويؤيد مقالته هذه، قصة الصحابي الجليل الذي جاء النبي > (فيما روته أم المؤمنين السيدة عائشة رضا الله عنها) فقال:

يا رسول الله، إنك لأحب إليَّ من نفسي، وأحب إليَّ من أهلي، وأحب إليَّ من ولدي، وإني لأكون في البيت فأذكرك فما أصبر حتى آتي فأنظر إليك، وإذا ذكرت موتي وموتك عرفت أنك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين، وإني إذا دخلت الجنة خشيت ألا أراك، ... فلم يرد عليه النبي > حتى نزل جبريل — بهذه الآية:

﴿وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا﴾([4]).

لقد كانت إجابة القرآن الكريم: بذكر (الطاعة) إجابة على سؤال الصحابي } في مسألة (الحب)، فدل ذلك على أن الطاعة هي الثمرة الطبيعية للحب والنتيجة اللازمة عنه.

وقد بين هذه الحقيقة سيدنا الإمام (عبد الله بن المبارك) } حين قال فيما ينسب إليه من شعر:

تعصي الإله وأنت تزعم حبه
هذا لعمري في القياس بديع
لو كان حبك صادقًا لأطعته
إن المحب لمن يحب مطيع

من هذا المنطلق النبوي الراسخ، شيد السادة الصوفية للحب المدارس التي بأروقتها يعلو منسوب الحب، وبعيدًا عنها يقل وينضب، شيدوها ونصب أعينهم وفي بؤرة ذاكرتهم قول محبوبهم > : «يا أبا بكر ليت أني لقيت إخواني فإني أحبهم، الذي لم يروني وصدقوني وأحبوني حتى أني لأحب إلى أحدهم من والده وولده» ([5])، وقوله > : «يا أبا الدرداء، أحب للناس ما تحب لنفسك تكن مؤمنًا، وأحسن جوار من جاورك تكن مسلمًا، واعمل بفرائض الله تكن عابدًا، وارض بقسم الله تكن زاهدًا» ([6]).

ولم تغب عنهم أبدًا مشاهدة حياة الآل الأطهار والصحب الأبرار فاتخذوها نبراسًا للاهتداء ومرجعًا في الاقتداء، وهاك نماذج من سيرهم الوضيئة وعباراتهم النيرة في عوالم الحب وآفاقه:

(1) دخل أبو إدريس الخولاني مسجد دمشق، فإذا فتى براق الثنايا، وإذا الناس حوله، يقول: فسألت عنه، فقيل: هذا معاذ بن جبل }، فلما كان من الغد بكرت إلى المسجد فوجدته قد سبقني يصلي، فلما كان قضى صلاته، سلمت عليه، ثم قلت له: والله إني لأحبك، فقال: آ الله، فقلت: آ الله، فجذبني إليه وقال لي: أبشر، فإني قد سمعت رسول الله > يقول:

«قال الله تعالى: وجبت محبتي للمتحابين في، والمتجالسين في والمتزاورين في، والمتباذلين في» ([7]).

نعم، تلك منة إلهية تستوجب الشكر والحمد، فلله الحمد أن جعل محبة الإخوان سبيلًا لنيل محبته، وعظيم عنايته، فقد أخرج (مسلم) في صحيحه عن (أبي هريرة) } قال: قال (رسول الله) > :

«إن لله تعالى يقول يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي، اليوم أظللهم في ظللي يوم لا ظل إلا ظلي».

لقد أعلى الله سبحانه وتعالى قدر المحبة فوق كل ما سواها، وما أجمل الحب في الله وعلى الله وبالله، بل ما أجمل الحب إذ يكون لرسول الله، أليس المرء مع من أحب، كما قال سيد الخلق > ؟ ([8])

فلعمري، أي عمل يرفع صاحبه إلى هذه الرتبة سوى الحب ؟!.

(2) وهذا (عثمان بن مظعون) وكان ممن غلبت عليه المحبة، عندما توفى } أقبل إليه (رسول الله) > فكشف عن وجهه، وقبل جبينه، ثم سقطت الدموع من عيني الحبيب الأعظم > على وجه (عثمان)، فلما رأت زوجته هذا المشهد المبهر، قالت: هنيئًا لك يا أبا السائب الجنة، فقال > : «وما علمك بذلك؟ قالت: كان يا رسول الله يصوم النهار ويقوم الليل، قال: بحسبك لو قلت كان يحب الله ورسوله» ([9]).

ألا يعني هذا أن الحب مقام يعلو على سائر المقامات بالغًا ما بلغت؟ بلى، إن هذا لهو الحق.

(3) لقد أحب الله أهل بدر محبةً كانت سببًا في أن يغفر سبحانه لهم كل ما اقترفوه أو ما سيقترفونه، وفي هذا يقول النبي > لسيدنا عمر } :

«وما يدريك لعل الله اطَّلَعَ إلى أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفر لكم» ([10]).

(4) ولقد أحب رسول الله > عثمان بن عفان } إذ أنفق من ماله في سبيل الله بغير حساب، فجهز بمفرده جيش العسرة، فكان النبي > يقلب


الذهب الذي وضعه سيدنا عثمان في حجره ويقول: «ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم» ([11]).

أجل، لقد أدرك العارفون من الصوفية هذه الحقيقة الباهرة، فعبروا عنها بلسان أحدهم وهو (يحيى بن معاذ الرازي) حين قال:

(إن الله رضى عن قوم فغفر لهم السيئات، وغضب على قوم فلم يقبل منهم الحسنات).

وكان القطب الكبير والصوفي الشهير (أبو الحسن الشاذلي) يقول في دعائه:
(اللهم اجعلنا سيئاتنا سيئات من أحببت، ولا تجعل حسناتنا حسنات من أبغضت، فالإحسان لا ينفع مع البغض منك، والإساءة لا تضر مع الحب منك) ...

(5) إن الذي يتتبع آثار (المحبة) فيما أمر به الشارع ليرى عجبًا من أمرها، حتى إن الرجل ليحب أخاه في الله، فيحبهما الله، ويرفعهما مكانًا عليًا، ويجلسهما على منابر من نور، يغبطهم عليها النبيون والشهداء يوم القيامة ([12]).

فيا ليت شعري، أي سر أطلقه الله في الكون فجعل حملته من أهل الحب هم أهل الله وأحبابه، والمجافون عنه هم أبعد الناس عن رحماته ؟!

(والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا أو لا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم) ([13])، وعندها سيفشو الحب ويعم الوئام (فإذا أحب الرجل أخاه فليخبره أنه يحبه) ([14]).


وهذا رجل كان عند رسول الله >، فمر رجل به فقال:

«يا رسول الله إني لأحب هذا لله تعالى، فقال له النبي > : أ أعلمته؟ قال: لا، قال > : أعلمه، فلحقه فقال: إني أحبك في الله، فقال: أحبك الذي أحببتني له» ([15]).

(6) ولعلك أخي القارئ تسائلني عن معنى الحب وأرقى مراتبه، وها أنذا أجلي لك معنى الحب الإلهي الذي هو أجل مراتب الحب، من خلال أقوال بليغة لسادتنا الصوفية، منها:

قول الحارث المحاسبي: (ميلك إلى الشيء بكلك، ثم إيثارك له على نفسك وروحك ومالك، ثم موافقتك له سرًا وجهرًا ثم علمك بتقصيرك في حبك)، ومنها قول الشبلي: (سميت المحبة لأنها تمحو من القلب ما سوى المحبوب)، وقول يحيى بن معاذ: (المحبة ما لا ينقص بالجفاء ولا يزيد بالبر)، وقول أبي عبد الله القرشي:
(حقيقة المحبة أن تهب كلك لمن أحببت، فلا يبقى لك منه شيء).

ولعل في هذه الحالة كمال تحقق المحب بوصف الحب الإلهي، وذلك بأن يكون هواه تبعًا لما يرضي محبوبه، حاله في هذا حال من يقول:

(إلهي أنت مقصودي ورضاك مطلوبي).

وقول أبي يزيد البسطامي: (ليس العجب من حبي لك وأنا عبد فقير، وإنما العجب من حبك لي وأنت ملك قدير).

وقوله: (من أراده وفقه، ومن أحبه قربه).

وقول أبي بكر الشبلي: (فعلامة المحب الموافقة للمحبوب، والتجاري مع طرقاته في كل الأمور، والتقرب إليه بكل حيلة، والهرب من كل ما لا يعينه على مذهبه.

ومن أجمل تعبيرات المحبين عن شعورهم، ما يقوله يحيى بن معاذ:

(إلهي إني مقيم بفنائك، مشغول بثنائك، صغيرًا أخذتني إليك، وسربلتني بمعرفتك، وأمكنتني من لطفك، ونقلتني في الأحوال، وقبلتني في الأعمال ؛ سترًا، وتوبةً، وزهدًا، وشوقًا، ورضًا، وحبًا ... تسقيني من حياضك، وتمهلني في رياضك، ملازمًا لأمرك، ومشغوفًا بقولك، وهاطر شاربي، ولاح طائري، فكيف أنصرف اليوم عنك كبيرًا، وقد اعتدت هذا منك صغيرًا، فلي ما بقيت حولك دندنة، وبالضراعة إليك همهمة، لأني محب، وكل محب بحبيبه مشغوف، وعن غير حبيبه مصروف).

(7) ومن القصائد التي بلغت قمة الذوق في التعبير عن الحب الإلهي، ما أنشده
(ذو النون المصري، ت: 245 هـ)، وقد قربت ساعة لقاء المحب بالمحبوب، فقد روى (فتح بن شحرف) أنه دخل على (ذي النون) عند موته، فقال له: كيف تجدك؟ قال:

أموت وما فنيت فيك صبابتي
ولا رويت من صدق حبك أوطاري
مناي المنى كل المنى أنت لي منى
وأنت الغني كل الغنى عند إقتاري
وأنت مدى سؤالي وغاية رغبتي
وموضع آمالي ومكنون إضماري
تضمن قلبي منك مالك قد بدا
وإن طال سري فيك أو طال إظهاري
وبين ضلوعي منك مالا أبثه
ولم أبد باديه لأهل ولا جار ([16])

إلى أن قال:
فيا منتهى سؤال المحبين كلهم
أبحني محل الأنس مع كل زواري
ولست أبالي فائتا بعد فائت
إذا كنت في الدارين يا أوحد جاري
,,,,
المصدر - البيان الجازم أن التصوف لتزكية الإنسان نهج لازم


الهوامش

([1]) أخرجه (الترمذي) و (أبو داود).

([2]) خالد محمد خالد (قصتي مع التصوف).

([3]) سورة آل عمران من آية 31.

([4]) انظر تفسير ابن كثير (سورة النساء آية 69) ، والحديث أخرجه (الطبراني) في معجمية الأوسط والصغير و (أبو نعيم) في حلية الأولياء.

([5]) أخرجه الديلمي في (الفردوس بمأثور الخطاب) برقم 8275 و (كنز العمال) برقم 34584.

([6]) أخرجه (ابن ماجه) في السنن و (القضاعي) في مسند الشهاب.

([7]) أخرجه مالك في (الموطأ) 2 / 953.

([8]) أخرجه (مسلم) في صحيحه ، وانظر : فتح الباري لـ (ابن حجر) 12 / 411.

([9]) أبو نعيم ، في (الحلية) ج 1 / 16 ، وانظر : (فتح الباري) لابن حجر العسقلاني ج 12 / 411.

([10]) أخرجه (البخاري) و (مسلم) وسواهما.

([11]) أخرجه (الترمذي) في سننه ، والإمام (أحمد بن حنبل) في فضائل الصحابة.

([12]) كما في الحديث أخرجه (الترمذي وأحمد وابن حبان والطبراني).

([13]) أخرجه (مسلم) في صحيحه ، و (الترمذي) و (أحمد) وغيرهم.

([14]) أخرجه (البخاري) و (الترمذي) و (أبو داود) و (النسائي) وآخرون.

([15]) أخرجه (البخاري) و (النسائي) و (ابن حبان) وغيرهم.

([16]) صفوة الصفوة (ابن الجوزي) ج 4 / 29.

الأصول العشرة في طريق القوم


الأصول العشرة في طريق القوم



تأليف

أبي الجناب نجم الدين البكري

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي وضع الأصول لتأسيس بناء الأصول، والصلاة والسلام على حضرة الرسول، الذي هو مفتاح كل مسئول، وعلى آله وأصحابه المبشرين، لا سيما العشرة.
أما بعد ...

