الجنة والنار في التفسير الصوفي الإشاري للقرآن المنهج والدلالة
د. حسين علي عكاش (*)
لما عالج الصوفية لغة
القرآن، أخرجوا للناس من ألفاظها معاني لم نألفها، لان لغة القرآن عندهم لا تدل
على الشيء ذاته فقط بل تشير إلى شيء أخر غير ظاهر لذي نظرة سطحية ظاهرية، يدركه
أرباب السلوك بطريق الإشارة ([1]). وهذا في الواقع انعكاس لفكرة يؤمن بها الصوفية،
وهي أن كلام الله غير محدود، حيث تتعذر الإحاطة به فما لا ينتهي لا يعبر عنه إلا
بما لا ينتهي.
وهذا لا يعني أن الصوفية
يختلفون عن غيرهم في الدلالة المركزية لهذا اللفظ القرآني أو ذاك، بل نراهم
يتمسكون بها ويجعلونها معبرا للوصول إلى المعنى الخفي. والخلاف الذي يقع بينهم
وبين الأخرين من مفسري المدارس الأخرى إنما يكون في الدلالات الهامشية، التي هي
نتاج التجارب والظروف ([2])، إذ لا يتصور أن المتصوفة إذا تفوه أحد الناس أمامهم
في حياتهم اليومية على سبيل المثال بكلمة (السماء) يفهمون منها الجوارح، وإنما يدركون
هذا المدلول من تلك الكلمة عندما تكون في سياق قرآني معين، حيث يلفتهم المعنى
الظاهري أو المدلول المركزي إلى معنى خفي. والحقيقة أن هذا المعنى الخفي الذي
يستنبطه الصوفي من اللفظة القرآنية هو دلالة جديدة أضفاها مفسرو الصوفية على
اللفظة القرآنية، وهذه الدلالة لا يخلو حالها إما أن تكون نقلا للمعنى القرآني
الظاهر إلى معنى أخر وإما توسيعا له أو تضييقاً ([3]).
وتفسير القرآن بوصفه طريقا
من الطرق التي اتبعها المتصوفة في التعبير عن أفكارهم وارائهم يختلف أساسا عن
الطرق الأخرى، وذلك أن الصوفي في حالة تعبيره نثرا أو شعرا يكون طريق سيره من
الباطن إلى الظاهر، أي من حالة وجدانية داخلية متمثلة في الأفكار والمشاعر المجردة
إلى تصويرها في مجسدات مما تألفه العين والأذن وغيرها من الحواس ” وهنا بطبيعة
الحال يتجسد في اللغة الإشارية التي أراد أن يعبر بها الصوفي عن تلك الحالة الشعورية
التي تختلج في نفسه. لكن هذا الترتيب ينعكس في حالة تفسيرهم للقرآن حيث ينتقل
الصوفي خلاله من الظاهر وهي اللغة الظاهرة التي تتجلى في النص القرآني إلى الباطن
الذي يشير إليه ذلك الظاهر من وجهة نظر المفسر الصوفي، لشرح الغامض وإظهار الباطن.
ومن ثم يكون الصوفي في حالة التعبير عما يختلج في صدره ينتقل من الباطن إلى الظاهر
وفي حالة التفسير ينقل من الظاهر إلى الباطن كما بينا.
ولكي يزداد الأمر وضوحا
سنقف عند كلمتين قرآنيتين وقف عندهما مفسرو الصوفية هما الجنة والنار، ويكون ذلك
بالإجابة عن الأسئلة التالية: كيف فسر الصوفية الجنة والنار في بعض السياقات
القرآنية؟ وما هي الدلالات الجديدة لمستنبطة من تلك الكلمتين؟ وما هو المنهج الذي
اتبعوه في ذلك؟
أولا : النار
المدلول اللغوي
تأتي مادة (نور) في المعاجم
العربية لتفيد في معناها العام الإضاءة ومن ذلك النور والنار ([4]). هنا وقد تحدثت
المعاجم عن النار بعامة دون التفريق بين نار الدنيا المعروفة ونار الأخرة التي هي
فوق كل تصور والتي وصفها القرآن بأن (وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ
عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ) (التحريم: 6) فهي نار تمتاز من غيرها من
النيران بأنها لا تتقد إلا بالناس والحجارة، أو توقد بنفس ما يراد إحراقه وإحماؤه
([5]).
ولعل من الممكن أن نقول إن
الفرق بين النارين المذكورتين، أن الدنيوية يمكن تصورها، إذ العقل يستطيع أن يحدد
معناها لأنه يحمل لها صورة محدودة معروفة، في حين نجده يقصر عن تحديد نار الأخرة،
لأنها لم تر بحاسة العين التي تحدد الأشياء، وإنما كان العلم بها عن طريق السمع
الذي لا يعطي للعقل صورة مقيدة للشيء، ومن ثم يذهب فيه العقل كل مذهب. والذي أريد
أن أشير إليه أن كلمة النار التي ذكرها القرآن ذات دلالة فضفاضة لا يستطيع العقل
أن يعرف لها حدودا وتصورات، بعكس النار التي في الدنيا فهي يمتلك لها صورة في
الذهن إذا ما أطلقت.
ومن التوسعات الدلالية
التي ذكرتها المعاجم لمفهوم النار أنها أطلقت على (السمة) التي هي أثر الكي حيث
توضع على الإبل لتحديد صاحبها، فيقال جعلت عليه نارا وما به نورة أي وسم، ويقولون
ما نار هذه الناقة؟ أي ما سمتها، حيث سميت نارا لأنها بالنار توسم من باب تسمية
الشيء بسببه ([6]). والنار بعامة من حيث انتماؤها الدلالي تؤول إلى حقل الموجودات
([7]). وإذا ما نظرنا إليها بعين التفريق بين النار الدنيوية والنار الأخروية، نجد
أن النار الدنيوية ترجع إلى الموجودات غير الحية الطبيعية، في حين تنتمي فيه النار
الأخروية إلى الموجودات الغيبية الأخروية، لذا فهي غير محدودة الدلالة كما هو
الحال في نار الدنيا، فهي نار يكون الاعتراف بوجودها مبني على الاعتقاد الذي نشأ
بطريق الإخبار الإلهي في القرآن الكريم.
