‏إظهار الرسائل ذات التسميات أبحاث ودراسات. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات أبحاث ودراسات. إظهار كافة الرسائل

السبت، 6 أبريل 2019

فلسفة التصوف عند ابن خلدون

فلسفة التصوف عند ابن خلدون





عيد الدرويش


يحتفل العالم في هذا العام بمرور ستمائة عام على وفاة عالم الاجتماع العربي ابن خلدون الذي ولد وعاش في بلاد المغرب العربي وتقلد مناصب كثيرة في حياته ومنها قاضي القضاة في بلاد الأندلس (ت 808 هـ )فقد أصبحت نظرياته في الاجتماع والسياسة ونشوء وطبائع الأمم مرجعا مهما في الحياة البشرية وتدرس في كافة جامعات العالم فقد سبق بني عصره بنباهته ومن خلال ممارسته السياسة آنذاك وإن الخلافات السياسية التي كانت سائدة في عصره كانت زادا معرفيا في وضع تلك النظرية في علم الاجتماع والساسة والحضارة والعمران وقد جمعها في كتابه المعروف (العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر)


ويعتبر ابن خلدون رائد علم الاجتماع في حين يجهل ويتجاهل بعض الغربيين أنهم هم من أسس علم الاجتماع وأما البعض الآخر يدرك أهمية ابن خلدون ويرى في مقدمته المشهورة أن التصوف الإسلامي علم من العلوم الشرقية الحادثة في الإسلام وهذا التصوف في نظره له أصول عند الصحابة والتابعين ومن بعدهم فطريقة الصوفية هي طريق الحق والهداية وأصله العكوف على العبادة والانقطاع الى الله تعالى والأعراض عن زخرف الدنيا وزينتها والزهد فيما يقبل عليه العامة من الناس من اللذات وطلب المال والجاه , ولقد كان الصحابة كما أورد ابن خلدون ينفردون عن الخلف في الخلوة للعبادة , ويقول: أن ذلك كان عاما في الصحابة والسلف الصالح ولم ينظر إليه كحالة متفردة وإنما كان الجميع يعايشون هذا التصوف والزهد في حياتهم اليومية دون أن يشوبها أي نوع من الابتعاد عن العبادة وأداء الفرائض والقيام بالعمل والإخلاص في كل مفردات الحياة اليومية للناس .
ويبين لنا أن ابن خلدون في مقدمته أن السبب في شيوع اسم الصوفية راجع إلى انه قد فشى الإقبال على الدنيا في القرن الثاني الهجري , وبعد كثير من الناس عن العبادة وجنحوا إلى مخالطة أهل الدنيا , وصار علم التصوف في الملـّة علما مدونا بعد أن كانت الطريقة عبادة فقط , كما كان فيها الإنسان المتعبد يسلك في مقامات عدة فمنها المقام للمريد يبتغي منها محاسبة النفس للتخلص من الحزن والهم والكسل الذي يسعى من خلاله هي تلك الرياضة في مقام آخر هو العبادة التي لم تكن في الحالة الأولى , فالعبادة ينتهي فيها المريد إلى التوحيد وهي الغاية المطلوبة للسعادة التي يبحث عنها , فالمريد لا بد له من الترقي التي تأتي مجتمعة ومشتملة على الطاعة والعبادة وجوهرها الإيمان بالله عزوجل.
لذلك أختص المقبلون على الله العكوف على العبادة باسم الصوفية والمتصوفة وكأن ابن خلدون يرد على مزاعم بعض المستشرقين والمستغربين عندما يتقولون على الصوفية ويدعون أن هذا التصوف لا أصل له من الشريعة واختلف المتصوفة والمتكلمين من الأتباع في هذا الدين في تفسير هذا السلوك فمنهم من عزا ذلك إلى جوهر الشريعة وآخرون ابتكروا فيه جوانب وانتقدوا جزءا منه , وبينما فريق آخر تكلم فيما هي المجاهدات والأحوال والرقى وصولا إلى المراتب والمشاهدات التي يجب أن تباح , وحتى في التعبير عنها تعجز اللغة عن الإفصاح عنها, إلا بإماءات وإشارات لم تكن واضحة إلا لمن قطع شوطا كبيرا في المراتب التي تم تعدادها فيقول في ذلك ( وسار علم الشريعة على صنفين )
1- صنف أختص به الفقهاء وأهل الفتية وهي الأحكام العامة في العبادات والعادات والمعاملات
2- صنف اختص به الصوفية وهو في القيام بالمجاهدة ومحاسبة النفس عليها والكلام وفي الأذواق و المواجد وكيفية الترقي من ذوق إلى ذوق وشرح الاصطلاحات التي تدور بينهم في ذلك .ويستطرد العلامة ابن خلدون فيقول: فلما كتبت العلوم ودونت وألف الفقهاء في الفقه , وعلماء الكلام في الكلام وعلماء التفسير في التفسير دوّن رجال من أهل التصوف كتبا في الورع ومحاسبة النفس , ويستشهد في ذلك بما فعله القشيري في كتاب الرسالة والسهروردي في كتاب (عوارف المعارف) كما جمع الأمام الغزالي بين الأمرين وذلك في كتاب (إحياء علوم الدين) كتب الأمام الغزالي عن الورع والإقتداء ثم بين آداب الصوفية و سننهم وشرح اصطلاحاتهم وأدق معارفهم وأصبح علم التصوف الإسلامي علما مدونا بعد أن كان التصوف عبارة عن عبادة فحسب والحقيقة أن التصوف مثله في ذلك مثل علم الفقه والكلام والتفسير والحديث كان علما يتلقى من صدور الصحابة والسلف , وأن لم يكن في القرن الأول والثاني قد دوّن مثل كثير من العلوم الإسلامية , إلا انه كان على الحقيقة موجودا في صدور الصحابة والتابعين وتابع التابعين لقد كان الشغل الشاغل للصحابة في الصدر الأول للإسلام هو العمل الجاد على حفظ وترتيب القرآن بالسنة ثم أصبحت الحاجة ماسة إلى تدوين العلوم , فدوّنت علوم الفقه والتفسير والحديث ثم نشأ علم الكلام ثم التصوف , أو كما يسميه ابن خلدون ( الطريقة ) أو آداب القوم إن المجاهدة والخلود والذكر يتبعها غالبا كشف حجاب الحسن و الاطلاع على عوالم من أمر الله ليس لصاحب الحس أدراك شيء منها . أن الإنسان بما هو إنسان يتميز عن سائر الحيوانات بالإدراك .
ويستنتج ابن خلدون من ذلك أن المريد في الطريق الصوفي يتحصل في كل مجاهدة وذلك الحال , إما أن يكون عبادة تترسخ في نفسه فتصير له مقاما, وأما أن تكون صفة للمريد , وهذه الصفة تكون حاصلة للنفس كأن تكون حزن , أو سرورا , أو كسلا , أو نشاطا إلى غير ذلك من مقامات , وينتهي ابن خلدون إلى القول أن المريد ما يزال يترقى من مقام إلى مقام إلى أن يصل في النهاية إذا صدق إلى التوحيد والمعرفة التي هي الغاية المطلوبة للسعادة , فالهدف النهائي للمريد الصادق في الطريق الصوفي في رأي ابن خلدون هو الوصول إلى التوحيد وشهود أن لا إله إلا الله ويؤيد ذلك بالحديث النبوي من قول الرسول (ص) من مات يشهد أن لا أله ألا الله دخل الجنة ) ويريد ابن خلدون أن ينبه على أن الترقي من حال إلى حال ومن مقام إلى مقام لابد أن يبدأ بالأيمان والطاعة والإخلاص وهنا تصاحب مجاهدة المريد الأحوال والصفات وتأتي عنها نتائج وثمرات فإذا وقع تقسيم من المريد , أو خلل في الثمرات التي يتحصل عليها, فإنما ذلك نتاج لالتفات المريد الحظوظ الدنيوية , أو لوجود آفات كالخواطر النفسية , أو الشيطانية لذلك يحتاج المريد إلى أعاده النظر إلى نفسه وعلاج عيوبها والرجوع إلى محاسبة نفسه في سائر أعماله لأن النتائج مقترنة بالأعمال .
ويضيف ابن خلدون (إن هذه المجاهدة والخلوة والذكر يتبعها غالبا كشف حجاب الحس والاطلاع على عوالم من أمر الله وهو ليس لصاحب الحس إدراك شيء منها والروح من تلك العوالم , وسبب هذا الكشف إن الروح إذا رجع عن الحس الظاهر إلى الباطن ضعفت أحوال الحس وقويت أحوال الروح وغلب سلطانه , فالذكر كالغذاء لتنمية الروح , ولا يزال في نمو وتزايد إلى أن يصير شهودا بعد أن كان علما ويكشف حجاب الحس , ويتم وجود النفس الذي لها من ذاتها , وهو عين الإدراك , فيتعرض حينئذ للمواهب الربانية والعلوم اللدنية والفتح الإلهي , وتقرب ذاته في تحقق حقيقتها من الأفق الأعلى أفق الملائكة) ولهذا يتميز المتصوفة من خلال تلك المجاهدات مشاهدات لا يدركوها غيرهم وكأنهم يدركون الواقعات قبل وقوعها
ويذكر ابن خلدون : حول الكشف , فالعظماء منهم لا يعتبرون هذا الكشف ولا يتصرفون ولا يخبرون عن حقيقة شيء لم يؤمروا بالتكلم فيه بل يعدون ما يقع لهم من ذلك محنة ويتعوذون منه إذا هاجمهم , فالصحابة كانوا أوفر حظا في هذا المجال بالكرامات .
وفي موضع آخر من المقدمة يقول (ثم إن قوما من المتأخرين انصرفت عنايتهم إلى كشف الحجاب والمدارك التي وراءه واختلفت طرق الرياضة عنهم في ذلك باختلاف تعليمهم في إماتة القوى الحسية وتغذية الروح العاقل بالذكر حتى يحصل للنفس إدراكها الذي لها من ذاتها بتمام نشوتها وتغذيتها فإذا حصل بذلك زعموا أن الوجود قد انحصر في مداركها حينئذ وأنهم كشفوا ذوات الوجود وتصوروا حقائق كلها من العرش إلى الفرش , هكذا قال الغزالي رحمه الله في كتاب إحياء علوم الدين بعد أن ذكر صورة الرياضة , ولا يكون الكشف صحيحا كاملا عنده ,إلا إذا كان ناشئا عن الاستقامة )
وقد كان رأيه في الاستقامة للنفس كالانبساط للمرآة فيما ينطبع فيها من الأحوال , ولما عني المتأخرين بهذا النوع من الكشف تكلموا في حقائق الموجودات العلوية والسفلية وحقائق الملك والعرش والكرسي وأمثال ذلك وقصرت مدارك من لم يشاركهم في طريقة عن فهم أذواقهم ومواجدهم في ذلك , وأهل الفتيا بين منكر عليهم ومسلم لهم , وليس بالبرهان والدليل بنافع.
(وإن أول مراتب التجليات عندهم تجلي الذات على نفسه وهو يتضمن الكمال بإفاضة الإيجاد والظهور لقوله في الحديث الذي يتناقلونه كنت كنزا مخفيا فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق ليعرفوني وهذا الكمال في الإيجاد المتنزل في الوجود وتفصل الحقائق وهي عندهم عالم المعاني والحضرة الكمالية والحقيقة المحمدية ويصدر عن هذه الحقائق حقائق أخرى , وهي مرتبة المثال ثم عنها العرش ثم الكرسي ثم الأفلاك ثم عالم العناصر ثم عالم التركيب , هذا في عالم الرتق , فإذا تجلت فهي في عالم الفتق ويسمي هذا المذهب مذهب أهل التجلي والمظاهر والحضرات هو كلام لا يقتدر أهل النظر على تحصيل مقتضاه لغموضه وانغلاقه وبعد مابين كلام صاحب المشاهدة والوجدان وصاحب الدليل وربما أنكر بظاهر الشرع على هذا الترتيب )
كما ذهب آخرون منهم إلى القول بالوحدة المطلقة , وهو رأي أغرب من الأول في تعقله وتفاريعه , ويزعمون فيه أن الوجود له قوى في تفاصيله بها كنت حقائق الموجودات وصورها وموادها والعناصر بهيولاها وزيادة القوة المعدنية ثم القوة الحيوانية والقوة الحيوانية تتضمن زيادة قوتها في نفسها , وكذلك القوة الإنسانية مع الحيوانية ثم الفلك يتضمن القوة الإنسانية وزيادة , وكذلك الذوات الروحانية والقوة الجامعة للكل من غير تفصيل هي القوة الإلهية التي انبثت في جميع الموجودات كلية وجزئية وجمعتها وأحاطت بها من كل وجه لا من جهة الظهور ولا من جهة الخفاء ولا من جهة الصورة ولا من جهة المادة فالكل واحد وهو نفس الذات الإلهية وهي في الحقيقة واحدة بسيطة الاعتبار.
إلا أن وحدة الوجود هذه يفندها ابن دهقان , بأن هذه الدركات البشرية شريطة لوجود المدرك الحسي (أما الموجودات المعقولة والمتوهمة هي مشروطة بوجود المدرك العقلي وليفترض عدم وجود المدرك البشري جملة لم يكن هناك تفصيل الوجود بل هو بسيط واحد فالحر والبرد والصلابة واللين بل والأرض والماء والنار والسماء والكواكب إنما وجدت لوجود الحواس المدركة لها لما جعل في المدرك من التفصيل الذي ليس في الموجود وإنما هو في المدارك فقط فإذا فقدت المدارك المفضلة فلا تفضيل إنما هو إدراك واحد وهو أنا لا غيره وهذا حال النائم إذا نام وفقد الحس الظاهر فقد فقد كل محسوس ولكن يؤخذ على ابن دهقان في هذا الأمر بوجود البلد الذي نحن مسافرون عنه وإليه يقينا مع غيبته عن أعيننا وبوجود السماء المظلة والكواكب وسائر الأشياء الغائبة عنا)
ولكن بعض المتصوفين المتأخرين يقولون إن المريد عند الكشف ربما يعرض له توهم هذه الوحدة ويسمي ذلك عندهم مقام الجمع ثم يترقى عنه إلى التمييز بين الموجودات , ويعبرون عن ذلك بمقام الفرق وهو مقام العارف المحقق , ولا بد للمريد عندهم من عقبة الجمع , وهي عقبة صعبة لأنه يخشى على المريد من وقوفه عندها فتخسر صفته , فقد تبينت مراتب أهل هذه الطريقة , وكذلك المتأخرين من المتصوفة , ومن المتكلمين منهم في الكشف قد توغلوا كثيرا في هذا الأمر, فذهب الكثير منهم إلى الحلول والوحدة , وملؤا الصحف منه مثل الهروي في كتاب المقامات وغيره وتبعهم ابن عربي وابن سبعين وتلميذهما ابن العفيف وابن الفارض وكان سلفهم من المخلصين للإسماعيلية واختلط كلامهم وتشابهت عقائدهم حتى ظهر في كلام المتصوفة القول بالقطب ومعناه أنه رأس العارفين وهو مقام لا يساويه أحد في المعرفة حتى يتوفاه الله ليرث هذه المكانة لغيره .
أما ابن سينا في كتاب الإشارات في فصول التصوف منها فقال : جل جناب الحق أن يكون شرعة لكل وارد أو يطلع عليه إلا الواحد بعد الواحد وهذا الكلام لا تقوم عليه حجة عقلية ولا دليل شرعي , وإنما هو من أنواع الخطابة, ودانوا به ثم قالوا: بترتيب وجود الأبدال بعد هذا القطب كما قاله الشيعة في النقباء .
وكلامهم هذا في أربعة مواضع : الأول : الكلام في المجاهدات وما يحصل من الأذواق والمواجد ومحاسبة النفس على الأعمال لتحصل تلك الأذواق التي تصير مقاما ليترقى منه إلى غيره , الثاني : الكلام في الكشف والحقيقة المدركة من عالم الغيب مثل الصفات الربانية والعرش والكرسي والملائكة والوحي والنبوة والروح وحقائق كل موجود غائب أو شاهد وتركيب الأكوان في صدورها , الثالث : التصرفات في العوالم والأكوان بأنواع الكرامات , الرابع ألفاظ موهمة الظاهر صدرت من الكثير من أئمة القوم يعبرون عنها في اصطلاحهم بالشطحات تستشكل ظواهرها فمنكر ومحسن ومتأول .