فهذه (الأصول العشرة) المنسوبة إلى الشيخ العالم العارف المشتهر بأبي الجناب نجم الدين البكري، قدس الله سره وعمم بره، فاعلم ذلك واعمل ؛ حتى يتيسر لك الوصول إلى الله عز وجل، وطريقنا الذي نشرع في شرحه هو أقرب الطرق إلى الله وأوضحها وأرشدها، وذلك لأن الطرق مع كثرة عددها محصورة في ثلاثة أنواع: أحدها: طريق أرباب المعاملات بكثرة الصوم والصلاة وتلاوة القرآن والحج والجهاد وغيرها من الأعمال الظاهرة وهو طريق الأبرار، والواصلون بهذا الطريق أكثر من ذلك الفريق لكن الوصول بذلك منهم من النوادر كما سأل أبو منصور إبراهيم الخواص في أيّ مقام تروض. فقال أروض نفسي في مقام التوكيل منذ ثلاثين سنة.

وثالثها  : طريق السائرين إلى الله وهو طريق الشطار من أهل المحبة، والواصلون بهذا الطريق في البدايات أكثر من غيرهم في النهايات - فهذا الطريق المختار مبني على الموت بالإرادة كما قال عليه الصلاة والسلام «موتوا قبل أن تموتوا، وعد نفسك في الموتى». وهو محصور في عشرة أصول.

الأصل الأول التوبة، وهي الرجوع إلى الله تعالى، كما أن الموت رجوع بغير الإرادة كقوله تعالى: ﴿ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً﴾ وهي الرجوع عن الذنب، وهو ما يحجبك عن الله من مراتب الدنيا والآخرة، فالواجب على الطالب الخروج عن كل مطلوب سواه حتى الوجود كما قيل: وجودك ذنب لا يقاس عليه ذنب آخر.


الأصل الثاني الزهد في الدنيا، وهو الخروج عن متاعها وشهواتها قليلها وكثيرها مالها وجاهها كما أن الموتى يخرجون منها، وحقيقة الزهد: أن تزهد في الدنيا والآخرة كما قال عليه الصلاة والسلام: «الدنيا حرام على أهل الآخرة، والآخرة حرامٌ على أهل الدنيا وهما حرامان على أهل الله».

الأصل الثالث: التوكل على الله تعالى وهو الخروج عن الأسباب والتسبب بالكلمة ثقة بالله تعالى كما هو بالموت. قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾.

الأصل الرابع: القناعة، وهي الخروج عن الشهوات النفسانية والمتمتعات الحيوانية إلا ما اضطر إليه من الحاجة الإنسانية، فلا يسرف في المأكول والملبوس والمسكن، ويقتصر على ما لا بد منه لقوله تعالى: ﴿وَلَا تُسْرِفُوا﴾.

الأصل الخامس: العزلة وهي الخروج عن مخالطة الخلق بالانزواء والانقطاع كما هو بالموت إلا عن خدمة شيخ واصل مرب له، أو أستاذ نافع مشفق لأنهما كالغسال للميت فينبغي للطالب أن يكون بين يديهما كالميت بين يدي الغسال المتصرف فيه كيف يشاء ليغسله بماء الولاية عن جنابة الأجنبية ولوث الحدوث، وأصل العزلة: عزل الحواس بالخلوة عن التصرف في المحسوسات، فإنها كل آفة وبلاء وفتنة تبتلى الروح بها وكانت تقوية النفس وتربية صفاتها وإنما دخلت من روزنة الحواس وبها استتبعت النفس الروح إلى أسفل سافلين وقيدته بها واستولت عليه، فبالخلوة وعزل الحواس ينقطع مدد النفس عن التصرف في المحسوسات، كما أن الطبيب في معالجة المريض يأمر أولًا بالاحتماء مما يضره ويدبره في علل مرضه فينقطع بذلك عنه مدد المواد الفاسدة التي ينبعث به المرض وتنقى به المواد، وقد قيل: الحمية رأس كل دواء، ثم يعالجه بالمسهل ليزيل عنه المواد الفاسدة وتقوى به القوة الطبيعية، والحرارة الغريزية فيزول عنه المرض بدفع الطبيعة ويحدث الصحة، فالمسها ههنا بعد الاحتماء وتنقية مواد الذكر الدائم.

الأصل السادس: ملازمة الذكر، وهو الخروج عن ذكر ما سوى الله بالنسيان، قال تعالى: ﴿وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ﴾ أي غير الله كما هو بالموت، فأما نسبة مسهلية الذكر وهو كلمة لا إله إلا الله فإنه معجون مركب


من النفي والإثبات فالنفي يزيل المواد التي يتولد منها مرض القلب، وقيد الروح وتقوية النفس، وتربية صفاتها، وهي الأخلاق الذميمة النفسانية، والأوصاف الشهوانية الحيوانية وبإثبات إلا الله تحصل صحة القلب وسلامته عن الرذائل من الأخلاق، وانحراف مزاجه الأصلي، واستواء مزاجه وحياته بنور الله تعالى، فتتحلى الروح بشواهد الحق، وتجلي ذاته وصفاته، ﴿وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا﴾ وزالت عنها ظلمات صفاتها، تحلى ﴿يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا للهِ الوَاحِدِ القَهَّارِ﴾ الذي أهلك بتجلي جلاله كل الموجودات، وبرزوا لله الواحد القهار، فقد نبهتك على أمر عظيم إن كنت من أهل القلب السليم الفهيم فعلى قضية ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ﴾، الذاكرية بالمذكورية، والمذكورية بالذاكرية فيفنى الذاكر في الذكر، ويبقى المذكور خليفة للذاكر فإذا طلبت الذاكر وجدت المذكور، وإذا طلبت المذكور وجدت الذاكر، فإذا أبصرتني أبصرته، وإذا أبصرته أبصرتني، ولا تكن ممن قيد الحق بالخلق فإنه إلحاد، وهذا مني لك إرشاد.

الأصل السابع: التوجه إلى الله تعالى بكلية وجوده، والخروج عن كل داعية تدعو إلى غير الله كما هو بالموت، فلا يبقى له مطلوب ولا محبوب ولا مقصود ولا مقصد إلا الله، ولو عرضت عليه مقامات جميع الأنبياء والمرسلين لا يلتفت إليها بالإعراض عن الله لحظة. قال الجنيد قدس سره: لو أقبل الصديق على الله ألف ألف سنة، ثم أعرض عنه لحظة فما فاته أكثر مما ناله.