معنى النار عند المفسرين
لم يخرج مفسرو القرآن في
كل من مدرستي المأثور والمعقول في تفسيرهم لكلمة (النار) في القرآن عن المعنى
الظاهري الذي يدل عليه لفظ النار وذلك حسب سياق الآية الذي ترد فيه تلك اللفظة،
حيث إن هذه اللفظة كما يرى مقاتل بن سليمان (ت 150 ه) لم يخرج معناها في القرآن عن
ثلاثة وجوه: الوجه الأول بمعنى النور ومن ذلك قوله تعالى: (إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا
لَعَلِّي آَتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ) (طه: 15). والذي يبدو أن مقاتلا قد فسرها
هنا بالنور على اعتبار ما بدا لموسى عند الوقوف عليها، لأنه عندما رآها من بعد
رآها نارا أراد أن يستوقد منها، ومن هنا فسرها ابن كثير على هذا الأساس في قوله
تعالى: (آَنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا) (القصص: 29)، بقوله: ” أي رأى نارا
تضيء على بعد” ([8])، ولكن عندما اقترب منها موسى ” إذ هي نور بين السماء والأرض
له شعاع تكل عنه الأبصار ” ([9]). والوجه الثاني كما يرى ابن سليمان النار مثل
ضربه لإجماع اليهود على محاربة النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك في قوله تعالى:
(كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ) (المائدة: 64)
([10]). أما الوجه الثالث فالنار التي تحرق، من ذلك قوله تعالى: (فَاتَّقُوا
النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ) (البقرة: (24، وقوله:
(رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) (آل
عمران: 191)، وقوله: (نَارُ اللَّهِ الموقَدَةُ) (الهمزة: 6)، وقوله: (فَمَا
أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ) (البقرة175: ) ([11])
النار في التفسير الصوفي
([12])
لقد أضفى جعفر الصادق (ت
148 هـ) على كلمة (النار) سعة دلالية عند تفسيره لقوله تعالى: (نَارُ اللَّهِ
الموقَدَةُ (6) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ) (الهمزة: 6-7)، وذلك
بقوله: “النيران شتى مختلفة، فمنها نار المحبة والمعرفة تتقد في أفئدة الموحدين،
ونيران جهنم تتقد في أفئدة الكافرين، ونيران المحبة إذا اتقدت في قلب المؤمن
احترقت كل جهة لغير الله وكل ذكر سوى ذكره ” ([13]). لقد انطلق الصادق في تفسيره
لكلمة (النار) المذكورة في الآية مباشرة دون مقدمات بذكر أن للنار أنواعا وأشكالا.
والذي مكنه من هذه الرؤية التوسعية لدلالة كلمة النار هو المشابهة ([14]) التي
حصلت عنده بين النار المعروفة والأنواع الأخرى من النيران وذلك في الاهتياج وعدم
القرار، والثوران والغليان في كل. وبناء على ذلك تكون النار عند الصادق على ضربين:
الضرب الأول هو النار المعروفة التي يدل عليها السياق القرآني وهي نار يوم القيامة
التي أعدها الله للكافرين. ومن هذه النار الواردة في السياق القرآني، انتزع الصادق
بطريق المشابهة نيرانا أخرى، وهو ما يمثله الضرب الثاني وهي النيران الخيالية التي
جعلها الصادق للمحبة المتقدة في قلوب الموحدين.
ومما يحسن ذكره أن النار
الواردة في السياق القرآني نار تؤدي بمن يكون متلفعاً بها إلى العذاب والألم غير
المحدود، في حين نرى أن النيران المنتزعة منها مقسمة إلى نوعين من النار نوع يؤدي
بصاحبه إلى النجاة والسعادة الدائمة وهي المتجسدة في نار المحبة ونار المعرفة المتقدتين
في أفئدة الموحدين، ونوع أخر يدفع بأصحابها إلى سلوك الطريق إلى النار المعدة لهم
في يوم القيامة وتلك هي النار المتقدة في أفئدة الكافرين. وهي في الحقيقة نيران
الشهوات واللذات والجهل وعدم المعرفة. وقد عبر عنها الصادق بنيران جهنم من باب
تسمية الشيء بنتيجته، لان وجود الشهوات واللذات والجهل بالله تؤدي إلى نار جهنم
وهي نتيجتها المترتبة عليها.
والذي أراد أن يبرزه
الصادق من خلال توسيعه لدلالة (النار) في الآية السابقة هو ما يعرف عند الصوفية
بالمحبة والمعرفة وما لهما من مكانة وأهمية. أما المحبة فهي في الحقيقة لم تكن من
المفاهيم التي استحدثها الصوفية، وإنما هي من مفاهيم القرآن التي ذكرها الله تعالى
في مواضع عدة من كتابه، ومن ذلك قوله تعالى: (فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ
يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ) (المائدة: (54، وقوله: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ
تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ) (آل عمران: 31) كذلك ورد
هذا المفهوم في كثير من الاحاديث النبوية كقوله صلى الله عليه وسلم – على سبيل
المثال لا الحصر-: ” من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن لم يحب لقاء الله لم
يحب الله لقاءه ” ([15])، وقوله: ” إذا أحب الله عز وجل العبد قال لجبريل يا جبريل
إني أحب فلانا فأحبه، فيحبه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء أحب فلانا فأحبوه فيحبه
أهل السماء، ثم يضع له القبول في الأرض …)). هذا وقد وردت تعريفات عديدة على لسان
أهل التصوف لمفهوم المحبة اكتسب من خلالها توسعا دلاليا حتى أضحى مصطلحا خاصا له
مستويات دلالية خاصة، من ذلك قول سهل التستري (ت 283 هـ) عندما سئل عنها حيث قال:
” موافقة القلوب لله، والتزام الموافقة لله واتباع الرسول صلى الله عليه وسلم مع
دوام الاستهتار ([16]) بذكر الله تعالى، ووجود حلاوة المناجاة لله عز وجل ” ([17])،
وقال عبد الله القرشي: ” حقيقة المحبة أن تهب كلك لمن أحببت فلا يبقى لك منك شيء”
([18])، وهكذا إلى الحد الذي يعجز فيه الصوفي عن التعبير عنها، وذلك كما ظهر عند
سمنون المحب (ت قبل 297 هـ) عندما قال: ” لا يعبر عن الشيء إلا بما هو أرق منه ولا
شيء أرق من المحبة فبم يعبر عنها؟” ([19]). ومما لا شك فيه أن المحبة قد اتسع
مفهومها ومدلولها عند الصوفية بحيث أصبحت أنواعا ودرجات بشكل يدعو إلى الوقوف عند
هذا المصطلح لديهم بالدرس والتحليل.
أما المعرفة عند الصوفية
فهي معرفة خاصة، وخصوصيتها متجسدة في كونها متعلقة بالله، ويقسمها ابن عطاء الأدمي
(ت 309 هـ) إلى معرفتين: معرفة حق، ومعرفة حقيقية، فمعرفة الحق معرفة وحدانيته على
ما أبرز للخلق من الأسامي والصفات، ومعرفة حقيقة على أن لا سبيل إليها، لامتناع
الصمدية وتحقيق العبودية، لقوله تعالى: (وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا) (طه: 110)
([20])، وقال الشلبي (ت 334 هـ) في إطار حديثه عن المعرفة والعارف: ” من علامة
العارف أن يرى نفسه في قبضة العزف ويجري عليه تصاريف القدر، ومن علامة المعرفة:
المحبة، لان من عرفه أحبه” ([21])([22]).
والواقع أن كلا من المحبة
والمعرفة لهما العديد من التحديدات والتعريفات على ألسنة أهل التصوف شأنهما شأن
المصطلحات الأخرى، وذلك راجع إلى الذاتية التي تتسم بها تعريفات الصوفية
لمصطلحاتهم فهي تتعدد بتعدد التجارب والرؤى. كما أنهما شيئان مكملان لبعضهما، مرة
يكون الحب أعلى من المعرفة، وأخرى تكون المعرفة فيها أعلى ([23])، ويرى الغزالي
أنه: ” لا يحب الله تعالى خاصة إلا من عرفه ” ([24]). ولعل إضافة الصادق لكلمة
(النار) إلى كلمتي المعرفة والمحبة تشير إلى فهمه ورؤيته لمفهوميهما اللذين يدلان
عنده على الاهتياج وعدم القرار، وهذا الطابع يوافقه فيه غيره من الصوفية كالتستري
عندما قال عن المعرفة: ” المعرفة غايتها شيئان الدهش والحيرة ” ([25])، والشبلي في
وصفه للعارف بقوله: ” أعرف الناس بالله تعالى أشدهم تحيرا فيه ” ([26]).