...

المصدر

الحوار المتمدن-العدد: 1624 - 2006 / 7 / 27 - 05:29

الكتابة الصوفية بين لغة الآفاق ولغة الأعماق


الكتابة الصوفية بين لغة الآفاق ولغة الأعماق




 د.عبد الحميد هيمه


عرفت الصوفية قديمًا بأنها حركة دينية وحسب مما أدى إلى توجيه نظر الدارسين إليها على أنها تمثل وثيقة تختصر جملة الآراء، والمعتقدات الصوفية، وهذا يوضح لنا "بؤس القراءة النقدية للصوفية، وبؤس فهمها ويوضح بعامة بؤس المستوى النظري المعرفي عند دارسي الثقافة العربية".(1)

والحق أن التجربة الصوفية ليست مجرد تجربة في النظر، وليست مذهبًا دينيًا فحسب، وإنما هي أيضا تجربة في الكتابة "لقد استخدم الصوفيون في كلامهم على الله والوجود والإنسان، الفن، الشكل، الأسلوب، الرمز، المجاز، الصورة، الوزن، القافية، والقارئ يتذوق تجاربهم ويستشف أبعادها عبر فنيتها، وهي مستعصية على القارئ الذي يدخل إليها معتمدًا على ظاهرها اللفظي .. فالإشارة لا العبارة هي المدخل الرئيس"(2) للتجربة الصوفية، وهي بذلك حركة إبداعية، وسعت مجال اللغة الشعرية، وبعثت فيها روحًا ونفسًا جديدين.

لذلك فإن "أهمية الصوفية اليوم لا تكمن بالنسبة إليَّ في مدونتها الاعتقادية، بقدر ما تكمن في الأسلوب الذي سلكته، أو في الطريقة التي نهجتها لكي تصل إلى هذه المدونة، إنها تكمن في الحقل المعرفي الذي أسست له، وفي الأصول التي تولدت عنه"(3) وفي مقدمة كل ذلك نجد طريقة التعبير أو اللغة الشعرية، يقول أدونيس في تعريفه للغة الشعرية: "إذا كان الشعر تجاوزًا للظواهر ومواجهة للحقيقة الباطنة في شيء ما أو في العالم كله، فإن على اللغة أن تحيد عن معناها العادي، ذلك أن المعنى الذي تتخذه عادة لا يقود إلى رؤًى أليفة مشتركة، إن لغة الشعر هي لغة الإشارة في حين أن اللغة العادية هي لغة الإيضاح، فالشعر هو بمعنى ما جعل اللغة تقول ما لم تتعلم أن تقوله"(4).

من هنا واستنادًا إلى أن اللغة هي مختبر الشعر، فقد أسست الصوفية لطريقة خاصة في الكتابة تقوم على التعبير غير المباشر الذي يشير إلى أبعاد خفية يعانيها الصوفي، وهو مأخوذ بالأحوال الروحية التي يعانيها، وهي أحوال يعجز التعبير المباشر عن إدراكها، وهذا ما دفع المتصوفة إلى ابتكار طريقة جديدة في الكتابة،ولغة خاصة قوامها الرمز، والإشارة "وهي لغة تختلف عن اللغة الدينية الشرعية من حيث أن هذه اللغة هي في جوهرها، لغة فهم، بينما الأولى هي في جوهرها لغة حب، الأولى تحب الأشياء دون أن تفهمها بالضرورة بينما علاقة الثانية مع الأشياء، والكون إنما هي علاقة فهم، وإدراك وتقويم لا علاقة حب، والحب هو كذلك لا يقال بل يُعاش، تقال صور منه، لكنه في ذاته كمثل المطلق عصيٌّ على القول، ذلك أنه خارج طورِ أو حدود العقل والمنطق، أي خارج حدود الكلام".(5)

لكل هذا فإن قيمة التصوف وأهميته لا تكمن في رأيي في جوانبه الدينية، والاعتقادية فقط، وإنما تكمن كذلك في الطريقة التي سلكها للتعبير، وهي طريقة تقوم على الإشارة والرمز "وهذا يعني أن اللغة الصوفية هي تحديدًا لغة شعرية، وأن شعرية هذه اللغة تتمثل في أن كل شيء فيها يبدو رمزًا، كل شيء فيها هو ذاته وشيء آخر"(6)، وهذا يناقض مرة أخرى اللغة الدينية حيث يكون الشيء هو ذاته لا يتعداه إلى شيء آخر، ويبرز هذا التناقض على الخصوص في أن اللغة الدينية "تقول الأشياء كما هي، بشكل كامل ونهائي، بينما اللغة الصوفية لا تقول إلا صورًا منها، ذلك أنها تجليات المطلق، تجليات لما لا يقال ولما لا يوصف، ولما تتعذر الإحاطة به، فما لا ينتهي لا يعبر عنه إلا ما لا ينتهي"(7) ولذلك ظلت اللغة الصوفية مجازًا يعتمد على الرمز، والإشارة التي هي المدخل الأساسي للصوفية.