الأصل الثامن: الصبر، وهو الخروج عن حظوظ النفس بالمجاهدة كما هو بالموت والثبات على فطامها من مألوفاتها ومحبوباتها ؛ لتزيكتها والاستقامة على الطريقة المثلى، قال الله تعالى ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ﴾.

الأصل التاسع: المراقبة، وهي الخروج عن جولة وقوته كما هو بالموت مراقبًا مواهب الحق متعرضًا لنفحاته بالطاعة، معرضًا عما سواه، مستغرقًا في بحر هواه مشتاقًا إلى لقائه، قلبه يحن لديه، وروحه بائن به يستعين عليه، ومنه يستغيث إليه، حتى يفتح الله باب رحمة لا ممسك لها، ويغلق عليه باب


إيلامه لا مفتح له بنور ساطع من رحمة الله على النفس تزول به أمارية النفس في لحظة ما تزول في ثلاثين سنة بالمجاهدات والرياضات، كما قال تعالى: ﴿إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي﴾، وهم الأخيار، بل يبدل سيئات النفس بحسنات لقوله تعالى: ﴿فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ﴾ وهم الأبرار. بل تكون حسنات الأبرار سيئات المقربين بحسنات ألطافه تعالى لقوله تعالى:
﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾ فهذه الزيادة حسنات ألطاف الحق، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.

الأصل العاشر: الرضا، وهو الخروج عن رضا نفسه بالدخول في رضا الله تعالى بتسليم الأحكام الأزلية، والتفويض إلى التدبيرات الأبدية، بلا منازعة ولا اعتراض كما هو بالموت كما قال بعضهم: وكلت إلى محبوبي أمري كله إن شاء أحياني وإن شاء أماتني، فمن يموت بإرادته عن هذه الظلمانية يحييه الله بنور عنايته كما قال جل ذكره: ﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا﴾ أي من كان ميتًا عن أوصافه الظلمانية في شجرة الأنانية، فأحييناه بأوصافنا الربانية، وجعلنا له نورًا من أنوار جمالنا يمشي به في الناس بالفراسة، ويشاهد أحوالهم، كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها: أي كمن لا ظهر له بزهرة المؤمنية، وإثمار الولاية والنبوة.

تم والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد أشرف الخلق أجمعين وآله وصحبه والمقتدين والمهتدين والمسلمين. آمين.

الإنسان والوجود


الإنسان والوجود 

( لسيدي علي الجمل )




قال سيدي علي الجمل: (اعلم أنه ما تخلص باطنك من المكونات ملئ بالمكون ونشأت المحبة بينك وبين سائر المكونات، وما ملئ باطنك من المكونات خرج منه المكون ونشأ البغض بينك وبينه اثر المكونات، ومهما صفت معاملتك مع الخلق عطفت عليك الحكم والسلطان عليه، ولا حكم له عليك: هذا إن كنت له فإنه يكن لك كل شيء، وإذا كنت به كان بك كل شيء )، وقال: (اعلم أنه ما خلق الله جسد الإنسان إلا لأجل الروح، ومهام غابت الروح هلك الجسد وفنى وتلاشى، كذلك خلق الله الوجود لأجل الإنسان ولو غاب الإنسان لهلك هذا الوجود وفنى وتلاشى. خلق الله الجسد كرامة للروح، كما خلق هذا الوجود كرامة للإنسان، فضلًا ورحمة منه. بحانه من لا يحصر جوده وكرمه، الكريم المتعال )، وقال: (اعلم أن حدث السن وحدث العقل، لا تجد صفاته إلا غالبة على ذاته، وشامخ السن وشامخ العقل لا تجد ذاته إلا غالبة على صفاته. حدث السن مكسو بكسوة حضرة الربوبية، وهي كسوة العز والعلو، وهي تغرس صاحبها في الذل والدنو، أحب أم كره، وشامخ العقل مكسو بكسوة حضرة العبودية، وهي كسوة الذل والدنو، وهي تغرس صاحبها في العز والعلو، أحب أم كره. غرس الصفات عز، يثمر بأثمار الذات ذل. وغرس الذات ذل، يثمر بأثمار الصفات عز، هكذا في الإنسان، وهكذا في الوجود. كأن الأشياء كامنة في أضدادها في الوجود، كذلك الأشياء كامنة في أضدادها في الإنسان. الإنسان نسخة الوجود، والوجود نسخة الإنسان. الإنسان ملك على الوجود، والوجود مملوك للإنسان. ملك الإنسان قائم بمملكة الوجود، ومملكة الوجود قائمة بملك الإنسان. ما شاء الإنسان كان في الوجود، وما شاء الوجود لا يكون في الإنسان. تصرف الإنسان في الوجود، كتصرف القلب من الإنسان، والقلب بيت الله في الإنسان، وهو بين أصابع الرحمن، يتقلب في كل حال وفق إرادة الملك الديان )، وقال: (اعلم أن حقيقة الإنسان كحقيقة أحوال الوجود، وحقيقة أحوال الوجود كحقيقة أحوال الإنسان، حرفًا حرفًا، من غير زيادة ولا نقصان. فأحوال الوجود قامت بالأضداد، كالشتاء والمصيف نعني به الحرارة والبرودة، كل حالة لا تقوم إلا بالأخرى معها، ولو كانت حالة واحدة لاضمحل الوجود، ولكن لا بد أن يكون الحكم لواحدة على الأخرى أي التي تكون في الوقت غالبة يكون لها الحكم على الأخرى، ولو كانت معها لا تفارقها ولا تقوم إلا بها، كما أن في المصيف يكون الحكم للحرارة، مع أن البرودة لا تفارقها، ولو كان في المصيف الحرارة من غير برودة لاضمحل الوجود ومن هو فيه وتلاشى بالحر، وكما أن في الشتاء يكون الحكم للبرودة، مع أن الحرارة لا تفارقها، ولو كان في الشتاء البرودة من غير الحرارة لاضمحل الوجود ومن فيه وتلاشى بالبرودة. كذلك الإنسان كل فصل وكل وقت يكون فيه الحال وضده، ولكن الحكم للغالب في الوقت، لأن وجود الوجود ما قام واستوى إلا بالأشياء وأضدادها أبدًا، ولو كان فيه حال واحد طرفة عين لهلك الوجود وعدم. كذلك الإنسان ما قام واستوى وجوده إلا بالأشياء وأضدادها أبدًا، ولو كان فيه حال واحد طرفة عين لهلك الإنسان وعدم واضمحل، وهكذا فإن الإنسان كما قلنا أولًا نسخة من الوجود، والوجود نسخة من الإنسان. قيل إن عالم النفوس هو العالم الأكبر، وعالم الوجود نسخة منه، لأن عالم النفوس له الحكم على عالم الوجود، ولا حكم لعالم الوجود على عالم النفوس، وذلك لما عظمه وشرفه حيث قال: « لن تسعني أرضي ولا سمائي ويسعني قلب عبدي المؤمن ». هذا هو الدليل على شرفه عليه )، وقال: (اعلم أن حقيقة الإنسان وحقيقة الوجود، حكمهما كأنه واحد، من غير زيادة ولا نقصان. وإن فتشتهما في الأصل وجدتهما حقيقة واحدة، وحكمهما يرجع إلى خمسة أقسام: أولها: إما أن تكون حرارتهما على قدر برودتهما فهذه منزلة الاعتدال، وإما أن تكون حرارتهما من غير برودة، وإما أن تكون برودة من غير حرارة، وإما أن تكون حرارة وبرودة لكن الحرارة أقوى من البرودة، أو تكون حرارة وبرودة أيضًا ولكن البرودة أقوى من الحرارة. أما القسم الأول وهو قسم الاعتدال وهو الذي ذمه الله تعالى في قوله: ﴿ مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ ﴾ [ النساء: 143]، فزيادة هذا القسم زيادة سفلية. والقسم الثاني وهو حرارة من غير برودة، زيادته أيضًا سفلية. والقسم الثالث برودة من غير حرارة، زيادته أيضًا سفلية. والقسم الرابع وهو ترجيح الحرارة على البرودة، وهو مذهب أهل الباطن، زيادته علوية. والقسم الخامس هو ترجيح البرودة على الحرارة، هو مذهب أهل الظاهر، وزيادته علوية. أما الثلاثة جرت عادة الله بها في الوجود: منزلة الاعتدال، ومنزلة الترجيح الأول، ومنزلة الترجيح الثاني. وأما منزلة الحرارة فقط، ومنزلة البرودة فقط، ما جد في شيء إلا عدم )، وقال: (اعلم أنك إذا خفت من الوجود وغلبك الوجود فخوفك منه أصلي وغلبته لك أصلية، وإذا غلبت الوجود وخاف منك الوجود فغلبتك له أصلية وخوفه منك أصلي. 