والذي يفهم من النصين
السابقين أن المعرفة التي يتحدث عنها الصادق هي أعلى درجات المعرفة التي تكون
مصحوبة بالتحير والدهش والهيمان بما يشبه حالة النار في اشتعالها، ويكون هذا
المفهوم للمعرفة مغايرا لرؤية صوفي أخر وهو أبو علي الدقاق (ت 405 هـ) الذي يقول
في المعرفة: ” المعرفة توجب السكينة في القلب كما أن العلم يوجب السكون، فمن
ازدادت معرفته ازدادت سكينته ” ([27])، حيث نلاحظ أن المعرفة عند أبي علي الدقاق
سكون وهدوء وعدم اهتياج واضطراب ” وهنا بطبيعة الحال يختلف عن مفهوم المعرفة عند
كل ممن ذكر أعلاه. ولعل ذلك راجع إلى اختلاف العبارات لاختلاف الدرجات والمقامات،
إذ كل من الصادق والتستري وذي النون يتحدث عن درجة بعينها من درجات المعرفة ربما
تكون العليا منها، في حين يشرح أبو علي الدقاق درجة أخرى غير التي يتحدث عنها
الصادق ومن وافقه. وما ذكرنا في شأن المعرفة ينطبق تماما على مفهوم المحبة لديهم،
إذ قد تجد من تأتي عبارته عن المحبة موافقة لمفهوم المحبة عند الصادق ويأتي كلام
أخر عنها مخالفا.
وإذا ما انتقلنا إلى سهل
التستري نجده في تفسيره للآية نفسها يذكر أنواعا أخرى من النيران ولعله نوع من
تفصيل ما أجمله الصادق بقوله: ” ونيران جهنم تتقد في أفئدة الكافرين ” ([28])، غير
أن التستري قبل أن يذكر ذلك يشير أولا إلى المعنى الظاهري الذي يتجلى في نار جهنم
المعدة للكافرين يوم القيامة. وهنا يختلف عما شاهدناه عند الصادق الذي انطلق إلى
المعنى الذي بدا له دون الإشارة إلى المعنى الظاهر المتعارف عليه عند مفسري
المدارس الأخرى. وحتى يتضح الأمر نذكر نص التستري الذي يحتضن تفسيره للآية
المذكورة، وهو قوله: ” أي لا تخمد بأكل الجلد واللحم حتى يخلص حرها إلى القلوب.
والنيران أربعة: نار الشهوة، ونار الشقاوة ونار القطيعة، ونار المحبة تحرق النيران
كلها ” ([29]) حيث بدأ التستري تفسيره للآية بالإشارة إلى نار يوم القيامة التي لا
تخمد أبدا، وذلك يمثل المعنى الظاهري الذي يفهم من ظاهر الآية. ثم شرع التستري في
ذكر ما أجمله الصادق في نصه المذكور أنفا، حيث أشار التستري إلى ثلاثة أنواع من
النيران التي يمكن أن تكون هي المقصودة من قول الصادق: ” نيران جهنم التي تتقد في
أفئدة الكافرين “. هذه النيران تتجلى في نار الشهوة ووظيفتها حرق الطاعات، ونار
الشقاوة التي تسبب في حرق التوحيد، ونار القطيعة التي تؤدي إلى حرق القلوب. أما
نار المحبة فهي التي تحرق النيران كلها، وهذا تأكيد لما ذكره الصادق من قبل عندما
قال: ” ونيران المحبة إذا اتقدت في قلب المؤمن احترقت كل همة لغير الله وكل ذكر
سوى ذكره ” ([30]). والذي يبدو أن السبيل الذي اتبعه التستري في توسيعه لدلالة
كلمة (النار) هو السبيل نفسه الذي سار عليه الصادق من قبل ألا وهو رابطة التشابه
المنعقدة بين النارين في ذهن كل منهما.
هذا التوسع في دلالة النار
وذلك بذكر أنواع أخرى من النيران في حقيقته هو إشارة من طرف خفي إلى التحول من
مرحلة الخوف من النار والرغبة في الجنة التي كانت سائدة في بدآيات التصوف إلى
مرحلة محبة الله، حيث لم تعد الخشية من النار والرغبة في الجنة هما حجر الزاوية في
معاملة المحبوب، بل أصبح الشوق والتحرق إلى الله والحرص على عدم القطيعة والفرقة
عنه هو الأساس في العلاقة بين العبد وربه ([31]). ويؤكد هذا تفسيرات الصوفية لكلمة
النار في القرآن التي أصبحت عندهم مجالا رحبا لذكر أنواع أخرى من النيران كالقطيعة
والفرقة والانفصال والحرقة، إذ هم يفسرون النار بالنار التي يخشونها ألا وهي نار
القطيعة والانفصال التي قد تقع عليهم في الدنيا والأخرة. ويفهم من هذا أن العقوبة
في الأخرة عندهم أقل عذابا إذا ما قيست بعذاب الهجر والقطيعة، وعلى حد تعبيرهم:
جهنم الاحتراق أخف من جهنم الفراق. ويؤكد هذا عبد العزيز المكي عندما عبر عند قوله
تعالى: (وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) (البقرة: 201) بقوله: ” وقنا عذاب النار: نيران
القطيعة والفرقة ” ([32]). وكذلك رويم (ت 303 هـ) بقوله: “أي نار الانفصال بعد ما
شاهدنا مقامات القرب ” ([33]).
أما القشيري (ت 465 هـ)
فإنه يذكر نار الأخرة أولا عند تفسيره لكلمة النار في هذه الآية شأنه في ذلك شأن
التستري ثم يثني بذكر النيران الأخرى مبررا ذلك بأن اللام الداخلة على (النار) هي
لام الجنس التي يمكن أن تضم جميع أنواع النيران، ويظهر هنا في قوله: “والوقاية من
النار ونيران الفرقة “، إذ اللام في قوله (النار) لام الجنس فتحصل الأستعاذة من
نيران الحرقة ونيران الفرقة جميعا ” ([34]).
ومما سبق نستطيع أن نقرر
أن الصوفية إلى عصر القشيري ينقسمون إزاء مدلول النار إلى قسمين قسم يغلب عليه
النار الدنيوية المتجسدة في الانفصال والفرق عن الله، لان الخشية من النار والرغبة
في الجنة لم تعد -كما أوضحنا-الأساس في معاملة المحبوب، بل الشوق إليه ومخافة
القطيعة عنه هي النار التي يحذرونها ويخافون الوقوع في أحضانها، ويمثل هذا الفريق
-فيما يبدو لي -جعفر الصادق ومن لف لفه ودليلنا على ذلك تركيزه على ذكر نيران
القطيعة والانفصال والسعي إلى التحلي بنار المحبة التي تأتي على كل تلك النيران،
دون أن يشير إلى النار الأخروية، مما يؤكد سيطرة تلك النيران على تفكيره وكيانه
مما أنساه ذكر نار الأخرة ([35]). أما الفريق الأخر فنجده يقيم توازنا بين النارين
الأخروية والدنيوية بمعنى أن كلا منهما يستحق الاهتمام والاجتهاد في تجنب الطريق
المؤدية إليهما، ويمثل هذا الفريق التستري والقشيري، ويدعم هذا الظن إشارتهما في
غضون تفسيرهما لكلمة (النار) إلى المعنى الظاهري ([36]) الدال على النار الأخروية
ثم ذكرهما للنيران الدنيوية.