 إن العالم فنيًا بما يحويه من مظاهر طبيعية مختلفة ومتنوعة إشارة دالة .. والكلمة –وهي جزء من هذا العالم- إشارة "حبلى بطاقات البداية -الخلق-، وهي تضعنا دائمًا في أفق ما لا ينتهي وهذا نفسه ما تفترضه حين تتحول إلى خط، ذلك أن الحرف إذ يتحول إلى خط، يدخل في لا نهاية المكان، ينحني، يتماوج، يتشابك، يتقابل، يتدور ينبسط، يلبس الحركة في جميع أبعادها، ويختزن جميع الإشارات"(8)، فللحروف أسرار وهي تحمل الكثير من الطموحات الفنية والتفسيرات الدينية التي أفاض ابن عربي في شرحها في كتابه الفتوحات المكية(9).

ومن هنا فإن القارئ لهذه الكتابة لا يعنى بما يراه من مظاهرها الخارجية إلا بقدر ما يتخذها عتبات لما لا يرى.

والحروف عند أئمة التصوف، وعلى رأسهم ابن عربي "تجمع بين الوجود الظاهر، مجسدًا في الحرف مرسومًا ومخطوطًا، والوجود الباطن أي روح الحرف، فهو عندهم كائن جسده شكله، وروحه معرفة لا يظفر بها إلا العارفون وأهل الذوق"(10)، وهذا معناه أن الحرف شكل مادي لا يصبح حيًا إلا بمحموله الروحي أو أنه "حقيقة منظورة تخفي حقيقة مستترة"(11).

وابن عربي هنا يتعامل مع اللغة وحروفها "كما يتعامل مع كل الموجودات، وينظر إليها –كما ينظر للوجود بأسره- من خلال ثنائية "الباطن والظاهر" فيرى أن لحروف اللغة جانبًا باطنًا هي الحروف الإلهية التي تتوازى مع مراتب الوجود من جهة وتتوازى مع الأسماء الإلهية من جهة أخرى، ويرى أيضًا أن لحروف اللغة جانبًا ظاهرًا هي الحروف الإنسانية الصوتية التي يتلفظها الإنسان في كلامه"(12)، هناك إذن لكل حرف جانبان؛ الجانب الباطني، وهو أرواح الأسماء الإلهية، وجانب ظاهري، وهو الصوت في حال النطق أو الخط في حال الكتابة.

فالكلمة عند الصوفية أنثى حبلى بطاقة الخلق، وهي تضعنا دائمًا في أفق لا ينتهي من الدلالات، ولذلك يصطدم القارئ للشعر الصوفي بما يحيط به من غموض، وتعتيم يجعله عصيًا على الفهم، يقول أدونيس: "لئن كان الوضوح طبيعيًا في الشعر الوصفي أو القصصي أو العاطفي الخالص؛ لأنه يهدف إلى التعبير عن فكرة محددة أو وضع محدد، فإن هذا الهدف لا مكان له في الشعر الحق، فالشاعر لا ينطلق من فكرة واضحة محددة بل من حالة لا يعرفها هو نفسه معرفة دقيقة"(13) ولذلك يأتي تعبيره عنها غامضًا، كما أن وظيفة اللغة الشعرية "تكمن أساسًا في السحر والإشارة فهي لا تعبر، ولا تصف، أي لا تبوح ولا تصرح، وهذا مصدر غموضها"(14). نضيف إلى هذا عجز اللغة عن الإحاطة بمكنون التجربة الصوفية الروحية لأنه كلما "اتسعت الرؤية ضاقت العبارة"(15) كما يقول النفري.

من هنا كانعلى الصوفية أن تبدع لغة للتعبير عما تعجز اللغة العادية عن التعبير عنه "وهي لغة الرمز والإشارة، فما لا يمكن أن يوصف أو يعبر عنه بالكلام يمكن الإشارة إليه رمزًا، والتعبير بالرمز هو وحده الذي يمكن أن يقابل الحالة الصوفية التي لا تحدها الكلمة"(16).

لقد نزع المتصوفة نزعة ذاتية عميقة، فحاولوا أن يتوصلوا إلى المعرفة عن طريق الذوق والكشف الباطني أو التحديق في الأعماق، لأن العلم ليس الطريق الوحيدة الموصلة إلى الحقيقة، فالحب والشعر والإيمان والحلم .. هي أيضا أشكال للمعرفة، ثم عبروا عن هذه المعرفة بلغة خاصة لا تعرف دلالتها إلا بالرجوع إلى المعجم الصوفي. ويفسر القشيري دواعي لجوء المتصوفة إلى لغة الرمز والإشارة بدل لغة التصريح، والعبارة بقوله: "إن لكل طائفة من العلماء ألفاظًا يستعملونها، وقد انفردوا بها عمّن سواهم، كما تواطؤوا عليها لأغراض لهم فيها، من تقريب الفهم على المتخاطبين بها، أو للوقوف على معانيها بإطلاقها وهم يستعملون ألفاظا فيما بينهم، قصدوا بها الكشف عن معانيهم لأنفسهم، والستر على من باينهم في طريقتهم، لتكون معاني ألفاظهم مستبهمة على الأجانب، غيرة منهم على أسرارهم أن تشيع في غير أهلها، إذ ليست حقائقهم مجموعة بنوع من التكلف، أو مجلوبة بضرب من التصرف، بل هي معان أودعها الله تعالى في قلوب قوم واستخلص لحقائقها أسرار قوم"(17).

ويتناول نيكلسون دوافع الرمز مبينًا قيمته بقوله: "ولقد قيل إن الصوفية قد جعلوا من ذلك الأسلوب الرمزي قناعًا يسترون به الأمور التي رغبوا أن يكتموها، وهذه الرغبة طبيعية عند قوم يدعون أنهم خصوا دون غيرهم بمعرفة الباطن، وفوق ذلك فإن التصريح البين بما يعتقدون، لعله أن يهدد حريتهم بل حياتهم، فإن تركنا جانبًا كل هذه الدوافع، فالصوفية قد اصطنعوا الأسلوب الرمزي، لأنهم لم يجدوا طريقًا آخر ممكنًا يترجمون به عن رياضتهم الصوفية والعلم بخفايا عالم الغيب المجهول الذي ينكشف في رؤيا جذبية .. ليس في الطوق تبيانه دون اللجوء إلى صور مشاهدات منتزعة من عالم الحس، وهذه الصور والأمثال –مع أنها ليست خالصة الصدق- تكشف عن معان وتوحي بصور أعمق مما يبدو على ظاهرها"(18).

ومنه فالصوفية ليست سلوكًا معرفيًا فحسب، ولكنها سلوك مدفوع بهاجس إبداعي وجمالي، فقد حـاول الصوفية أن يتوصلوا إلى المعرفة عن طـريق الذوق، والكشف الباطني –كما رأينا سالفًا- ثم عبروا عن هذه المعرفة بلغة خاصة، والمتتبع للكتابة الصوفية يجد أنها "ليست أداة لتشخيص وضعيات خارجية، وإنما هي تجربة في حد ذاتها، داخل السلوك الصوفي تذوب الهوة التي تفصل بين التجربـة المعيشة، وبين الكتابـة، بين السلوك وبين الإبداع"(19).

لقد حاولت الكتابة الصوفية أن تخلق تباعدًا بين اللغة الاجتماعية المألوفة واللغة الإبداعية، وأن تؤسس للغة جديدة تنقل مفهوم الكتابة من حدود الإطار الاجتماعي لتعانق الطبيعة بل الوجود بأكمله، لقد كان هاجس هذه الكتابة المركزي هو تجاوز أطر الكتابة السائدة، وجعل هذه الكتابة مجالاً للقاء بين الألوهية والطبيعة ... وبين الجمال والجلال.

والمتتبع للشعر الصوفي يجد أن الشعراء عمدوا "في التعبير عن حبهم الإلهي إلى ألفاظ الحب الإنساني وما يتصل به من وصل وهجر ولوعة ونحول، كما عمدوا إلى الخمر، وما يتصل بها من حان، وألحان وكأس وندمان، وغير ذلك من الأشياء التي توجد في الشعر الغزلي، والخمري والذي يعبر عن عاطفة إنسانية نحو معشوقة آدمية، وعن حالة نفسية هي السكر الناشئ من تناول الخمر المستخرجة من الكرم"(20)، ولكن الشاعر الصوفي يستخدم هذه الألفاظ رموزًا للتعبير عن الأحوال التي يعيشها والتجارب التي يعانيها كما هو الشأن عند ابن عربي مثلاً في ديوانه "ترجمان الأشواق" الذي ألفه في فتاة أحبها في مكة تسمى (نظام) ولكنه في باطنه في حب الله والفناء فيه(21)، كما يقول، وقد وضع هو نفسه شرحًا لهذا الديوان تفاديًا للبس الذي قد يقع فيه قارؤه، وأشار فيه إلى المعاني المقصودة، وعليه فبإمكاننا أن نسمي هذا الشعر الذي يصدر عن الصوفي بـ"شعر الرؤيا" ذلك أنه يصدر عن تأمل واستبطان للوجود، وهو وإن كان معدنه ترابيا، فقد سرت في لفظه لغة السماء، كما أن هذا الشعر لا يقوم بتكرار الواقع، وإنما هو يبتكر ويجدد ويصنع أشياء جديدة لم تكن معروفة من قبل ويكتشف عوالم لم تطأها الأقدام بعد، و"ليست رؤية الأشياء أمرًا سهلاً كما قد يًظن، ذلك أنها مغمورة بقراءات أو بـ"صور" سابقة، مليئة بالمسبق الجاهز وبالعادات المتراكمة، ولا بد من جهد كبير للتخلص من هذا المسبق، لكي تمكن رؤية الشيء كما لو أن ذلك يتم للمرة الأولى، يجب أن نقرأها (نراها) كأننا لا نزال أطفالاً دون رواسب ولا مسبقات لكي نستطيع أن نكتبها أو نصورها في حالتها الصافية الأصيلة"(22) وقد أعطيت اللغة الفنية/الرمزية للشعراء "لا لكي يكرروا العالم، ويسجنوه في صوره الظاهرة المعروفة، وإنما لكي يحرروه، ولكي يبقوه في حركيته الداخلية في ما لا ينتهي، ولكي يظهروه باستمرار في صور جديدة"(23)، ولذلك فأنا أرى أن التجربة الإبداعية الصوفية مغامرة على مستوى الوجدان والإلهام، إنها تجربة تدعو إلى الانبثاق الدائم من الداخل وفي الداخل، رؤيا جديدة للكون وحلم دائم للوجود، ولذلك فهي تستلزم كتابة تقوم على إيمائية اللغة وشاعرية الفكر، كتابة خاصة "مطرزة بالرموز ومشجرة ومنقشة بألطف الإشارات التي تحمل أقصى الدلالات للمعاني البعيدة في عالم الرؤيا، إنها كتابة انتظار ولقاء ووصول، إنها ذوبان الجزء بالكل، والفناء الكلي في المثل والقيم العليا"(24).