وحاصل هذا الكلام أنك إذا كنت بالله تغلب كل شيء ويخاف منك كل شيء ويكون بمرادك وعند أمرك ونهيك، وإذا كنت بنفسك غلبك كل شيء وخفت من كل شيء، وأين من يخاف منه كل شيء مرأ مرأ منع الذي يخاف من كل شيء. الثاني مملوك للوجود، والأول مالك للوجود، وشتان بين المالك والمملوك )، وقال: (اعلم ومما يدلك على الوجود كله واحد، وأنت هو ذلك الواحد، إلا إذا اهتممت بشيء في باطنك ولم يعلم بطويتك سواك، فإن الوجود كله لا يقابلونك إلا بما اهتممت به خيرًا كان أو شرًا )، وقال: (اعلم أنك ما تهيأت لشيء إلا تهيأ لك ذلك الشيء كان ظاهرًا أو باطنًا، ولا طلبت شيئًا إلا طلبك، ولا نكرت شيئًا إلا نكرك، ولا أقبلت على شيء إلا أقبل عليك، ولا أعرضت عن شيء إلا أعرض عنك، ولا أحببت شيئًا إلا أحبك، ولا كرهت شيئًا إلا كرهك هو، وحاصله: الوجود مثل المرآة، ما قابلته بشيء إلا قابلك به، وأين ما طرحت نفسك ثم تجدها، قال تعالى: ﴿ وَآَتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ ﴾ [ إبراهيم: 34 ]، وعنه > : « إن الله يرزق العبد على قدر همته »، أو كما قال. النفس مثل النحلة: البلدة التي رتعت فيها، من طعمها تتعشى، وبه تروح في مخلبها إلى جبحها )، وقال: (اعلم أنك إذا توجهت للوجود بظاهرك ظلمة وبباطنك نورًا فإن الوجود يقابلك كما قابلته ظواهره ظلمة وبواطنه نورًا، وإذا قابلته بعكس هذا الأمر يعني بظاهرك نورًا وببواطنك ظلمة فإن الوجود يقابلك كذلك أيضًا، أي بما قابلته يقابلك، ومن جملة ذلك لبس الثياب الجميلة جمال للخلق جلال لنفسك كذلك يقابلك الخلق يدفعون الجمال إليك والجلال لأنفسهم، وكذلك لبس الثياب الرثة جلال للخلق جمال لنفسك كذلك يقابلك الخلق يدفعون الجلال إليك والجمال لأنفسهم كأن الوجود مرآة بما تقابله يقابلك )، وقال: (اعلم أنك إذا تواضعت للوجود وملكته نفسك، فإن الوجود يتواضع إليك ويملكك نفسه، فيكون طوع يديك تفعل به ما تريد. وإذا تعاظمت على يده يفعل بك ما أراد. صار ملك الإنسان في عبوديته، وعبودية الإنسان في ملك، قال تعالى: ﴿ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ ﴾ [ الأنعام: 139 ]. انظر قول الشاذلي رحمه الله: واجعلنا عبيدًا لك في جميع الحالات، لأن الوجود يتلون بتلونك كما تتلون المرآة بتلونك إذا قابلتها، وذلك لأن الوجود منك، وأنت منه، والوجود أنت، وأنت الوجود )، وقال: (اعلم أنك إذا أقررت للوجود أنه منك وأنت منه، فإن الوجود يقر لك أنك منه وهو منك، فإذا حصل هذا الإقرار بينك وبينه، فإن الوجود كله يصير عندك بمنزلة أعضائك يتحرك بتحرك همتك ويسكن بسكونها، فإذا صار الأمر هكذا يصير الوجود فوقي وسفلي كله واحد، وأنت ذلك الواحد. قال الششتري رحمه الله في بعض كلامه:

إذا شعرت بالوجود قد لاح في ذاتك

هو دس ولازم الجحود هدك صفاتك

واضرب بترسك العقود والق عصاتك


لأن هذا الوجود خلقه الله تبارك وتعالى منك، وخلقك منه، يعني كانت نشأته منك في عالم الحقيقة، كما كانت نشأتك منه في عالم الشريعة، لكن فضلك وكرمك عليه حيث جعلك أميرًا عليه وجعله تابعًا لهمتك وأمرك وإرادتك. جعلك الله تحكم عليه، ولا يحكم عليك. الوجود كله مرآة مقابلة لك: أحوالك أحواله، وأقوالك أقواله، وأفعالك أفعاله، من غير زيادة ولا نقصان. إذا عطفت عليه وأقررت له بقربه منك، عطف عليك وأقر لك بقربك منه. وإذا أبعدته منك ونكرت قربه، بعدك ونكر قربك منه )، وقال: (اعلم أن الوجود في الحقيقة هو منك وأنت منه، يعني على قدر ما تكون أنت منه يكون هو منك، وعلى قدر ما تكون عبدًا له يكون هو عبدًا لك، وعلى قدر ما تكون أنت سيده يكون هو سيدك، وعلى قدر ما تعظمه وتشكره يعظمك ويشكرك هو على قدر ذلك، وعلى قدر ما تحتقره وتذمه يحتقرك هو ويذمك، وعلى قدر ما تنفق وتتكرم على الوجود ينفق هو عليك ويتكرم عليك، من غير زيادة ولا نقصان، وعلى بخلك عليه يكون بخله عليك قال تعالى:
﴿ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ ﴾ [ محمد: 38 ]، وعلى قدر حبك له يكون حبه لك، وعلى قدر بغضك له يكون بغضه لك، وعلى قدر إقرارك له يكون إقراره لك، وعلى قدر إنكارك له يكون إنكاره لك، وعلى قدر صدقك معه يكون صدقه معك، وعلى قدر إحسانك معه يكون إحسانه معك، وعلى قدر إساءتك له تكون إساءته لك، وعلى قدر ذلك له يكون ذله لك، وعلى قدر عزك عليه يكون عزه عليك، إلى ما ليس له نهاية من هذه الأمور. كأن الأمور كلها منك تخرج، وعليك تعود، خيرياتها وشرياتها. كأن الأمور كلها بيدك، والحق هو أنها كلها بيدك من جهتك التي قابلت بها الربوبية، والحق أيضًا هو أنه ليس بيدك شيء منها أي من جهتك التي قابلت بها العبودية. وكل إنسان له هاتان الوجهتان: وجهة الربوبية ووجهة العبودية، وهو كالمرآة إذا قابلته العبودية ظهر عليه آثارها أحب أم كره، وإذا قابلته الربوبية ظاهر عليه آثارها أحب أم كره. ولكن العموم صاروا عمومًا لأنهم جاهلون بذلك يردونه ولا يعرفون حكمه، من أجل ذلك منعوا من


نفحاته. والخصوص نفعنا الله بهم صاروا خصوصًا لعلمهم بذلك وعملهم به، يردونه على معرفة وعيان فحصلت لهم نفحاته عاجلة وآجلة، شموا الأنوار وأكلوا الأُثمار. رزقنا الله محبتهم وجعلنا من المتعلقين بأذيالهم في الدنيا والآخرة، بفضله وإحسانه ).
...
المصدر  : كتاب : سيدي علي الجمل

موقف القرب


موقف القرب
من كتاب ( المواقف والمخاطبات للإمام النفري )



أوقفني في القرب وقال لي ما مني شيء أبعد من شيء ولا مني شيء أقرب من شيء إلا حكم إثباتي له في القرب والبعد.
وقال لي البعد تعرفه بالقرب، والقرب تعرفه في بالوجود.
وأنا الذي لا يرومه القرب، ولا ينتهي إليه الوجود.
وقال لي أدنى علوم القرب أن ترى أثار نظري في كل شيء فيكون أغلب عليك من معرفتك به.
وقال لي القرب الذي تعرفه في القرب الذي أعرفه كمعرفتك في معرفتي.
وقال لي لا بعدي عرفت ولا قربي عرفت ولا وصفي كما وصفي عرفت.
وقال لي أنا القريب لا كقرب الشيء وأنا البعيد لا كبعد الشيء من الشيء.
وقال لي قربك لا هو بعدك وبعدك لا هو قربك، وأنا القريب البعيد قرباً هو البعد وبعدا هو القرب.
وقال لي القرب الذي تعرفه مسافة، والبعد الذي تعرفه مسافة، وأنا القريب البعيد بلا مسافة.
وقال لي أنا أقرب اللسان من نطقة إذا نطق، فمن شهدني لم يذكر ومن ذكرني لم يشهد.
وقال لي الشاهد الذاكر إن لم يكن حقيقة ما شهده حجبه ما ذكر.
وقال لي ما كل ذاكر شاهد وكل شاهد ذاكر.
وقال لي تعرفت إليك وما عرفتني ذلك هو البعد، رآني قلبك وما رآني ذلك هو البعد.
وقال لي لن تجدني ولا تجدني ذلك هو البعد، تصفني ولا تدركني ذلك هو البعد، تسمع خطابي لك من قلبك وهو مني ذلك هو البعد، تراك وأنا أقرب إليك من رؤيتك ذلك هو البعد.