ومما يؤكد ذلك أيضا ما
أشار إليه القشيري عند تفسيره لقوله تعالى: (جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ
الْقَرَارُ) (إبراهيم: 29) حيث قال: ” وهي الجحيم المعجل وعذابها الفرقة لا الحرقة
” ([37])، فوصفه للجحيم بالمعجل فيه دلالة على اهتمام القشيري أيضا بالمؤجل وهو
النار في الأخرة، إذ لو كان تركيزه منصبا على عذاب الفرقة الدنيوي، لما وصفه
بالمعجل، ولترك ذلك دون وصف.
وفي سياق قرآني أخر وهو
قوله تعالى: (فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ) (البقرة: (175 يفسر فيه التستري
كلمة (النار) بالفتوى المبنية على غير علم ولا معرفة بالشريعة مما يترتب عليها
التعبد بعمل أهل النار، وقد كان ذلك بقوله: ” أي على الفتوى من غير علم من السنة
والشرع والعبودية بعمل أهل النار ” ([38]).
لقد كانت الكلمة الأولى
التي بدأ بها التستري تفسيره لكلمة (النار) هي (أي) التي تدل في اللغة على عدة
معان منها الاستفهام والنداء… الخ، وهي أيضا كلمة تتقدم التفسير، تقول: أي كذا
بمعنى يريد كذا ([39]). وقد ابتدأ التستري بهذا الحرف ليفيد أن المقصود من (النار)
هنا هو الفتوى، وبهنا يكون التستري قد انتقل بالسياق القرآني الدال على إخبار الله
تعالى عن أصحاب النار ((أنهم في عذاب شديد عظيم هائل، يتعجب من رآهم فيها من صبرهم
على ذلك مع شدة ما هم فيه من العذاب والنكال والأغلال ” ([40]) إلى سياق أخر يتحدث
عن الفتوى بغير علم بالسنة والشرع، مما يؤدي بالأخذين بها إلى العمل بعمل أهل
النار. والطريق الذي اتبعه التستري -فيما يبدو لنا-في نقل معنى كلمة النار في
الآية المذكورة هو طريق المجاز المرسل المقام على علاقة السببية، أي تسمية المسبب
باسم السبب بمعنى أنه فسر النار هنا بأحد أسبابها المؤدية إليها، والذي يراه
التستري في هذا السياق هو الفتوى، وهذا يدل -في تصور التستري -على أن هناك صلة
وثيقة بين المعنى المنقول والمعنى المنقول إليه أي بين النار والفتوى، بحيث يترتب
على وجود أحدهما وجود الأخر. والذي أراد أن يشير إليه التستري هو أن المراد من
الآية التعجب من رضاهم ومداومتهم للفتوى بغير علم، على الرغم من أن ذلك يفضي بهم
إلى النار. ورضاهم بذلك يعني موافقتهم على ما يترتب عليه وهو معلوله ونتيجته
المتجلية في النار، وهذا بطبيعة الحال يثير التعجب والاندهاش من حالهم فيقال لهم:
ما أصبركم على النار. وتفسير كلمة النار في هذا السياق بالسبب الذي يقود إليها لم
يتفرد به التستري بل شاركه في ذلك أصحاب المدارس التفسيرية الأخرى، غاية ما في
الأمر أن التستري قصر مدلول النار عنده في هذه الآية على (الفتوى بغير علم). ومن
هؤلاء الذين شاركوه السبيل في ذلك ابن كثير (ت 774 هـ) عندما قال: ” أي فما أدومهم
لعمل المعاصي التي تفضي بهم إلى النار ” ([41])، وكذلك الحال مع الفخر الرازي (ت
606 هـ) حيث قال في ذلك: أنه بمعنى التعجب وتقريره أن الراضي بموجب الشيء لا بد وأن
يكون راضيا بمعلوله ولازمه إذا علم ذلك اللازم فلما أقدموا على ما يوجب النار
ويقتضي عذاب الله مع علمهم بذلك صاروا كالراضين بعذاب الله تعالى، والصابرين عليه،
فلهذا قال تعالى: (فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ) ([42]).
ولعل المقصود الذي أراد
التستري أن يبينه من هذا التفسير هو لفت الانتباه إلى خطورة الفتوى وأن المتعرض
لها دون الاستحقاق إنما يتعرض لهلاكه قبل نجاته ولخسارته قبل ربحه، ومن أبصر لنفسه
قبل أن يخط بقلمه الفتاوى، وعلم أنما يقوم -بمنصب الإفتاء-مقام رب العالمين نفسه
وأنه يوقع بفتواه عن ربه، لأحجم أشد الإحجام ولتقهقر في الجواب حتى يمتنع عن
الكلام. وقد أحسن ابن قيم الجوزية (ت 751 هـ) بذلك عندما قال: ” إذا كان منصب
التوقيع عن الملوك بالمحل الذي لا ينكر فضله، ولا يجهل قدره، وهو أعلى المراتب
السنيات، فكيف بمنصب التوقيع عن رب الأرض والسماوات ” ([43]). ولهذا كان السلف
الماضون، والأئمة العالمون هم أخوف أهل الأرض من الفتوى بدون علم، بل وبعلم أيضا
([44]). ومنهم التستري رحمه الله الذي أظهر وجله من ذلك في تفسيره لهذه الآية.
وفذلكة القول فيما سبق أن
مفسري الصوفية قد أضفوا على كلمة (النار) في سياقاتها القرآنية معاني جديدة معبرة
في حقيقتها عن أفكارهم وخواطرهم متبعين في ذلك طريقتين: طريق المشابهة وطريق
المجاز المرسل. فبالمشابهة اكتسبت الكلمة سعة دلالية لم تكن معهودة لها من قبل، إذ
لم تعد تدل على المعنى المعروف وهي النار التي تحرق دنيوية كانت أو أخروية، بل
تحتضن في دلالتها نيرانا أخرى غير مرئية ولا مدركة، هذه النيران جاءت مستوعبة
للتجربة الصوفية ومعبرة عما عاشوه ووصلوا إليه من معارف في طريقهم إلى الله. والذي
مكنهم من تحقيق ذلك الإضفاء الدلالي على تلك الكلمة القرآنية هي المشابهة المبنية
على وجود نقطة التقاء تجمع بين المشبه والمشبه به، بحيث يتسنى بذلك أن ينتقل
المشبه به إلى المشبه. هذه النقطة الجامعة بين الاثنين -كما المحنا سابقا-كانت
متمثلة في الاهتياج والثوران في كل من المدلول
القديم والمدلولات الجديدة.
أما الطريق الثاني الذي
كان متبعا لديهم في معالجة هذه الكلمة قد كان المجاز المرسل المبني على علاقة
السببية، حيث لاحظنا أن التستري قد فسر النار بالفتوى، وقد كان ذلك حين قوي في
تصوره تأثير السبب في المسبب وأن المسبب لا يتخلف عن السبب حتى كأنه هو لشدة
الارتباط والملابسة بينهما، شأنه في ذلك شأن من أطلق الغيث على النبات، حيث يقولون
رعينا الغيث يشيرون بذلك إلى أن النبات المرعي كان من الغيث ([45]).