وعلى العموم فإنها كتابة تستنطق الأعماق، وتسعى إلى سبر أغوار الذات بغية كشف أسرار هذا الوجود بكل ما يكتنفه من غموض ولأن الكون غامض ولا يمكن أن نعبر عنه بالكلام لجأ الصوفية إلى لغة الإشارة والرمز، فالتعبير "بالرمز هو وحده الذي يمكن أن يقابل الحالة الصوفية، التي لا تحدُّها الكلمة والذي يمكن بالتالي أن يخلق المعادل التخييلي لهذه الحالة".(25)

 البعد الجمالي للكتابة الصوفية

أسست الصوفية لطريقة خاصة في الكتابة قوامها الرمز والإشارة ورمزية هذه الكتابة تكمن في أن كل لفظة تكتسب محمولات جديدة بمجرد توظيفها في التجربة الصوفية، وهي بذلك تخلق عالمها الخاص، يرى إحسان عباس أن "هذا الميدان خير ميدان تتفتح فيه ذاتية الشاعر وفرديته"(26) لأن الشاعر هنا يتعامل مع اللغة بكثير من الحرية معتمدًا طريقة التحويل داخل اللغة أي إفراغ اللغة من دلالتها المعجمية وشحنها بدلالات جديدة.

"بهذه الكتابة أخذ [الشاعر] يتوجه نحو الغيب ويحاوره لكن عبر التجربة، لم يعد يتحدث مع المطلق عبر النص بل عبر الجسد، صار الحديث حوارًا مباشرًا بين الأنا والأنت، الإنسان والله"(27)، ولذلك تبدو هذه الكتابة في الغالب محفوفة بالغرابة والغموض مما يجعلها تبدو عصية على الفهم خاصة لدى أولئك الذين ألفوا برودة الوضوح.

الصوفية محاولة للتأليف بين عالم الحس وعالم الغيب، واللغة في هذه التجربة كذلك سعي للتأليف بين العالم المادي (عالم الموجودات) المحدود والعالم الروحي اللانهائي، ولعل هذا ما جعل السلوك الصوفي ليس "مجرد سلوك معرفي، بل رحلة ممتدة أو حضورًا متجددًا داخل الشبكة الرمزية للوجود، ولم تكن تجربة الكتابة الصوفية سوى نمط من أنماط هذا الحضور الدائم إضافة إلى العشق الصوفي والاغتراب، نمط يضع الذات أمام توتر الكينونة واختلاف تجلياتها"(28).

ولكن تجربة الكتابة الصوفية بالإضافة إلى أنها تساؤل حول لغة الكتابة، فإنها كذلك نقد لسلطة العقل، ولعل هذا ما يفسر نزوع هذه الكتابة نحو "اللاعقل"، "لقد كان هاجسها الأساسي هو تجاوز أطر الكتابة السائدة داخل الثقافة الإسلامية، وهذا يعني انتزاع تجربة الكتابة من المكان الاجتماعي –مجال السلطة والصراع المذهبي- إلى المكان الطبيعي، هذه الوثبة نحو الطبيعي تفسر جانبًا سريًا في الكتابة الصوفية: إنه نزوعها لكي تتحول إلى رغبة أي أن تصبح فعلاً من أفعال الجسد الصوفي الأخرى التي هي الحب والاغتراب داخل الفضاء الطبيعي".(29)

وهذا ما حول الكتابة الصوفية إلى حركة في جميع الاتجاهات، "فهي فعل للاغتراب داخل الطبيعة والاندماج مع كائناتها، وهي أيضا فعل للحب والعشق واندفاع نحو سر الجمال الطبيعي والمطلق، وهي أخيرًا فعل لتدمير الذات لأجل الاتصال بالأصول الحيوية للإنسان، وبكلمة واحدة، إنها رغبة ذات اتجاهين: رغبة في الموت (موت الذات)، وفي الحلم والحياة (الحلم بالاتصال بالأصول البدائية)، هذا التوجه المزدوج هو الذي سيجعل منها تجربة عنف وقلق وتوتر"(30) وهذا العنف والتوتر فتح الكتابة الصوفية على مزيد من الإبداع والافتتان بالجمال، وهذه الجمالية ترتكز على أمور عدة منها:

1-   أن محاولة الكشف عن الغيب لا توصل إلا إلى مزيد من الحاجة إليها، فما يعرفه الإنسان ليس إلا عتبة لما يظل غير معروف، ويدعوه إلى معرفته.

2-   أن تجربة الكشف تفترض للتعبير عنها كلامًا يفلت في آن من أغلال العقلانية والمنطق، ومن أغلال المشترك الشائع.(31)

وقد كان لذلك نتائج هامة تمثلت في إثراء الشعر العربي بهذه الرمزية الصوفية التي تمثل بحق فتحًا جديدًا في عالم التعبير اللغوي، فقد رفعت اللغة من مستوى التعبير المباشر إلى مستوى التعبير الخيالي الذي يعتمد على الرمز، والإشارة، والذي يقرأ لابن عربي و ابن الفارض والحلاج وغيرهم يجد تجارب فريدة تؤكد على ضرورة اتصال النص بصاحبه، وارتباط الشاعر بالشروح التأويلية وهذا يضع النص الشعري في سياق دوافعه الصوفية المجازية العميقة. "ونضيف إلى ذلك أن جمالية التصوف تقوم على التناقض وهو يعني أن الشيء لا يفصح عن ذاته إلا في نقيضه، الموت في الحياة، والحياة في الموت، النهار في الليل، والليل في النهار ... هذه الوحدة بين العالم المرئي والعالم غير المرئي، هي وحدة النقيضين، وهي واحد من الأسس الجمالية في الكتابة الصوفية"(32) والتي هي كتابة وإن كانت في ظاهرها تدل على معاني مادية فإنها ترمز إلى معاني وجدانية عميقة نصل إليها عن طريق القراءة التأويلية التي يمجدها الصوفية كونها الوسيلة الوحيدة التي تجعل من القراءة تجربة حية ومتوترة مثل تجربة الكتابة.

وقد أتاح ذلك للصوفية "أن تعيد ترتيب العلاقة بين الذات والله بإلغاء الانفصال بينهما ... وبذلك أصبح الصوفي يحمل الله في ذاته، وأصبح تجليًا له دون أن تتحول العلاقة بين الاثنين إلى علاقة تماه مطلق"(33) وهذا ما سماه أدونيس بـ"الهوية المتغايرة"(34)وهي قمة ما يبلغه الصوفي في شطحاته فالصوفي هو الله وهو غيره في الوقت ذاته. وهذا المقام عرّض الصوفية للتكفير والقتل، يقول ابن عربي:

وَغصْ في بحر الذَاتِ تبصرْ         عجائبَماتبدّتْ للعيانِ

وأَسرارًا تراءتْمبهمات            مسترةََ بأرْواحِ المعانـي

فمنْفهم الإشارةَ فليصنها             وإلاّسوفيقتلُبالسنانِ

كحلاج المحبةِإِذْتبدَتْ             لهُشمسُالحقيقةِبالتداني

فقال أناهُوالحقُالذيلاَ             يغيِّرذاته مَرُّالزمـانَ(35)

إن أبيات ابن عربي السابقة واضحة في دلالاتها، وفي دعوتها إلى اعتماد المعرفة الذاتية الذوقية، فالصوفية ترى أن "انفتاح الذات على موضوعها الذي هو الحقيقة أو الله، لا يتم اعتمادًا على العقل أو النقل، وإنما اعتمادًا على الحب، مما بوأ القلب مكانة خاصة في المعرفة الصوفية"(36)، وبهذا أحدثت المعرفة الصوفية تغييرًا في نظرية المعرفة، والتي كان قوامها العقل فأصبحت تقوم على القلب، حيث يعانق القلب العالم فيصبحان شيئًا واحدًا. وهذا الإبدال في طريق المعرفة لدى الصوفية أسهم "في تجسير الهوة بين الفكر والشعر، بالإلحاح على ضرورة التفكير بالشعر، معتبرًا أن العناصر الشعرية من خيال ورمز وحدس وغيرها هي أدوات لإنتاج معرفة لا تضاهي العقل والحس فحسب، وإنما تفوقهما"(37)، ولعل هذا ما حدا بابن عربي إلى أن يولي الخيال أهمية خاصة، ويبوءه مكانة رفيعة، جاعلاً منه السبيل الأوحد للمعرفة(38)، والذي يقرأ كتب ابن عربي يجد أنه لا يصدر فيها عن تفكير عقلي، وإنما هو الكشف والشهود.

ابن عربي وميلاد لغـة الآفاق

يكشف ابن عربي في مقدمة كتابه "فصوص الحكم" أن مصدر الكتابة لديه هو الكشف، والإلهام، مما يعني أنه لا يصدر في كتابته تلك عن ذات؛ لأن الكتابة الذاتية تدنيس لأنها إنصات للنفس، و»إِنَّ النفسَ لأمارَةٌ بالسُوءِ «(39) كما يقول الله تعالى، وهذا "ما يفرض على الصوفي تغييبه لذاته (المدنس)، والإنصات إلى الصوت الإلهي (المقدس)، أي أن يبقى وفيًا لما يلقى إليه"(40) يقول في ذلك: "فحققت الأمنية، وأخلصت النية، وجردت القصد والهمة إلى إبراز هذا الكتاب كما حدّه لي رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من غير زيادة ولا نقصان".(41) فكل ما يقوله ابن عربي في هذا الكتاب هو فتح يفتح الله به على الخاصة من عباده.

وعلى هذا فإننا نستطيع تأويل مصدر الكتابة لدى ابن عربي من زاويتين:

1- إن إرجاع ابن عربي الكتابة إلى مصدر إلهي ينسجم مع نصوصه بوصفها كتابة فوق النص الأول، فأغلب ما كتبه ابن عربي هو تأويل للعالم، والإنسان، والذات الإلهية اعتمادًا على القرآن، والحديث النبوي، وهو ما يجعله منصتًا أكثر منه كاتبًا.(42)

2- إن المقامات، والأحوال التي يجتازها ابن عربي، والصوفية عمومًا في الطريق نحو الله تنتهي بفناء الصوفي عن ذاته، والبقاء بالله، وفي مقام الفناء يتخلى الصوفي عن القول ويتحول مستمعًا.(43)

وهو ما حدث لابن عربي في معراجه المتخيل إذ قال بعد بلوغه سدرة المنتهى: "سمعت كلامًا مني لا داخلاً في ولا خارجًا عني"(44)، وهذا يجعلنا نقول إن ابن عربي في كتاباته لم يلهم المضمون فقط بل إنه ألهم الكلمة -اللغة- أيضا، وهذا ما ذهبت إليه سعاد الحكيم حيث تقول: "فابن عربي كما أتصوره، عاش مشاهدته، عاشها حدثًا وقولاً، ونتج عن هذه المشاهدة المفردات الاصطلاحية التي استخدمها"(45).

