الجمعة، 17 مايو 2019

علم الخيال - الإمام محي الدين بن عربي



علم الخيال - الإمام محي الدين بن عربي




النوع السادس من علوم المعرفة وهو علم الخيال وعالمه المتصل والمنفصل وهذا ركن عظيم من أركان المعرفة وهذا هو علم البرزخ وعلم عالم الأجساد التي تظهر فيها الروحانيات وهو علم سوق الجنة وهو علم التجلي الألهي في القيامة في صور التبدل وهو علم ظهور المعاني التي لا تقوم بنفسها مجسدة مثل الموت في صورة كبش وهو علم ما يراه الناس في النوم وعلم الموطن الذي يكون فيه الخلق بعد الموت وقبل البعث وهو علم الصور وفيه تظهر الصور المرئيات في الأجسام الصقيلة كالمرآة وليس بعد العلم بالاسماء الألوهية ولا التجلي وعمومه اتم من هذا الركن فانه واسطة العقد إليه تعرج الحواس وإليه تنزل المعاني وهو لا يبرح من موطنه تجبي إليه الثمرات كل شئ وهو صاحب الأكسير الذي تحمله على المعنى فيجسده بأي صورة شاء لا يتوقف له النفوذ في التصف والحكم تعضده الشرائع وتثبته الطبائع فهو المشهود له بالتصرف التام وله التحام المعاني بالأجسام يحير الأدلة والعقول فلنبينه ان شاء الله في هذا الفصل بأوجز ما يمكن وأبلغ والله الموفق لا رب غيره اعلموا يا أخواننا انه ما من معلوم كان ما كان الأولة نسبة إلى الوجود بأي نوع كان من انواع الوجود فانه على أربعة أقسام فمنها معلوم يجمع مراتب الوجود كلها ومنها معلوم يتصف ببعض مراتب الوجود ولا يتصف ببعضها وهذه المراتب الأربعة التي للوجود منها الوجود العيني وهو الموجود في نفسه على أي حقيقة كان من الإتصاف بادخول والخروج أو بنفيهما فيكون مع كونه موجوداً في عينه لا داخل العالم ولا خارجه لعدم شرط الدخول والخروج وهو التحيز وليس ذلك إلا لله خاصة وأما ما هو من العالم قائم بنفسه غير متحيز كالنفوس الناطقة والعقل الأول والنفس والأرواح المهيمنة والطبيعية والهباء وأعني بهذا كلها أرواحها فكل ذلك داخل العالم إلا انه لا داخل أجسام العالم ولا خارج عنها فانها غير متحيزات والمرتبة الثانية الوجود الذهني وهو كون المعلوم متصوراً في النفس على ما هو عليه في حقيقته فان لم يكن التصور مابقاً للحقيقة فليس ذلك بوجود له في الذهن والمرتبة الثالثة الكلام وللمعلومات وجود في الألفاظ وفي الوجود اللفظي ويدخل في هذا الوجود كل معلومة حتى المحال والعدم فان له الوجود اللفظي فانه يوجد في اللفظ ولا يقبل الوجود العيني وان الكان العدم الذي هو المحال فلا يقبل الوجود العيني والمرتبة الرابعة الوجود الكتابي وهو الوجود الرقمي وهو نسبته إلى الوجود في الخط أو الرقم أو الكتابة ونسبة المعلومات كلها من المحال نسبة واحدة فهذا محال وان كان لا يوجد له عين فله نسبة وجود في اللفظ والخط فما هو معلوم لا يتصف باوجود بوجه وسبب ذلك قوة الوجود الذي هو أصل الأصول وهو الله تعالى إذ به ظهرت هذه المراتب وتعينت هذه الحقائق وبوجوده عرف من يقبل مراتب الوجود كلها ممن لا يقبلها فالاسماء متكلمة بها كانت أو مرقومة ينسحب وجودها على كل معلوم فيتصف ذلك المعلوم بضرب من ضروب الوجود فما في العلم معدوم مطلق العدم ليس له نسبة إلى الوجود بوجه ما هذا ما لا يعقل فافهم هذا الأصل وتحققه ثم أعلم بعد هذا ان حقيقة الخيال المطلق هو المسمى بالعماء الذي هو أول ظرف قبل كينونة الحق ورد في الصحيح انه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أين كان ربنا قبل ان يخلق خلقه قال كان في عماء ما فوقه هواء وما تحته هواء وانما قال هذا من أجل ان العماء عند العرب هو السحاب الرقيق الذي تحته هواء وفوقه هواء فلما سماه بالعماء أزال ما يسبق إلى فهم العرب من ذلك فنفى عنه الهواء حتى يعلم انه لا يشبهه من كل وجه فهو أول موصوف بكينونة الحق فيه فان الحق على ما أخبر خمس كينونات كينونة في العماء وهو ما ذكرناه وكينونة في العرش وهو قوله وهو الله في السموات وفي الأرض وكينونة عامة وهو مع الموجودات على مراتبها حيثما كانت كما بين ذلك في حقنا فقال "وهو معكم أينما كنتم" وكل هذا النسب بحسب ما يليق بجلاله من غير تكييف ولا تشبيه ولا تصور بل كما تعطيه ذاته وما ينبغي ان ينسب إليها من ذلك لا إله إلا هو العزيز فلا يصل أحد إلى العلم ولا إلى الظفر بحقيقته الحكيم الذي نزل لعباده في كلماته فقرب البعيد في الخطاب لحكمة أرادها تعالى ففتح الله تعالى في 1لك العماء صور كل كا سواه من العالم.
...
المصدر : الفتوحات المكية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الحركة فـي الذكر (التمايل)

  الحركة فـي الذكر (التمايل) أحمد عبد المالك الحركة في الذكر أمر تناوله علماء الإسلام ما بين الإباحة والتحريم والتقييد بشروط وما زال لل...