والجديد الذي حصل في هذه
الكلمة بناء على التحليل المنطقي المقام على نظرية الحقوق الدلالية أن كلمة النار
انتقلت انتقالا تاما من حقلها الدلالي وهو حقل الموجودات إلى حقل الأحداث التي
تنتمي إليه كل من النيران المذكورة والفتوى. ولعل الرسم البياني التالي يوضح بجلاء
ما نود إيصاله:
ثانيا : الجنة
المدلول اللغوي
تفيد مادة (جنن) في
العربية معنى الاستتار وعدم الظهور، ومن ذلك قولهم: جنه الليل، وأجنه، أي ستره،
وجن الليل بالكسر وجنونه: ظلمته واختلاط ظلامه، ومن ذلك أيضا الجنين، وهو الولد في
البطن نظرا لاستتاره ببطن أمه، ومنها أيضا الجن. وهي مخلوقات غير مرئية بالنسبة
للبشر. كذلك أطلق العرب على الحديقة ذات الشجر والنخل جنة نظرا لاستتار الأرض
بأشجارها. والجنة وهي دار النعيم في الدار الأخرة من الاجتنان، وهو الستر لتكاثف
أشجارها وتظليلها بالتفاف أغصانها، وقيل سميت الجنة في الأخرة بالجنة لستر الله
عنا نعمه المشار إليها بقوله تعالى: (فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ
مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (السجدة: 17 ) ([46]).
والجنة من حيث انتماؤها
الدلالي تؤول إلى حقل الموجودات بعامة ثم يتفرع معناها داخل إطار الموجودات إلى
فرعين: أولهما ينتمي إلى الموجودات غير الحية الطبيعية الأرضية، والأخر ينتمي إلى
الموجودات الغيبية وهو المتمثل في جنة الأخرة.
معنى الجنة عند المفسرين
لقد جاءت كلمة (الجنة) في
العديد من الآيات مفيدة إحدى جنتين إما أرضية التي قد تكون للنعيم، وقد تكون
للاشتغال والتعيش بأثمان ثمارها. أو جنة الأخرة التي تكون للنعيم لا غير ([47])،
لنا وصفت في بعض الآيات بالنعيم نحو قوله تعالى: (فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ
نَعِيمٍ) (الواقعة: 89) وقوله: (أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11) فِي جَنَّاتِ
النَّعِيمِ) (الواقعة:(11-12
وإذا وقفنا عند فهم
المفسرين لكلمة (الجنة) الواردة في سياقات مختلفة من أي القرآن نجده لا يخرج عن
المعنيين السابقين. ولإجلاء الأمر نذكر بوصفه مثالا-تفسيرهم لايتين تضمنتا كلمة
(الجنة) أحدهما يراد بها الجنة الأرضية والأخرى قصد بها الجنة الأخروية. الأولى
منها وردت في قوله تعالى: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ
غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ
بِأموال وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا)
(نوح: 10-12).
تعد هذه الآيات من ضمن ما
وجهه النبي نوح إلى قومه بعد عصيانهم من تحذير وتذكير لهم بأنهم إذا تابوا
واستغفروا زال عنهم الشؤم والبلاء وعاد الخير والنماء” إذ يروى أنهم لما كذبوه بعد
طول تكرار الدعوة، حبس الله عنهم المطر وأعقم أرحام نسائهم فوعدهم نوح أنهم إن
امنوا دفع الله عنهم البلاء ([48]). وابن كثير عندما فسر الآيات المذكورة قال: ”
أي إذا تبتم إلى الله واستغفرتموه وأطعتموه، كثر الرزق عليكم وأسقاكم من بركات
السماء وأنبت لكم من بركات الأرض، وأنبت لكم الزرع وأدر لكم الضرع وأمدكم بأموال
وبنين أي أعطاكم الأموال والأولاد وجعل لكم جنات فيها أنواع الثمار وخللها
بالأنهار الجارية بينها…” ([49]). فالجنة المذكورة في الآية يفهم من سياقها الذي
وردت فيه -كما أوضح ابن كثير- أنها جنة أرضية، إذ كانت من ضمن المنافع الدنيوية
التي وعد بها نوح عليه السلام قومه. ولم يخرج عما فسره ابن كثير غيره من المفسرين
من قبل ومن بعد كالفخر الرازي والزمخشري وغيرهم من أرباب مدرستي التفسير.
أما الآية الثانية فهي قوله
تعالى: (إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ
الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا (60) جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ
عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا) (مريم: 60 – 1 6). يقول
الفخر الرازي مفسرا هذه الآية: ” اعلم أنه تعالى لما ذكر في التائب أنه يدخل الجنة
وصف الجنة بأمور أحدها قوله: (جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ
عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ)، والعدن الإقامة، وصفها بالدوام على خلاف حال الجنان في
الدنيا التي لا تدوم ولذلك فإن حالها لا يتغير في مناظرها، فليست كجنان الدنيا
التي حالها يختلف في خضرة الورق وظهور النور والثمر…” ([50])، فيلاحظ أن الفخر
الرازي قد فهم من أن الجنة المقصودة في الآية هي جنة الأخرة مفرقا بينها وبين جنان
الدنيا التي حالها يختلف عن حال تلك الجنة الموجودة بالغيب وكل ذلك هو ينبع به
سياق الآية بوضوح وجلاء.
ومجمل القول إن الجنة
الواردة في العديد من آيات القرآن لم تخرج في مدلولها عند المفسرين عما تضمنته
المعاجم العربية من إشارة إلى المعنيين السابقين لا غير.
التفسير الصوفي
لقد ألحق مفسرو الصوفية
بهذه الكلمة من خلال وقوفهم على الآيات القرآنية التي تضمنتها مفردة كانت أو جمعا
معاني جديدة أدت إلى تطور في مدلولها بما يحقق لهم التعبير عن خواطرهم وأفكارهم من
خلالها، الأمر الذي أدى إلى التوسع في فحوى هذا المعنى في بعض السياقات وإلى نقله
إلى معنى أخر في سياقات أخرى مع الاحتفاظ بالمعنى الأول الذي تدل عليه كلمة (جنة)
والذي يتوافق مع ما ذكره أصحاب المعاجم في معاجمهم وما أورثه أصحاب تفاسير مدرستي
المأثور والمعقول في تفسيراتهم. وفيما يلي نشرع في ذكر بعض الآيات التي فسرت فيها
الجنة بمعان جديدة بالشرح والتحليل:
يفسر الصادق (الجنات) في
قوله تعالى: (وَيُمْدِدْكُمْ بِأموال وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ
وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا) (نوح: 12) بقوله: ” يزين ظاهركم بزينة الخدمة
وباطنكم بأنوار الإيمان ” ([51]).
قد أشرنا فيما سبق أن هذه
الآية هي من ضمن ما وجهه نوح عليه السلام إلى قومه من نصح وإرشاد، وذلك بأنهم إذا
ما رجعوا إلى الله وتمسكوا بدينه فإنه سيجعل لهم في الأرض جنات ويمدهم بالأموال
والأولاد، فالجنات المقصودة في هذه الآية كما يبدو من سياقها الذي وردت فيه وكما
فهمه مفسرو المدارس الأخرى، هي تلك الحدائق والبساتين ذات الشجر والنخل والعنب في
هذه الدنيا. أما الصادق فإنه يفهم من هذه الجنات فهما مغايرا يؤدي بالمعنى المذكور
للجنة إلى الانتقال إلى معنى جديد يحتضن في حقيقته الفكرة التي أراد الصادق أن
يبينها من خلال فهمه لهذه الكلمة في هذا السياق. والذي يظهر أن الصادق قد اتبع في
ذلك سبيل المجاز المرسل، حيث إنه فسر (الجنة) هنا بالسبب الذي تترتب عليه تلك
الجنات، وذلك من باب تسمية الشيء بسببه، بمعنى أن الالتزام بالخدمة والعبادة لله
وهذا يمثل الجانب الظاهري والتنور بالإيمان الذي يكون محله القلب وهو الباطن من
شأنه أن يؤدي إلى الحصول على الجنات والخيرات، فضلا من الله على عباده المؤمنين.