ابن عربي إذن رجل مشاهدة "ولا يهمنا هنا أن ندرس هذا الشهود من الوجهة الكلامية، ونقارنه بأعلام علماء الكلام السابقين، ولا يتسع المجال لذلك، ولكن يهمنا هنا دراسة العلاقة بين هذا الشهود، وبين اللغة الجديدة"(46)، وفي هذا الإطار نرى أن التسمية هي أساس وجود المصطلح الصوفي عند ابن عربي، ونعني بذلك سعيه إلى تسمية الأشياء المشاهدة بأسماء، فهو لا يكتفي بالإخبار عن مشاهداته، بل يجعل لكل حالة اسمًا، "التسمية هي أهم جزء في التعبير عن المشهد، لأن التسمية رسمٌ كالختم والطبع .. والتسمية توجِدُ اسمًا يبقى في الذاكرة علامة على المسمَّى بعد انقضاءِ المشاهدة"(47)، فلولا التسمية ما بقي من المعرفة شيء سواء كانت هذه المعرفة بالعقل والتفكير، أو الكشف والشهود.

بواسطة اللغة نقل لنا ابن عربي ما رآه من مشاهدات من عالم الغيب الخيالي إلى عالم الحضور المعرفي، وما تتميز به هذه اللغة هو اعتمادها على الإضافة التي غدت أساس الصيغة اللغوية الجديدة، فإن كانت اللغة الصوفية السابقة لابن عربي تقوم على استعارة المعجم الغزلي والخمري القديم للدلالة على الحب الإلهي، أي أن الصوفي يقوم بعملية تحويل للدلالة السابقة للألفاظ، وذلك بشحنها بدلالات جديدة ترتبط بالتجربة الصوفية، أي أنه لم يبتكر ألفاظًا جديدة، وإنما قام بتحويل دلالة ألفاظ قديمة من خلال شحنها بدلالات جديدة، فإن ابن عربي قام بإبداع لغة جديدة وبهذا "حقق نقلة على المستوى اللغوي تمامًا كما حقق نقلة على مستوى الشهود والنظر الصوفي .. فكما حوَّل نظر الصوفي من التحديق في الأعماق إلى مراقبة الآفاق، فكذلك حوَّل اللغة الصوفية من الاصطلاحات المبنية على اللفظ الواحد المفرد إلى مصطلح أخذ  شكل العبارة"(48)، وتحصر سعاد الحكيم هذه العبارة في ثلاثة أشكال هي:

1-   الإضافة: تتكون من اسم يضاف إلى اسم مثل: نهر القرآن، بحر الأرواح ونحو ذلك.

2-   النسبة: تتكون من لفظين ينسب أحدهما للآخر مثل: تجل ذاتي وليّ عيسوي.

3-   الوصف: عبارة تكونت من لفظين أحدهما يصف الآخر مثل: الأرض الواسعة.(49)

هكذا تكونت لغة ابن عربي الجديدة تارة بالإضافة، وتارة بالنسبة وأخرى بالوصف فلو أخذنا مثلاً كلمة "نبي" وكلمة "ولي" نجد هاتين الكلمتين من الكلمات القديمة، وليس بينهما علاقة، ولكن ابن عربي يجعل بينهما مناسبة فيوحد بينهما، وهذا يعطينا عبارة: "نبي ولي" والتي تعني: "العلم اليقيني"، وهو معنى جديد ناتج عن التشكيل اللغوي السابق القائم على الإضافة.

أما النسبة فابن عربي يضيف الأسماء التي هي أسماء لحقائق مفردة إلى بعضها البعض مكونًا منها أسماء جديدة لمسميات جديدة. "فالاسم عند ابن عربي له دلالتان: دلالة على الذات، ودلالة على أمر زائد على الذات، وهو ما تعطيه خصوصيةُ ذلك الاسم، فالأسماء الإلهية جميعها تشترك، وتتوحد في دلالتها على الذات الإلهية الواحدة، ولكن في الوقت نفسه هذه الأسماء أعطت بحقائقها أمرًا زائدًا على معقولية الذات، كل اسم بحسبه"(50) مثال ذلك أسماء العبد فـ"عبد الواحد" يختلف في معناه عن "العبد" المضاف، والمنسوب إلى الجبَّار أو الغفار أو الرحيم ... فكل "عبد" يأخذ من هذه الإضافة صفة عبوديته ومعناها، بمعنى أن الإنسان الذي يسمى بعبد الجبار له نصيب من تجليه تعالى باسم "الجبار"، كذلك عبد اللطيف له نصيب من تجليه تعالى باسم اللطيف ..

"وهكذا لا أحدية لموجود عند ابن عربي، لذلك جاءت تسمياته، ومصطلحاته على صيغة الإضافة يضيف اسما إلى اسم، وينسب اسمًا إلى اسم، ويصف اسمًا بصفة، ولا يكاد يشذ مصطلح جديد استخدمه ابن عربي، زيادة على المصطلحات القديمة التي ورثها، عن قاعدة الإضافة"(51).

لقد أبدع ابن عربي إذن صيغة الإضافة، وهي صيغة هامة فتحت آفاق اشتقاق جديدة ولا محدودة أمام الصوفي ليعبر عن مشاهداته، وتجاربه، وتبرز أهمية الإضافة في ما يأتي:

1- أن الإضافة تبرز جانب العلائق والنسب، وتؤكد على مبدأ التفاعل وتبادل الصفات لأن الإضافة ليست مجرد اجتماع حقيقتين بل هي تركيب حقيقتين تتحدان وتتآلفان، وهكذا فالإنسان الذي تحل فيه حقيقة العلم يختلف عن الإنسان الذي تحل فيه حقيقة القدرة.

2- أن الإضافة هي تجسيد لمعنى يعبر عنه ابن عربي بهذه الإضافة ولذلك فعلى الذي يريد أن يدخل عالم ابن عربي اللغوي أن يبحث عن وجه العلاقة بين اللفظين المتضايفين، فهناك يكمن معنى تستره العبارة، ولكن توضحه الإشارة.

3- أن صيغة الإضافة تفتح آفاقًا لغوية واسعة، فالمشاهد سواء كان ابن عربي أم غيره، كلما وجد معنًى في ذات يستطيع أن يبدع عبارة اصطلاحية جديدة لم يقلها قبله أحد، ويسمي بها الذات، وهذه العبارة تجد معناها في دراسة النسبة بين المتضايفين(52) وبذلك تتحقق للغة الصوفية قدرتها على التحول الدلالي الذي "لا يحدث في العلامة اللغوية في حالة إفرادها ولكنه يتحقق من خلال التركيب الذي يكسب العلامة دلالة لا تكون لها في حالة إفرادها، وهذا التحول الدلالي أيضا هو الذي ينقل النص اللغوي من وظيفة "الانباء" الاجتماعية ويجعله يحقق وظائف أخرى "أدبية" "(53).

وبذلك تتعد العبارات، ويرتقي المدلول اللغوي من مستوى التحديد إلى آفاق الإطلاق واللاتحديد، ونصل إلى نسيج لغوي جديد حاكته التجربة الصوفية التي بدلاً من أن تغوص في الأعماق أصبحت ترتاد الآفاق، وهذا يكشف لنا الاتصال القوي للتعبير اللغوي "بمصادره المتمثل في التجربة الصوفية بمختلف حقائقها الشعورية على عكس اللغة الوظيفية التي ينحسر استعمالها في البحث عن الألفاظ والجمل التي تنقل المعاني بحياد كبير"(54)، والفرق كبير بين لغة محدودة في حروفها وكلماتها، ولغة مطلقة حيث يمكن أن نكتب ما لا يحصى من العبارات والتراكيب، ومع لغة كهذه "لم يعد الصوفي يقف أمام شهوده عاجزًا عن التعبير كما كان موقف من تقدم من الصوفية"(55) فقد أتاحت طريقه ابن عربي حرية أكبر عند الصوفية في جمع المفردات، ونحت التراكيب الجديدة القائمة على الإضافة، وإذا كانت الألفاظ محدودة، فإن العبارات التي قد نُشكلها بهذه الألفاظ غير محدودة، ضف إلى أن قصد المتكلم قد يخرج بدلالة العبارة الواحدة من معنى إلى آخر، وهذا ما يعطي للقارئ إمكانية التأويل للغة الصوفية، "وإذا كانت أغلب الفرق الفكرية الإسلامية تحاول أن تربط التأويل ولغة الكتابة بأطر عقلية، ومنهجية محضة فإن الصوفي سيحاول أن يخرج بالتأويل عن حدود تلك الأطر التجريدية لكي يربطه بتجربته المعيشة، ستكف الكتابة عن أن تكون تأويلاً للنص المقدس فقط، لكي تصبح فعلاً للغوص داخل لغة العالم –التي يطلق عليها ابن عربي مفهوم الكتابة الوجودية- داخل التجربة الصوفية ينتقل مفهوم الكتابة من حدود الاجتماعي ليعانق الطبيعة بل الوجود بأكمله، هذه الوثبة من الاجتماعي إلى الطبيعي هي التي ستجعل التجربة الصوفية نزوعًا نحو تحقيق اللقاء المباشر مع كينونة العالم، مع عمق تلك الكينونة اللانهائي الذي يطابق الصوفية بينه وبين الأنوثة المطلقة"(56).

الكتابة الصوفية إذن تجاوز لصناعة اللغة، وتجاوز للقواعد المتعارف عليها، وتجاوز لقوانين الربط بين الأشياء، ولعل هذا ما جعل منها توليفًا صداميًا للمحسوس، والمعقول في الثقافة العربية.

الإحــالات

() أدونيس، الصوفية والسوريالية، ص15.

(2) المرجع نفسه، ص23.

(3) المرجع نفسه، ص25.

(4) أدونيس، مقدمة للشعر العربي، دارالعودة، ط3، 1979، ص125، 126.

(5) أدونيس، الصوفية والسوريالية، ص24.

(6) المرجع نفسه، ص23.

(7) المرجع نفسه، ص24.

(8) المرجع نفسه، ص202.

(9) ينظر، ابن عربي، الفتوحات المكية، السفر الأول، ص295 وما بعدها.

(10) محمد بنعمارة، الأثر الصوفي في الشعر العربي المعاصر، ص51.

(11) المرجع نفسه، ص52.

(12) نصر حامد أبو زيد، إشكاليات القراءة وآليات التأويل، المركز الثقافي العربي، بيروت، ط2، 1992، ص82.