من هو الصوفي ؟ وبم يمتاز عن غيره ؟


من هو الصوفي





1.   من هو الصوفى ؟
2.   وبماذا يمتاز عن عامة المسلمين ؟
3.   وهل هناك فرق بينه وبين التقى ، أو المؤمن ، أو المسلم ، أو الصديق ؟
4.   وإذا لم يكن هناك فرق ، فلماذا الإصرار على استخدام الاصطلاح ؟
الجواب :
1. تستطيع أن تعرف الصوفى الحق ، بأنه المسلم النموذجى ، فقد اجمع كافة أئمة التصوف على أن التصوف هو الكتاب والسنة ، فى نقاء وسماحة واحتياط ، وشرطه أئمة التصوف فى مريديها أخذاً من قوله تعالى : ] ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون [ " سورى آل عمران ، الآية 79 "
والعلم هنا أولاً : علم الدين بدعامتيه " الكتاب والسنة " ، ثم هما بدورهما منبع كل علم إنسانى نافع ، على مستوى كافة الحضارات ، وتقدم البشرية ، مقتضى تطور الحياة .
فالتصوف إذن هو : ربانية الإسلام الجامعة للدين والدنيا ( قال الشيخ شهاب الدين أبو حفص عمر بن محمد السهرودى رحمه الله تعالى : " إن الصوفى من يضع الأشياء فى مواضعها ويدبر الأوقات ، والأحوال كلها بالعلم ، يقيم الخلق مقامهم ، ويقيم أمر الخلق مقامه ، ويَستر ما ينبغى أن يُستر ، ويُظهر ما ينبغى أن يظهر ، ويأتى بالأمور من مواضعها بحضور عقل ، وصحة توحيد ، وكمال معرفة ، ورعاية صدق وإخلاص " { راجع الخطط التوفيقية لــ " على باشا مبارك رحمه الله تعالى جـ1 ص90 طبع المطبعة الأميرية سنة 1305 هـ } .
ومن هنا جاء قول أئمة التصوف ، وفى مقدمتهم ( الجنيد ) : " من لم يَحصل علوم القرآن والحديث ، فليس بصوفى " ،وأجمع على ذلك كل ائمة التصوف ، من قبل ومن بعد ، وتستطيع مراجعة نصوص أقوالهم عند القشرى ، والشعرانى ، ومن بينهما ، ومن بعدهما .
2. أما الامتياز عن عامة المسلمين ؛ فالقاعدة الإسلامية هنا هى العمل ؛ فإذا عمل الصوفى بمقتضى ما تتمين عليه كقدوة وداعية ، امتاز بمقدار جهده ، شأن كل متخصص وإلا فهو دون كل الناس إذا انحرف أو شذ ، بل إن تجاوز .
فالصوفية يجعلون خلاف الأولى فى مرتبة الحرام اتقاءً للشبهات ، واستبراءٌ للعرض والدين "ومن نصوص الحديث – كما فى الفتح الكبير قوله صلى الله عليه وسلم :
{ الحلال بيّن والحرام بيّن ، وبينهما أمور متشبهات لا يعلمها كثير من الناس ، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لعرضه ودينه ، ومن وقع فى الشبهات وقع فى الحرام ، كراع يرعى حول الحمى يوشك أن يواقعه ، ألا وإن لكل مَلك حمى ، ألا وإن حمى الله تعالى فى أرضه محارمه ، الا وإن فى الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله ، وإذا فسدت فسد الجسد كله ، ألا وهى القلب ] . " رواه الأربعة ، والبخارى ومسلم " .
وهم يعرفون كيف أن السلف كانوا يتركون تسعة أعشار الحلال : خوف الوقوع فى الحرام ، فهم يؤمنون بهذا ، ويحاولون العمل به .
والله تعالى يقول : ] ولكل درجات مما عملوا [ " هو من كلام سيدنا عمر " ، فهم يؤمنون بهذا ويحاولون العمل به .
3.   أما مسألة الفرق بين الصوفى ، والمسلم ، والمؤمن ، والتقى :
فأن الإسلام شرع لنا تعريف الناس بخصائصهم ، وذكرهم بما يميزهم عن غيرهم ، وقد ذكر الله المهاجرين والأنصار بخصيصتهم : تعريفاً ، وهم مسلمون مؤمنون أتقياء ، وذكر رسول الله e بلالاً الحبشى ، وصهيباً الرومى ، وسلمان الفارسى بما يميزهم من الألقاب ، وهم مسلمون مؤمنون أتقياء .
وذكر القرآن من المسلمين أصنافاً : الخاشعين ، والقانتين ، والتائبين ، والمتصدقين ، والعادين ، والخامدين ، والسائحين وغيرهم ، وكلهم من أهل ] لا إله إلا الله [ .
إذن ، فذكر إنسان بخصيصة عُرف  بها عند الناس ، سنة قرآنية ونبوية ، وما دامت هذه الطائفة ، قد عرفت باسم الصوفية لسبب أو لآخر ، فليس بدعاً أن تُدعى بهذا الاسم .
ثم لماذا كل هذه الزوبعة هنا ، ولا تكون هناك زوبعة حين يقال (سلفية) ؟! ـو (أزهرية) ، أو (وهابية) ، أو (شافعية) ، أو (مالكية) ، أو(حنبلية) ؟! وهل كان فيما مضى ( جمعية كذا – أو جماعة كذا ) ؟
أرايت أن الأمر كان أهون من أن يكون سؤالاً ، لولا المذهبية المدمرة ، والتعصب الموبق 1؟
...
المصدر : كتاب أبجدية التصوف

التصوف كخبرة بالهوية الإنسانية

التصوف كخبرة بالهوية الإنسانية  (human identity)





إن المصطلح "صوفى" مع كل مشتقاته قد تم ابتذاله على نطاق واسع فى الثقافة التسويقية المتداولة حاليًا والمفروضة على الجماهير عبر شتى الوسائل الإعلامية. فقد تم اختزال هذا المصطلح فى أغلب الأحيان كعبارة عن كل ما هو شاذٌّ غريبٌ، غير منطقى وتافهٌ على مستوى العرض السوقى الاستهلاكى فى عالمنا المُعولَم. لقد وصلنا إلى حد أننا كثيرًا ما نسمع الحديث بصفاقة مدهشة عن تصوُّف (mysticism) يخص بعض الأشياء التافهة مثل العطور والسيارة وكرة القدم والموضة، وهلمَّ جرًّا من المنتجات التسويقية المعروضة عبر الوسائل الإعلامية العامة. وكذلك، يُستخدم مصطلح "صوفى" (mystic) للتلميح إلى أى نوع من الظواهر الغيبية الغريبة وغير الطبيعية أو غير المنطقية من أمثال الرؤى والأحلام، والأحداث الخارقة للعادة،