ولعل السر في تفسير الصادق للجنات بالسبب هو رؤيته إلى أن الجنة الحقيقية التي
تحقق السعادة عنده ليس التنعم في هذه الدنيا بالخيرات المادية من حدائق غناء
وأنهار جارية وثمار يانعة، وإنما يحصل ذلك بأن يكون العبد مع الله ظاهرا وباطنا.
وهذه هي الجنة التي يسعى الصوفي إلى أن يوفق لنيلها. وهنا ما أشار إليه القشيري
-كما سيأتي -بتقسيمه للجنة إلى مستويين معجلة ومؤجلة، عند تفسيره لقوله تعالي:
(إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ
تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ) (الحج: 14)، وذلك بقوله: ” … الجنان التي
يدخل المسلمون فيها مؤجلة ومعجلة، فالمؤجلة ثواب وتوبة والمعجلة أحوال وقربة ”
([52]). وبهذا ندرك أن الصادق لما فسر كلمة (جنات) في آية سورة نوح بهنا المعنى،
إنما أراد في حقيقة الأمر الجنة المعجلة التي أشار إليها القشيري وهي القرب من
الله وذلك بالالتزام بطاعته والسير في سبيل الوصول إليه، وكل ذلك ما يسمى عندهم
بجنة الوقت أي هنا في هذه الدنيا ([53]).
وربما كان الباعث الذي دعا
الصادق إلى هذا التفسير بهذا المعنى هو لفت الانتباه إلى أن الجنة الحقيقية التي
يجب أن يسعى إليها المؤمن في هذه الدنيا هي وصوله إلى درجة حلاوة الخدمة وتوفيق
الطاعة التي بها يظفر بالجنة المؤجلة في الأخرة.
وإذا ما أتينا إلى التستري
نجده يطلق على ما يكون عليه المتقي من قرب من الله وطاعة له الجنة أي الجنة
الدنيوية. وهذه درجة متقدمة خطى بها التستري، إذ كما لاحظنا فيما سبق أن الصادق لم
يفصح من أن هناك جنة دنيوية تتجلى في ما يعيشه المتقي من سعادة وحبور وهو في خدمة
ربه، وإن أشار إلى ذلك من طرف خفي. أما التستري فقد كان واضحا في تفسيره، حيث سمى
ذلك جنة مؤديا بذلك إلى توسيع مفهوم الجنة بعد أن كان نقلا عند الصادق. هذا وقد
ظهر هنا التوسع في مدلول الجنة عند التستري عندما فسر قوله تعالى: (إِنَّ
الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ) (الناريات: 15)، وذلك بقوله: ” المتقي في الدنيا
في جنات الرضى يتقلب وفي عيون الأنس يسبح هذا باطن الآية ” ([54]). فالتستري قد
انتقل إلى المعنى الجديد الذي فهمه من الجنة المذكورة في الآية والتي تشير إلى
الجنة الأخروية، بكلمة (باطن)، وهنا يعني أن التستري لا يرفض المعنى الظاهر لهذه
الآية، وهو بهذا لا يحيل الظاهر عن ظاهره الذي يفهم منه ما جلبت له الآية، ودلت
عليه في عرف اللسان، بل إنه بقوله: ” هذا باطن الآية ” يؤكد أن هناك ظاهرا للآية
متفق عليه لا يحتاج إلى إعمال عقل وعمق في التفكير، وما الباطن إلا فهم يدرك عند
الآية وليس بإحالة لظاهر عن ظاهره. إذ لو كان كذلك لقال لا معنى للآية إلا هذا
الفهم، وهذا ما لم يقله.
والمنهج الذي سلكه التستري
في توسيعه لمعنى كلمة (الجنة)، بحيث أضحى مفهوم الجنة عنده ذا دلالة واسعة متضمنة
جنة أخروية وأخرى دنيوية، هو منهج المشابهة التي ارتسمت في ذهن التستري بين ما
سيجده المؤمنون في الأخرة في الجنة من سرور ونعيم وسعادة أبدية، وبين ما يجده
المتقي في طاعته لربه ورضائه بقضائه وقدره من سعادة ولذة وراحة. فالسمة المشتركة
الجامعة بين الجنتين سمة السعادة والنعيم في كل، غاية ما بينهما من فرق أن اللذة
في الجنة الدنيوية لذة معنوية، في حين أن الجنة الأخروية تجمع بين اللذتين الحسية
والمعنوية.
ومن المفيد أن نذكر أن
التستري لم يقف عند حد تقسيمه الجنة إلى دنيوية وأخروية بل تجاوز ذلك بتقسيمه
الجنة الأخروية أيضا إلى جنتين، وذلك عند تفسيره لقوله تعالى: (وَادْخُلِي
جَنَّتِي) (الفجر: (30 حيث قال: ” الجنة جنتان أحدهما الجنة نفسها والأخرى حياة
بحياة وبقاء ببقاء كما روي في الخبر يقول الملائكة للمتفردين يوم القيامة امضوا
إلى منازلكم في الجنة، فيقولون ما الجنة عندنا وإنما انفردنا لمعنى منه إلينا لا
نريد سواه حياة طيبة ” ([55]). يشير التستري هنا إلى أن الجنة في الأخرة ليست
واحدة بل هي اثنتان جنة حسية ممتلئة باللذائذ الحسية من مأكل ومشرب ومنكح، وهذا ما
يطمح إليه العوام من المسلمين، وجنة التمتع بمداومة النظر إلى وجهه الكريم، وهذه
هي الجنة التي ينشدها الصوفي العارف. وهذا التقسيم للجنة الأخروية أكده فيما بعد
الإمام الغزالي (ت 505 هـ) عندما قال في معرض حديثه عن سورة الفاتحة: ” ولا تظن أن
روح العارف من الانشراح في رياض المعرفة وبساتينها أقل من روح من يدخل الجنة التي
يعرفها ويقضي فيها شهوة البطن والفرج وأنى يتساويان؟ بل لا ينكر أن يكون في
العارفين من رغبته في فتح أبواب المعارف، ينظر إلى ملكوت السماء والأرض وجلال
خالقها ومدبرها أكثر من رغبته في المنكوح والمأكول والملبوس، وكيف لا تكون هذه
الرغبة أكثر وأغلب على العارف البصير وهي مشاركة للملائكة في الفردوس الأعلى ”
([56])، فالصوفي العارف يسعى إلى الوصول إلى جنته الحقيقية التي أفنى نفسه في
سبيلها في حياته الدنيوية، ولا يرضى إلا بها في حياته الأخروية ألا وهي التمتع
بمداومة النظر إلى وجه الله سبحانه وتعالى ومعاينة الحقيقة الأبدية. وهذا ما أشار
إليه القشيري عند تفسيره لقوله تعالى: (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ
وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ (70) يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ
وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ)
(الزخرف: (71-70، وذلك بقوله: ” العباد لهم فيها ما تشتهي أنفسهم لأنهم قاسوا في
الدنيا بحكم المجاهدات الجوع والعطش وتحملوا المشاق فيجازون في الجنة بوجوه
الثواب. وأما أهل المعرفة والمحبون فلهم ما يلذ أعينهم من النظر إلى الله لطول ما
قاسوا من فرط الاشتياق بقلوبهم وما عالجوه من الاحتراق لشدة غليلهم ” ([57]). وكل
ذلك يلخصه أبو يزيد البسطامي (ت 261 هـ) بقوله: ” نظرت فإذا الناس يتلذذون في
الدنيا بالطعام والشراب والنكاح، وكنا في الأخرة، فجعلت لذتي في الدنيا ذكره وفي
الأخرة النظر إلى وجهه)) ([58]) هذا وقد وظهر التوسع الدلالي لكلمة (الجنة) جليا
عند القشيري وذلك في تفسيراته لهذه الكلمة الواردة في العديد من آيات القرآن،
معتمدا في ذلك -كما يبدو-على تفسيرات من سبقه من مفسري الصوفية، وإن لم يشر إلى
ذلك. ولكن تقسيمه الواضح للجنة ينبئ باستفادته ممن كان قبله، بشكل مكنه من الوصول
إلى هذا التقسيم الجلي الواضح الذي ظهر عند من قبله مجرد تلويحات. ولعل من أهم
الآيات التي وقف عندها القشيري مفسرا فيها مفهوم الجنة قوله تعالى: (مَثَلُ
الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ
أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى
الْكَافِرِينَ النَّارُ) (الرعد: 35)، وذلك بقوله: “… وإنما لهم جنات معجلة ومؤجلة،
فالمؤجلة ما ذكره الله سبحانه في نص القرآن، والمعجلة جنة الوقت ” ([59]).