(13) أدونيس، مقدمة للشعر العربي، ص125.

(14) محمد بنيس، الشعر العربي الحديث بنياته وإبدالاتها، دار توبقال الدار البيضاء، المغرب، ج3، ط1، 1990، ص95.

(15) أدونيس، الصوفية والسوريالية، ص115.

(16) أدونيس، الثابت والمتحول، تأصيل الأصول، دار العودة، بيروت 1977، ص95.

(17) القشيري، الرسالة القشيرية، ص53.

(18) نيكلسون، الصوفية في الإسلام، ص105.

(19) منصف عبد الحق، الكتابة والتجربة الصوفيـة (نموذج محي الدين بن عربي)، الرباط 1988، ص06.

(20) درويش الجندي، الرمز والرمزية في الأدب العربي، دار نهضة مصر للطباعة والنشر، القاهرة (د.ت)، ص342. 

(21) ينظر ابن عربي، ترجمان الأشواق، ص09.

(22) أدونيس، الصوفية والسوريالية، ص205.

(23) المرجع نفسه ، ص201، 202.

(24) عبد الحميد جيده، صناعة الكتابة عند العرب ، دار العلوم، بيروت 1998، ص175.

(25) المرجع نفسه، ص194.

(26) عبد القادر فيدوح، الرؤيا والتأويل، دار الوصال، الجزائر 1994، ص51.

(27) أدونيس، الصوفية والسوريالية، ص115، 116.

(28) منصف عبد الحق، الكتابة والتجربة الصوفية، ص08.

(29) المرجع نفسه، ص09.

(30) المرجع نفسه، ص10.

(31) أدونيس، الصوفية والسوريالية، ص140، 141.

(32) المرجع نفسه، ص140، 141.

(33) خالد بلقاسم، أدونيس والخطاب الصوفي، دارتوبقال للنشر، المغرب، 2000، ص71، 72.

(34) أدونيس، الثابت والمتحول، الأصول، دار العودة، بيروت ج1، ط3، 1970، ص97.

(35) ينظر ابن عربي، الإسراء إلى المقام الأسرى، أو كتاب المعراج، تح. سعاد الحكيم،  دار دندرة للطباعة والنشر، بيروت 1988، ص59.

(36) خالد بلقاسم، أدونيس والخطاب الصوفي، ص73.

(37) المرجع نفسه، ص73.

(38) ينظر، سليمان العطار، الخيال عند ابن عربي، دار الثقافة للنشر والتوزيع، القاهرة (دت)، ص195.

(39)  يوسف، 53.

(40) خالد بلقاسم، أدونيس والخطاب الصوفي، ص144.

(41) ابن عربي، فصوص الحكم، ص47.

(42) خالد بلقاسم، أدونيس والخطاب الصوفي، ص115.

(43) المرجع نفسه، ص115.

(44) ابن عربي، الإسراء إلى المقام الأسرى، تح. سعاد الحكيم، ص133.

(45) سعاد الحكيم، ابن عربي ومولد لغة جديدة،  ص73.

(46) المرجع نفسه، ص69.

(47) المرجع نفسه، ص71.

(48) المرجع نفسه، ص79.

(49) المرجع نفسه، ص79.

(50) المرجع نفسه، ص82- 83.

(51) المرجع نفسه، ص83.

(52) المرجع نفسه، ص84 وما بعدها.

(53) نصر حامد أبو زيد، إشكالية القراءة وآليات التأويل، ص87.

(54) محمد بنعمارة، الأثر الصوفي في الشعر العربي المعاصر، ص43.

(55) سعاد الحكيم، ابن عربي ومولد لغة جديدة، ص89.

(56) منصف عبد الحق، الكتابة والتجربة الصوفية، ص07.1) أدونيس، الصوفية والسوريالية، ص15.

(2) المرجع نفسه، ص23.

(3) المرجع نفسه، ص25.

(4) أدونيس، مقدمة للشعر العربي، دارالعودة، ط3، 1979، ص125، 126.

(5) أدونيس، الصوفية والسوريالية، ص24.

(6) المرجع نفسه، ص23.

(7) المرجع نفسه، ص24.

(8) المرجع نفسه، ص202.

(9) ينظر، ابن عربي، الفتوحات المكية، السفر الأول، ص295 وما بعدها.

(10) محمد بنعمارة، الأثر الصوفي في الشعر العربي المعاصر، ص51.

(11) المرجع نفسه، ص52.

(12) نصر حامد أبو زيد، إشكاليات القراءة وآليات التأويل، المركز الثقافي العربي، بيروت، ط2، 1992، ص82.

(13) أدونيس، مقدمة للشعر العربي، ص125.

(14) محمد بنيس، الشعر العربي الحديث بنياته وإبدالاتها، دار توبقال الدار البيضاء، المغرب، ج3، ط1، 1990، ص95.

(15) أدونيس، الصوفية والسوريالية، ص115.

(16) أدونيس، الثابت والمتحول، تأصيل الأصول، دار العودة، بيروت 1977، ص95.

(17) القشيري، الرسالة القشيرية، ص53.

(18) نيكلسون، الصوفية في الإسلام، ص105.

(19) منصف عبد الحق، الكتابة والتجربة الصوفيـة (نموذج محي الدين بن عربي)، الرباط 1988، ص06.

(20) درويش الجندي، الرمز والرمزية في الأدب العربي، دار نهضة مصر للطباعة والنشر، القاهرة (د.ت)، ص342. 

(21) ينظر ابن عربي، ترجمان الأشواق، ص09.

(22) أدونيس، الصوفية والسوريالية، ص205.

(23) المرجع نفسه ، ص201، 202.

(24) عبد الحميد جيده، صناعة الكتابة عند العرب ، دار العلوم، بيروت 1998، ص175.

(25) المرجع نفسه، ص194.

(26) عبد القادر فيدوح، الرؤيا والتأويل، دار الوصال، الجزائر 1994، ص51.

(27) أدونيس، الصوفية والسوريالية، ص115، 116.

(28) منصف عبد الحق، الكتابة والتجربة الصوفية، ص08.

(29) المرجع نفسه، ص09.

(30) المرجع نفسه، ص10.

(31) أدونيس، الصوفية والسوريالية، ص140، 141.

(32) المرجع نفسه، ص140، 141.

(33) خالد بلقاسم، أدونيس والخطاب الصوفي، دارتوبقال للنشر، المغرب، 2000، ص71، 72.

(34) أدونيس، الثابت والمتحول، الأصول، دار العودة، بيروت ج1، ط3، 1970، ص97.

(35) ينظر ابن عربي، الإسراء إلى المقام الأسرى، أو كتاب المعراج، تح. سعاد الحكيم،  دار دندرة للطباعة والنشر، بيروت 1988، ص59.

(36) خالد بلقاسم، أدونيس والخطاب الصوفي، ص73.

(37) المرجع نفسه، ص73.

(38) ينظر، سليمان العطار، الخيال عند ابن عربي، دار الثقافة للنشر والتوزيع، القاهرة (دت)، ص195.

(39)  يوسف، 53.

(40) خالد بلقاسم، أدونيس والخطاب الصوفي، ص144.

(41) ابن عربي، فصوص الحكم، ص47.                                                                     

(42) خالد بلقاسم، أدونيس والخطاب الصوفي، ص115.

(43) المرجع نفسه، ص115.

(44) ابن عربي، الإسراء إلى المقام الأسرى، تح. سعاد الحكيم، ص133.

(45) سعاد الحكيم، ابن عربي ومولد لغة جديدة،  ص73.

(46) المرجع نفسه، ص69.

(47) المرجع نفسه، ص71.

(48) المرجع نفسه، ص79.

(49) المرجع نفسه، ص79.

(50) المرجع نفسه، ص82- 83.

(51) المرجع نفسه، ص83.

(52) المرجع نفسه، ص84 وما بعدها.

(53) نصر حامد أبو زيد، إشكالية القراءة وآليات التأويل، ص87.

(54) محمد بنعمارة، الأثر الصوفي في الشعر العربي المعاصر، ص43.

(55) سعاد الحكيم، ابن عربي ومولد لغة جديدة، ص89.

(56) منصف عبد الحق، الكتابة والتجربة الصوفية، ص07.

قراءة في ثلاثية الوجود عند الشيخ ابن عربي


قراءة في ثلاثية الوجود عند الشيخ ابن عربي


دراسة مختصرة مأخوذة من كتاب ( ثلاثية الوجود )
للأستاذ الباحث نضال فاضل كاني البغدادي
ومرسلة للجامعة العربية المفتوحة لشمال أمريكا
7 سبتمبر2010 م




المقدمة

الفكر الإنساني ، شعلة الحضارة التي لا تنطفئ ولا تنضب ، ومن خلال هذه الشعلة استطاع الإنسان ان يقتحم غوامض الوجود بما فيه من أبعاد فيزيقية أو ميتافيزيقية ليرفد الإنسانية جميعاً بأفكارها التي نشأت أول ما نشأت عبارة عن أسئلة بسيطة ، ثم بنى الإنسان من خلالها أفكاراً ومبادئ ومذاهب استمرت تنمو في مسارها الطويل من الفكر وما تزال .

ومذهب وحدة الوجود نموذج لتلك الأفكار والمذاهب التي ظهرت في صورتها البدائية البسيطة محاولات تعكس رؤيا الإنسان الى الطبيعة وموقفه من الآلهة . واستمرت لتتحول إلى نظريات فلسفية كبيرة في الفكر الإنساني .

بين طيات هذا التراث الفكري ظهر الفكر الإسلامي والذي تميز بخصوصية انطلاقه من مسلمات القرآن الكريم في إقرار الصلة بين الله والعالم ، وقد كانت هذه الانطلاقة في ثلاث اتجاهات وهي علم الكلام والتصوف والفلسفة ، حيث استطاعت كل من هذه الاتجاهات على حدة أن تغني مسيرة الفكر الإسلامي من خلال ما صبت فيه من أفكار ومذاهب وآراء أدت بالتالي إلى ظهور مذاهب إسلامية في وحدة الوجود ، والتي تقتصر الرؤية فيها على علاقة الله بالعالم وتفسير هذه العلاقة أو الصلة على أساس من الوحدة الإلهية التي تطغى على كل ما في الوجود ، واعتبار هذا الوجود مظاهر وصفات وأسماء لهذه الوحدة الإلهية .

ووحدة الوجود في الإسلام اقترنت باسم الشيخ ابن عربي ، إذ بنظر الكثيرين هو الذي هذب هذا المذهب ووصل به إلى صورته المتكاملة في التصوف الإسلامي ، فلم يعرف قبله بصورته التي اصبح عليها عنده أو بعده ، أي وجد مذهب وحدة الوجود صيغته الصوفية الفلسفية المتكاملة على يديه .