 ومن ناحية أخرى، فالخبرة الصوفية تحملنا إلى مستوى يتجاوز كل صيغة عقلانية منطقية محددة. فقبل كل شىء نتعامل هنا مع خبرة، أى مع حدث وجودى ذاتى، يدخل الإنسان من خلاله فى اتصال بسر الوجود الأسمى، وهو السر الإلهى. وفى هذا اللقاء، كما يبدو بوضوح من شهادة المتصوفة (mystics) من كل الأديان، قد تحدث أشياء، من "ما لا عين رأت ولا أذن سمعت"، إذْ إنَّ الصوفى عَبْرَ خبرة عميقة كهذه يتحول فى أعماق كيانه تحولاً جذريًا. فالمتصوفة الذين حصلت لهم خبرة حقيقية مع الله بوصفه المطلق، اختبروا فيها أن كل الحدود التى تحدِّد وتُكبِّل وجودنا البشرى العادى المرسوم فى إطار الزمان والمكان، قد تم تجاوزها بشكل ما. وهذا لأن الخبرةَ الصوفية فى أساسها لقاءٌ مع الحقيقة المطلقة، وحقيقة كهذه لا يمكن أن تصبح ملكًا أو حكرًا لأىِّ كائن، كما أنها لا يمكن حصرها فى حدود ثقافة بشرية معينة. فعلى مستوى الخبرة الصوفية "الروح فقط هو القانون"، يقول الصوفى المسيحى القديس يوحنا الصليب (John of the Cross, d. 1591)، وعلى هذا المستوى يتحلَّى الإنسان بـ "الصفات الإلهية"، كما يقول المتصوفة المسلمون. فعلى أية حال فالمتصوفة يتكلمون بلغة لا يمكن فهمها إلا لمن ذاق مذاق خبرتهم تلك، حسب قولهم "من ذاق عرف"، وشرب من عين مشربهم فيما وراء الصيغ الشكلية العقلانية. فعلى هذا المعنى تأتى العبارة الشهيرة للصوفى محمد عبد الجبار النفرى (ت354هـ/ 965م أو 366هـ/ 976م) فى كتابه الشهير "المواقف والمخاطبات"، "كلَّما اتَّسعَتِ الرؤيةُ ضاقَتِ العبارةُ". إذن، فإن الخبرة الصوفية فى واقع أمرها تَقْصِد، بل يجب أن تكون فى المقام الأول خبرة وجودية حية ملموسة بالحقيقة المطلقة، وإلا فلن تكون صوفية البتة.
إذن، فالخبرة الصوفية، وهى قلب كل خبرة دينية، يجب أن تصير أيضًا بالضرورة الموضِع المميَّز للحوار بين الأديان بل الأساس للحوار بين الثقافات والحضارات أيضًا. وهناك عدد من المجالات المهمة ينبغى بل يجب أن يُجرى فيها الحوار على مستوى هويته الأعمق، كما يكتشف ويَخْبَر أن هويته هذه يشاركه فيها غيره من البشر، وهى جذور الأُخوَّة الإنسانية الأصلية. 
....
المصدر : كتاب التجليات الروحية في الإسلام




الأنفس السبع




الأنفس السبع




 خلق
 الله جل وعلا النفس البشرية وجعل فيها طباعاً كثيرة منها طباع الخير ومنها طباع الشر ومنها طباع بين الخير والشر قال تعالى((إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا *سورة الدهر)) وكما جاء في كتاب قوت القلوب للشيخ أبي طالب المكي أن الله خلق الإنسان وجعل في نفسه أربعة أنواع من الصفات وهي: 

- صفات الربوبية: مثل الكبرياء – حب المدح والشكر والثناء – الجبروت وهذه لا تنبغي إلا لله تعالى .

- صفات العبودية: مثل الخضوع لله – الذل – التواضع – الرحمة – المودة والمحبة – الرحمة – الشفقة

- صفات حيوانية: مثل الأكل- الشرب – النوم – النكاح والتزاوج.

- صفات شيطانية: مثل الكذب – التكبر – العجب –الخداع – المكر- الإغواء – حب المخالفة .


والمطلوب من الإنسان أن يتخلى عن صفات الربوبية والصفات الشيطانية وأن لا يكون أكبر همة الصفات الحيوانية وأن يتمسك ويتحلى بصفات العبودية وبذلك يكون كما أراد الله له أن يكون في قوله تعالى في القرآن الكريم((وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10) سورة الشمس )) والناس في تزكية نفوسهم على درجات كل حسب همته في السير إلى الله والتزامه على منهج الله وكما ورد في الأثر أن الله تعالى خلق الإنسان بعقل وشهوة وخلق الملائكة بعقل دون شهوة وخلق الحيوان بشهوة دون عقل فالإنسان إذا غلب عقله على شهوته صار أفضل من الملائكة وإن غلبت شهوته على عقله صار أدنى من الحيوان

وقد قسم سيدي ومولاي الشيخ عبد القادر الجيلاني النفس إلى سبعة أقسام عرفت بالأنفس السبع وجعل لها منهجاً عظيماً من أجل التزكية وصنف أورادها وأذكارها وصفاتها وفروعها وهذه الأنفس هي :

1. النفس الأمـــارة

2. النفس اللـوامــة

3. النفس الملهـــمة

4. النفس المطمـئنة

5. النفس الراضـية

6. النفس المرضية

7. النفس الكــــاملة

......

جدول أسماء الأنفس السبع مع صفاتها 


اسم النفس

صفات كل نفس من الأنفس السبع




م
اسم النفس
صفات كل نفس من الأنفس السبع
1
الأمــارة
البخل – الحرص- الأمل- الكِبْر- الشهرة- الحسد- الغفلة
2
اللـــوامة
اللوم- الفكر- القبض- العجب- الاعتراض
3
الملهــمة
السخاوة- القناعة- العلم- التواضع- التوبة- الصبر- تحمل الأذى-
4
المطمئنة
الجود- التوكل- الحكم- العبادة- الشكر- الرضا
5
الراضية
الزهد- الإخلاص- الورع- الوفاء- ترك مالا يعنيه
6
المرضية
حسن الخلق- ترك ما سوى الله- اللطف بالخلق- التقرب إلى الله-التفكر-الرضا
7
الكـــاملة
جميع ما ذكر من الصفات الحسنة السابقة

الحركة فـي الذكر (التمايل)

  الحركة فـي الذكر (التمايل) أحمد عبد المالك الحركة في الذكر أمر تناوله علماء الإسلام ما بين الإباحة والتحريم والتقييد بشروط وما زال لل...