لقد قسم القشيري -كما هو
ملاحظ -الجنة المذكورة في الآية والتي تشير في معناها الظاهر إلى الجنة الأخروية
إلى نوعين من الجنة: جنة مؤجلة وأخرى معجلة. أما المؤجلة، فقد نبه القشيري إلى أنها
تلك التي يشير إليها النص القرآني في المعنى الظاهر الذي يدركه كل قارئ من كلمة
الجنة، وهي تلك الجنة الموعودة للمؤمنين في الأخرة، وهذا يدل دلالة واضحة لا
مواربة فيها على تمسك القشيري شأنه في ذلك شأن غيره من مفسري الصوفية بالمعنى
الظاهر الذي لإشارته التي يدركها أهل المعرفة يتم الظفر بالمعنى الخفي، وهو هنا
الجنة المعجلة. ولعل الذي دعا القشيري إلى أن يولد من معنى الجنة المؤجلة جنة
معجلة، هي السمة المشتركة التي تجمع بين الجنتين والتي بدورها أحدثت نوع تشابه
بينهما في تصور القشيري. وتتجسد هذه السمة في النعيم والرضا والراحة في كل من
الجنتين، إذ ما يجده العارف في هذه الدنيا من وصل وقرب من الله وما يترتب على ذلك
من سعادة ونعيم ورضا، هي حالة تشبه ما يلقاه المؤمن في الجنة المؤجلة. ولم يقف
الأمر عند هذا الحد، بل إن الجنة المعجلة عنده درجات وليست درجة واحدة حالها في
ذلك حال جنة الأخرة، ويظهر ذلك في الموارنة التي عقدها القشيري بين أصحاب جنة
اليوم وأصحاب جنة الغد وما هم عليه من تنوع في الدرجات بتنوع المقامات وتعدد
الحالات، وقد كان ذلك عند تفسيره لقوله تعالى:
(إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي
جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ) (الحجر: 45) بقوله: “… هم اليوم في جنات لها درجات بعض أرفع
من بعض كما أنهم غدا في جنات ولها درجات بعضها فوق بعض. اليوم لقوم درجة حلاوة
الخدمة وتوفيق الطاعة، ولقوم درجة البسط والراحة، ولأخرين درجة الرخاء والرغبة،
ولأخرين درجة الأنس والقربة “([60]).
وهكنا استطاع القشيري
مستفيدا ممن كان قبله تحقيق التوسع الدلالي لكلمة الجنة، بحيث أصبحت تشير في
مفهومها عند هؤلاء المفسرين من الصوفية إلى مدلول أوسع مما كانت عليه في العرف
اللغوي وعند المفسرين في المدارس الأخرى. وقد كان هذا التوسع الدلالي لتلك الكلمة
كفيلا بأن يحتضن أفكار صانعيه وخواطرهم وأن يحمل نتاج تجاربهم ومجاهداتهم
الرياضية، فلولا ذلك لما أمكنهم أن يكشفوا عما يختلج في صدورهم من رؤى ومعارف تضيق
اللغة العادية عن استيعابها، إذ لا تحتمل بدلالاتها المتفق عليها المعاني التي
يتوصلون إليها معرفيا، فقوالب ألفاظ الكلمات لا تحمل عبارة معاني الحالات ([61])،
وعلى حد تعبير النفري (ت 354 هـ): ” كلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة ” ([62]).
ومجمل القول في ذلك، إن
كلمة (الجنة) التي وردت في آيات متعددة من القرآن قد اكتسبت دلالات جديدة لم تكن
تدل عليها من قبل، وذلك بعد أن أضفى عليها مفسرو الصوفية رؤاهم وأفكارهم. وقد كان
هذا التجديد الدلالي لهذه الكلمة بطريق النقل في مراحله الأولى، وقد ظهر هذا عند
جعفر الصادق متبعا في ذلك سبيل المجاز المرسل. وقد كان ذلك النقل الذي حدث لمعنى
هذه الكلمة نقلا تاما، بمعنى أن مدلول كلمة (الجنة) قد انتقل من دلالته على شيء موجود
ملموس متجسدا في الحديقة والبستان، إلى معنى يدل على ما يقوم به الإنسان من عبادة
الله وذكره. وبصورة أوضح يمكن القول إن المعنى عند الصادق قد انتقل من حقل
الموجودات الذي تنتسب إليه كل الأشياء المجسمة في الخارج سواء أكانت تلك الأشياء
مرئية أو مخفية، إلى حقل الأحداث الذي تنتمي إليه كل الأفعال التي تحدثها الجمادات.
أما المرحلة الثانية في
التجديد الدلالي الذي أضفي على كلمة (الجنة)، فقد كان من باب التوسع، بحيث أصبح
معنى كلمة الجنة أكثر عموما من ذي قبل، إذ بيد أن كان يدل على الجنة المعروفة،
أضحى يدل عند كل من التستري والقشيري على جنة معجلة وأخرى مؤجلة، ولكلتا الجنتين
مقامات ودرجات.
وحتى يتضح هذا التطور
الدلالي بشكل جلي نقدم هذا الرسم البياني التالي:
النقل
التوسع
(*) الجامعة
الأسمرية.
[1] انظر: كاتب هذا البحث،
حول مفهوم مصطلح الإشارة عند الصوفية ودلالته، بحث منشور في مجلة الساتل، العدد
الثالث، السنة الثانية.
[2] انظر: أولمان، دور
الكلمة في اللغة، ص 106. وانظر: ص 95.