وقد أدى قوله بهذا المذهب أو نسبته إليه إلى اختلاف الناس فيه اشد الاختلاف ، فنظره الفلاسفة من أهل الشرق والغرب على أنه فيلسوف من فلاسفة الإسلام والديانات ، وذلك لما رأوه في مؤلفاته من العمق ودقيق الفكر ، والعبارة والحكمة ، وانقسم المسلمون فيه إلى فريقين : فريق يعتبره رأس الضلالة والإلحاد ، قائلاً بوحدة الوجود بما تتضمنه من حلول واتحاد([1])، وفريق يعتبره شيخ المحققين ومربي العارفين ، إمام أهل الكشف والوجود([2]) من المتأخرين ، وذلك لما أتى به من علوم العرفان والإلهيات التي لم يسبقه إليها أحد من الصوفية والعارفين ، والتي لم يأت أحد بعده بمثلها إلى يومنا هذا .

وفي هذه الدراسة سنحاول ان نسلط الضوء على الجوانب الدقيقة في رؤية الشيخ ابن عربي من حيث موقفه من طبيعة الوجود ونوعية وحدته . للحصول على الإجابة على العديد من الأسئلة الكبرى التي تتعلق بالتوحيد في الفكر الإسلامي من خلال المنظار الصوفي عند أحد كبار منظريه وهو الشيخ ابن عربي .

إنها محاولة لمعرفة موقف الشيخ ابن عربي من طبيعة الوجود ، وهل كان الشيخ ابن عربي من الوجودية ، أي من دعاة وحدة الوجود بالمعنى الأكثر شيوعا ؟ .

وإذا كان كذلك فهل كان من صنف الوجودية الملاحدة أم الموحدة ؟.

وهل كان من دعاة الوحدة أم الثنائية ؟ .

أم أنه سار في طريق ثالث يتوسط بين القائلين بالوحدة المحضة والثنائية البحتة ؟ .

إن هذه المحاولة تقتضي من الباحث ان يتناول دراسة الشيخ ابن عربي من جانبين :

الأولى : الجانب الوجودي ومذهب الشيخ ابن عربي في طبيعة الوجود والتالي نظريته الخاصة بوحدة الوجود .

الثاني : الجانب المعرفي وآراء الشيخ ابن عربي التأويلية لفهم وتفسير كل من : القرآن ، الإنسان ، الوجود .

فأما الجانب الأول فقد خصصنا له هذه الدراسة ، وأما الجانب الثاني فسنتناوله بالبحث والتحليل في الجزء الثاني بعونه تعالى .

ولكي نشرح نظرية الشيخ ابن عربي في الوجود بأسهل وأقصر طريق ، فسنقوم بعملية تركيب لمذهبه المتفرق في مؤلفاته ، وفي الوقت نفسه نقوم بتحليل ذلك التركيب بناءً على آراءه وأقواله في كل فقرة من فقرات مذهبه في الوجود والمعرفة . وللوصول إلى ذلك فقد قسمنا الدراسة إلى تمهيد ومباحث ثلاث وخلاصة :

فأما التمهيد فقد عرضنا فيه لأمور نراها ضرورية للتقرب من آراء الشيخ ابن عربي وفيها سنستعرض قضية مهمة وهي : هل تصنف آراءه ضمن الإطار الفلسفي أم الصوفي ، ومناقشة أفكار الباحثين فيه قديماً وحديثاً من عرب مسلمين ومستشرقين ، ونظرة موجزة عن تاريخ وحدة الوجود والتعاريف المتعارضة لها .

وأما المباحث الثلاث فتناولنا فيها – باختصار – نظرته للوجود وحقيقته وقد ركزنا فيها على العالم الوسيط الذي تقوم على بنيته الذاتية كل نظريات الشيخ ابن عربي في الوجود والمعرفة ، حيث يعتبر المفتاح الخاص عند الشيخ ابن عربي والذي استخدمه لفتح مغاليق الإشكاليات الفلسفية والعقائدية والفكرية .

ومن الجدير بالذكر هنا أن مراتب الوجود عند الشيخ ابن عربي هي ( 28 ) مرتبة وقد اخترنا منها الأهم في هذه الدراسة مما يتناسب والمقام فحسب .

وفي الختام نسأل الله تعالى ان ينفع بهذا العمل طلاب الحقيقة والمعرفة والله من وراء القصد .





المبحث الأول

الشيخ ابن عربي ووحدة الوجود

بين التصوف والفلسفة

يعد الشيخ الأكبر الشيخ ابن عربي الأوحد من بين الصوفية الذين خلفوا مؤلفات صوفية كثيرة ، ويمكن اعتبار هذا القول هو الأمر المشترك بين الباحثين حول الشيخ ابن عربي ونتاجه الفكري أو الأدبي أو الصوفي ، فقد قال بعضهم عن الشيخ ابن عربي ومؤلفاته : أنها لا يكاد العقل يتصور صدورها عن مؤلف واحد لم ينفق كل لحظة من لحظات حياته في التأليف والتحرير .

ولو قيس الشيخ ابن عربي – على حد قول الدكتور أبو العلا عفيفي([3]) – بغيره من كبار مؤلفي الإسلام وغيرهم لتغلب عليهم جميعاً في ميدان التأليف من ناحية الكم والكيف على السواء .

وأما محاور الخلاف حول الشيخ ابن عربي فكثيرة ، حتى لا يسع الباحث إحصائها ، لعل أهمها أو الأساس فيها هو المنهجية التي كان ينطلق منها الشيخ ابن عربي في تفكيره وبالتالي مؤلفاته ، والسؤال الذي حير باحثيه هل كان الشيخ ابن عربي صوفياً كما يقول عن نفسه أم كان فيلسوفاً كما تشير إلى ذلك نظرياته في الوجود والمعرفة والجمال والحب وبقية فروع الفلسفة !! .

للإجابة على هذا التساؤل ينبغي أن نطلع أولاً على المعيار الذي نفرق على أساسه بين الفلسفة والتصوف ، لنستطيع بعد ذلك الإجابة على هذا السؤال .

معيار التفرقة بين الفلسفة والتصوف

إن الفلسفة هي جهد فكري يسعى للمعرفة بواسطة العقل والاستدلالات المنطقية ، ولا شأن للفلسفة بالممارسات العملية ولا بالقضايا الوجدانية . واما التصوف فهو جهد عملي ممثل بالرياضات والسلوك الصوفي ، والمعرفة فيها مبنية على شيء وجداني له علاقة بالإيمان والإحساس الداخلي ، فالمعرفة التي يصل إليها الصوفي معرفة مباشرة بغير وسائط من مقدمات أو قضايا أو براهين ، تسمى ( الإلهام ) أو الكشف([4]).

والفلسفة منهج فكري منظم مترابط مبني على أسس علمية ، لها مذاهب في طبيعة الوجود ، من غاياتها معرفة ترتيب الكون وكيفية تركيبه ، فالعلم عندهم نظرية في الكون .

بينما التصوف مناهج وجدانية تسعى لمشاهدة مراتب الكون روحياً والتعامل معها وتجاوزها للوصول إلى الفناء في الخالق .

أي ان الحد الفاصل بين الفكر الفلسفي والمعرفة الصوفية هو ان الفكر الفلسفي ينطلق من تفاعل بين معطيات العقل وعلاقتها بالواقع أو حتى بالخيال ، بينما تنطلق الرؤى الصوفية من تفاعل بين معطيات الخالق وعلاقته بالخلق .

وربما يمكن القول : إن الفكر الفلسفي تصاعدي ينطلق من المحدث ليرتقي الى القديم ، بينما المعرفة الصوفية تنازلية ، تنطلق من القديم ليهبط إلى المحدث .

وبناءً على هذا المعيار ذهب الدكتور عفيفي في موقفه من الشيخ ابن عربي - من حيث التصوف والفلسفة - إلى القول : بأنه لا يرى من الصواب أن يصف مذهب الشيخ ابن عربي بأنه مذهب فلسفي بحت – إذا اعتبرنا التفكير والترابط المنطقي أخص صفات الفلسفة – ولا بأنه مذهب صوفي بحت ، إذا اعتبرنا الوجدان والكشف أخص مميزات التصوف ، ولكنه مذهب فلسفي صوفي معاً ، جمع فيه بين وحدة التفكير وقوة الوجدان ، وحاول فيه ان يوفق بين وحدة التفكير وقوة الوجدان . وحاول ان يوفق بين قضايا العقل وأحوال الذوق والوجدان([5]).

لهذا يقول عفيفي أنه بالرغم من ان الشيخ ابن عربي وهب بسطة في الفكر والخيال ، وعمقاً في الحس الروحي ، يعوزه المنهج الفلسفي الدقيق والتحليل العلمي المنظم .

فهو عنده فيلسوف – من غير شك – لأنه صاحب مذهب ومؤسس مدرسة ، ولكنه فيلسوف آثر أن يهمل منهج العقل الذي هو منهج التحليل والتركيب ويأخذ بمنهج التصوير العاطفي والرمز والإشارة والاعتماد على أساليب الخيال في التعبير .

وقد علل عفيفي اتخاذ الشيخ ابن عربي لهذا المسلك لكونه ككل صوفي يعالج مسائل يستعصي على العقل غير المؤيد بالذوق ان يدركها ، ويستعصي على اللغة غير الرمزية أن تفصح عن أسرارها . ومتى كان العقل وحده أداة صالحة للوصول إلى اليقين أو إلى الحقيقة التي تطمئن إليها النفس ؟‍ ومتى كانت اللغة وحدها صالحة للتعبير عن تلك الحقيقة بعد الوصول إليها ؟ .

والواقع إننا لا نؤيد عفيفي في هذا الرأي ، فقد يكون الشيخ ابن عربي مذهباً في طبيعة الوجود ، وقد يكون له نظريات في المعرفة ، وقد يكون الشيخ ابن عربي قد استعمل اصطلاحات الصوفية ، ولكن كل ذلك ليس لأنه فيلسوف صبغ فلسفته بالصبغة الصوفية ، وإنما لأنه صوفي اتخذ طريقة التنظير الفلسفية وسيلة للتعبير عن مكاشفاته وأذواقه المعرفية .

وقد ناقض عفيفي نفسه حين قال : ان الشيخ ابن عربي قد كتب كتبه تحت تأثير نوع من الوحي و الإلهام ، فأنزل في سطورها ما أُنزل به عليه لا ما قضى به منطق العقل ، ولم يكن الرجل واهماً ولا مفترياً حينما قال عن كتابه ( فصوص الحكم ) : « ولا انزل في هذا المسطور إلا ما ينـزل به عليّ ، ولست بنبي ولا رسول ، ولكني وارث ولآخرتي حارث » فهو يعتقد عن يقين ان كتابه إملاء من رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من غير زيادة ولا نقصان ، أملاه عليه في رؤيا رآها ، وانه لم يكن إلا مترجماً لما كاشفه به النبي ( صلى الله عليه وسلم ) الذي هو منبع العلم الباطن ومصدر نور المعرفة . كما انه لم يكن واهماً عندما سمى موسوعته الكبرى في التصوف باسم ( الفتوحات المكية ) وسمى كتاباً آخر
( بالتنـزلات الموصلية ) إلى غير ذلك مما يؤيد أنه لا يصدر في كتبه عن تفكير منطقي ، بل عن كشف وإلهام .