Wilhelm Bondzia und
anderen, die Grund fragen der sprachwissenschaft,
[3] انظر: كاتب هذا البحث،
Die sufische koranauslegung ص 73وما بعدها، ص 143. وانظر: كاتب هذا
البحث أيضا، التفسير الصوفي الإشاري للقرآن الكريم: منهج الاستنباط والدلالة
الجديدة، مجلة العلوم الإنسانية والتطبيقية، العدد 17، ص 59 وما بعدها
[4] انظر: ابن فارس،
مقاييس اللغة، مادة نور.
[5] انظر: النيسابوري،
غرائب القرآن ورغائب الفرقان، ج 1، ص 196.
[6] انظر: ابن منظور، لسان
العرب، مادة نور.
[7] وذلك حسب تصنيف نظرية
الحقول الدلالية.
[8] ابن كثير في تفسير
القرآن العظيم، ج 3، ص 640.
[9] النيسابوري، غرائب
القرآن ورغائب الفرقان، ج 4، ص 519.
[10] مقاتل بن سليمان،
الأشباه والنظائر، ص 219.
[11] انظر: مقاتل بن
سليمان، الأشباه والنظائر، ص 219.
[12]من المفيد أن نشير هنا
إلى أن الصوفية يرون أن النصوص على ظاهرها ولكنها في الوقت ذاته تتضمن إشارات خفية
إلى معان دقيقة ” وأساس ذلك أن المتصوفة يعتقدون أن للقرآن ظاهرا وباطنا، وسبيلهم
في الوصول إلى ذلك الباطن المستتر وراء ذلك الظاهر هو سبيل الإشارة بمعنى أن تحديد
الباطن يقتضي أن يمر المفسر بمرحلة الظاهر حتى يكون وصوله إلى الباطن مأمون
العاقبة، فهم لا يصرفون اللفظ عن ظاهره بل إنهم يؤكدون المعنى الظاهر، وفي الوقت
ذاته يكشفون عن معنى خفي بطريق إشارة ذلك الظاهر، فالظاهر والباطن عندهم شيئان
مترابطان يكملان بعضهما بعضا. انظر بحثنا بعنوان: التفسير الصوفي للقرآن للكريم:
منهج الأسباط والدلالة الجديدة، مجلة العلوم الإنسانية والتطبيقية، العدد 17، ص
43-74. وانظر بحثنا بعنوان: حول مفهوم مصطلح الإشارة ودلالته عند الصوفية، مجلة
الساتل، العدد الثالث ص 9-15.
[13] السلمي، حقائق
التفسير، ص 51.
[14] لقد أتبع مفسرو
الصوفية طرقا ومناهج متعددة في تفسيرهم للقرآن من ذلك طريق المشابهة والعودة إلى
المعنى اللغوي. انظر: كاتب هذا البحث، Die sufixhe koranaus legung، ص
73 وما بعدها. إذ قد فصلنا هناك القول في المناهج المتبعة عند الصوفية في التفسير.
وانظر: بحثنا بعنوان: المدلول اللغوي منهجا في التفسير الصوفي الإشاري، مجلة
العلوم الإنسانية والتطبيقية، العدد 16، ص .41-58
[15] وفي رواية: “ومن كره
لقاء الله كره لقاءه “. الحديث أخرجه أحمد في مسنده، والبخاري ومسلم في صحيحهما،
والترمذي والنسائي عن عائشة وعن عبادة، وقال الترمذي حديث صحيح.
[16] يقال استهتر بالشيء
إذا أولع به وشغف به.
[17] الطوسي، اللمع، ص 87.
[18] القشيري، الرسالة، ص
399.
[19] السلمي، طبقات
الصوفية، ص 196.
[20] الطوسي، اللمع، ص 56.
السلمي، حقائق التفسير، ص 135.
[21] الطوسي، اللمع، ص 57.
[22] انظر: كاتب هذا
البحث، مصطلح المعرفة ومفهومه عند صوفية المنهج السني، مجلة الساتل، العدد الثامن،
ص 17.
[23] انظر: أنا ماري شمل،
الأبعاد الصوفية في الإسلام، ص149.
[24] الغزالي، إحياء علوم
الدين، ج 4، ص241.
[25] القشيري، الرسالة، ص
392.
[26] السابق، ص 392.
[27] السابق، ص 390.
[28] السلمي، حقائق
التفسير، ص 51.
[29] التستري، تفسير
القرآن العظيم، ص 128.
[30] السلمي، حقائق
التفسير، ص 51.
[31] انظر: الطريق الصوفي،
يوسف زيدان، ص 988.
[32] السلمي، زيادات حقائق
التفسير، ص 16.
[33] السابق، ص 32.
[34] القشيري، لطائف
الإشارات، ج 1، ص 168.
[35] ولعل الذي يدور في
خلده أن من وقى نفسه تلك النيران في الدنيا فإنه حتما سيظفر بالنجاة من نار الأخرة.
[36] ربما أراد من تلك
الإشارة إلى المعنى الظاهري الاحتراز من أن يفهم أن التفسير الصوفي الإشاري لا
يعبأ بالمعنى الظاهري. وقد شرحنا موقفهم من المعنى الظاهري في بحث لنا بعنوان:
التفسير الصوفي الإشاري للقرآن الكريم: منهج الاستنباط والدلالة الجديدة (كلمة
الأرض نموذجا)، مجلة العلوم الإنسانية والتطبيقية، العدد 17، ص 73-ص 74، وفي بحثنا
الذي بعنوان: حول مفهوم مصطلح الإشارة ودلالته عند الصوفية، مجلة الساتل، العدد
الثالث ص 9-15.
[37] القشيري، لطائف
الإشارات، ج 2، ص 251.
[38] التستري، تفسير
القرآن العظيم، ص 13.
[39] انظر: المرادي، جني
الداني في حروف المعاني، ص 233-234.
[40] ابن كثير، في تفسير
القرآن العظيم، ج 1، ص 322.
[41] السابق، ج 1، ص 322.
[42] الفخر الرازي، التفسير
الكبير، ج 2، ص 206.
[43] ابن القيم الجوزية،
إعلام الموقعين عن رب العالمين، ج 1، ص 8.
[44] انظر: ابن الصلاح،
فتاوى ابن الصلاح، مقدمة المحقق، ص 5- 11.
[45] انظر: محمد أبو موسى،
التصوير البياني، ص 347.
[46] انظر: لسان العرب،
تاج العروس، مادة جنن.
[47] انظر: الفخر الرازي،
التفسير الكبير، ج 10، ص 391.
[48] انظر: النيسابوري،
غرائب القرآن ورغائب الفرقان، ج 6، ص 363.
[49] ابن كثير، تفسير
القرآن العظيم، ج 4، ص 700.
[50] الفخر الرازي،
التفسير الكبير، ج 7، ص553.
[51] السلمي، حقائق
التفسير، ج 2، ص 352.
[52] القشيري، لطائف
الإشارات، ج 2، ص 533.
[53] انظر: السابق، ج 2، ص
233،232.
[54] التستري، تفسير
القرآن العظيم، ص 93.
[55] التستري، تفسير
القرآن العظيم، ص 120،121.
[56] الغزالي، جواهر القر
آن، ص 72، 71.
[57] القشيري، لطائف
الإشارات، ج 3، ص374.
[59] القشيري، لطائف
الإشارات، ج 2، ص 233،232.
[60] القشيري، لطائف
الإشارات، ج 2، ص 272.
[61] انظر: ابن عربي، تنزل
الأملاك في حركات الأفلاك، مجموعة رسائل ابن عربي، ج 2، ص 143-145.
[62] النفري، الموافقات
والمخاطبات، ص 51.