وهذا يؤكد وجهة نظرنا في هذا الشأن والتي تتلخص في أن الشيخ ابن عربي صوفي بحت من حيث المعرفة ، له فلسفة خاصة في طرح آراءه ، فليس للعقل عنده دور في المعرفة سوى دور المُخرِج في إظهار آراءه وأفكاره . بينما يكون العقل هو السيد وهو الأصل في المعرفة والإخراج ( الترتيب المنطقي ) عند الفلاسفة .

إن الشَرَك الذي سقط فيه الكثير من الباحثين أنهم لم يميزوا بين التجربة الصوفية وبين التعبير عنها ، فطابقوا بينهما ، مطابقة كانت هي المسؤولة في إرجاع التصوف الإسلامي بشكل عام إلى أصول تارة يونانية ، هندية ، وأخرى فارسية … الخ . ومن جهة ثانية أدت إلى إرجاع نتاج الشيخ ابن عربي بشكل خاص إلى الإطار الفكري الفلسفي . وإذا أردنا إيضاح ذلك - كما يقول الدكتور محمد كمال – قلنا : إن في التصوف جوانب ثلاثة متميزة ، يمكن تناول التصوف منها :

أولها : الجانب العملي وهو الطريق .

وثانيها : الجانب النفسي أو الشعوري أو الوجداني أو العاطفي وهو التجربة .

وثالثها : الجانب النظري أو الفكري أو التفسيري أو التعبيري وهو المذهب الفلسفي ([6]).

فالتجربة الصوفية هي تجربة ( جوانية ) تتحرك في إطار ذاتية معيشة . بعيداً عن التفكير العقلي والمنطقي ، وبعيداً عن الحروف والكلمات .. بعيداً عن الآخرين ، وهي تجربة قرب عرفاني مجالها الحيوي كما تقول الدكتورة سعاد الحكيم : تجربة إسلامية من نمط قرآني خاص مبني على أساس قوله تعالى: ] وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ[ ([7]) . أما التعبير عن هذه التجربة ، فهو خروج من الجوانية والذاتية إلى الآخرين ، هي عودة الصوفي من رحلته في الأعماق إلى الآفاق . وهنا تأخذ هذه الجوانية أشكالاً لدى التعبير عنها ، تأخذ ( لغة الآخرين ) فتظهر في صورة ( النظريات الفلسفية ) المتعارف عليها بين الفلاسفة العقليين .

هذا التعبير المتشابه لتعبير الآخرين يعد منسجماً مع ما ورد في السنة من أمر بتكليم الناس على قدر عقولهم . فالخطاب الصوفي تنـزل من عوالم ( الذات الإنسانية ) في إطلاقها إلى حدود الحرف .. إلى إفهام الآخرين .. إلى ( قدر العقول ) . وهنا ، أي على مستوى التعبير ، تدخل العبارات الاصطلاحية والمفاهيم السائدة في زمن الخطاب ، فيتناولها الصوفي ليعبر بها عن تجربته ، في محاولة تواصل مع الآخرين . فتظهر على مستوى التعبير مفردات أو صياغات نجد جذورها في فلسفات شرقية أو يونانية ، والواقع ان هذا التعبير يلي مرحلة التجربة الصوفية في نقائها وصفائها .

ولقد كان الشيخ ابن عربي كما ترى الدكتورة سعاد الحكيم([8]) من أوائل الذين انفصلوا عن تجربتهم الصوفية ليحللوها ، ولينتقلوا بها من ميدان المواجيد والأحوال - كالحلاج والبسطامي - إلى منطق العلم والنظريات . فقد كان يتحلى ، إلى جانب تجربته الواسعة الغنية ، بملكة التعبير عنها إذ انه يملك أسلوب التعبير الصحيح بالوسائل ( الكلاسيكية ) جميعها ، فنراه يعبر عن فكرته الواحدة بفنون من القول .

ولهذا خلصت الدكتورة سعاد الحكيم إلى القول بأننا لا نستطيع أن نصنف أراء الشيخ ابن عربي ضمن الآراء النظرية الفلسفية فنبحثها على صعيد الفكر والنظريات ، كما أنه لم يغرق في غيبة الشهود ويتكلم تحت وطأة الوجد ، فنقول إن أقواله من شطحات الفانين .

كلا . لقد كانت أراءه وأقواله ، أراء وأقوال ( المشاهد الصاحي ) ، ومن هنا نشأ الخلاف بين دارسيه ، فجعل البعض نتائجه نظرية فلسفية ، والبعض الآخر جعلها ثمرة السلوك ، والأجدى أن نعترف بتكامل الشيخ ابن عربي تكاملاً يضم في حناياه الفناء والبقاء([9]) فلا نغلب حالاً على حال ([10]) .








الباحثون و مذهب الشيخ ابن عربي في طبيعة الوجود

يرى بعض الباحثين إن الشيخ ابن عربي مذهباً صوفياً فلسفياً كاملاً في طبيعة الوجود ، فهذا ما لا سبيل إلى إنكاره أو الشك فيه ، غير إن هذا المذهب لا يكاد يُظفر به كاملاً في كتاب من كتبه ، ولهذا على من يريد أن يظفر بهذا المذهب أن يجمع عناصره المبعثرة في كل مكان من مؤلفاته وأن يعيد ترتيب تلك العناصر حتى يظهر في وحدته المتماسكة .

وقد شبه الدكتور عفيفي الشيخ ابن عربي في ذلك بفنان ألف لحناً موسيقياً عظيماً ثم أخفاه عن الناس فمزقه وبعثر نغماته بين نغمات الحان أخرى ، فاللحن الموسيقي العظيم هنالك لمن أراد أن يتكبد مئونة استخلاصه وجمعه من جديد . وقد سجل الشيخ ابن عربي على نفسه قصد إخفاء مذهبه والضن به بأن يظهره كاملاً في أي كتاب من كتبه في عبارة وردت في الفتوحات المكية ، حيث يقول بعد أن ذكر عقيدة العوام ثم أردفها بعقيدة الخواص : ( وأما التصريح بعقيدة خاصة الخاصة ) فما أفردتها على التعيين لما فيها من الغموض ، لكن جئت بها مبددة في أبواب هذا الكتاب ( الذي هو الفتوحات ) مستوفاة مبينة ، لكنها كما ذكرنا متفرقة ، فمن رزقه الله الفهم فيها يعرف أمرها ويميزها من غيرها ، فإنها العلم الحق والقول الصدق ([11]).

ويبدو أن الدكتور عفيفي والعديد غيره من الباحثين المسلمين والمستشرقين حاولوا أن يقوموا بدور الجامع لذلك المذهب المتفرق ، وسواء وفُقوا في ذلك أم لا فإن الوقوف على حقيقة هذا المذهب لا تتوقف في رأينا على مجرد الدراسة النظرية أو الفكرية لآراء الشيخ ابن عربي ، وذلك لأنه ليس مجرد فيلسوف – كما أشرنا – وإنما هو صوفي عرض آراءه بطريقة الفلاسفة .

ولهذا فنحن نرى أن الدراسة الفكرية لآراء الشيخ ابن عربي أو غيره من الصوفية إذا أريد لها ان تكون موضوعية ومنصفة فينبغي أن يكون الباحث ذا تجربة صوفية ليكون قريباً من الناحيتين الفكرية والوجدانية من موضوع الدراسة الصوفية التي يقوم بها سواء أكانت الشيخ ابن عربي أو غيره من الصوفية .

من هنا نرى أن تقييم الدراسات التي تتعلق بالقضايا الصوفية يجب ان يؤخذ فيها هذا الشرط بنظر الاعتبار ، فليس الحكم على قضية صوفية مبنية على حكم نظري بحت تتساوى مع الدراسة التي تنبني على الخلفية الصوفية للباحث الذي يقوم بها .

وعلى كل حال فإن الباحثين صنفوا بشكل أو بأخر المذهب الذي يقول به الشيخ ابن عربي والذي فرقه هنا وهناك في مؤلفاته الكثيرة ضمن مذاهب ( وحدة الوجود ) ، في الوقت الذي ترى فيه الدكتورة سعاد الحكيم أن عبارة ( وحدة الوجود ) ابتدعها دارسوا الشيخ ابن عربي أو بالأحرى صنفوه في زمرة القائلين بها ، ذلك لأنها لم ترد ضمن مصطلحاته كلها على كثرتها وعظمها([12]) .

هذا بالرغم من أن الباحثين سواء كانوا من المستشرقين أو من الباحثين العرب والمسلمين -قديماً وحديثاً – قد اختلفوا في أمر الشيخ ابن عربي أشد الاختلاف ، فهو قمة في التصوف عند بعضهم ، وهو أكثر الناس إغراقاً في الإلحاد عند البعض الآخر ، في الوقت الذي تحير فيه آخرين كابن تيمية ، فتارة ينسبه إلى وحدة الوجود ويضعه إلى جانب ابن سبعين ، وأحياناً أخرى يضعه في مصاف من يفصل بين الحق والخلق والله والعالم .

ولزيادة الإيضاح فيما يتعلق بالمواقف المتباينة من الشيخ الأكبر حول وحدة الوجود عنده، سنعرض لبعض آراء الباحثين من المستشرقين والمسلمين وأقوالهم فيها .

المستشرقون ووحدة الوجود عند الشيخ ابن عربي

كان من الطبيعي أن يفهم المستشرقين الشيخ ابن عربي في إطار وحدة الوجود تسليماً بما قاله عنه كل من محبيه وأعداءه على السواء . ولكنهم فهموا وحدة الوجود عند الشيخ ابن عربي في إطار وحدة الوجود في الفلسفة الغربية ، ومن خلال المصطلح
( Pantheism ) ، وذلك على أساس انطلاقهم من المعروف إلى المجهول في حركة معرفية تأويليه - كما يقول الدكتور نصر حامد أبو زيد – هذا التصور لوحدة الوجود عند الشيخ ابن عربي تبناه كل من نيكلسون وأسين بلاسيوس([13]) .

وحين لم تستجب نصوص الشيخ ابن عربي كلها لمثل تصوراتهم لم يجدوا تفسيراً لذلك سوى ان هذه النصوص تحفظات من الشيخ ابن عربي يمليها الحذر والحيطة .

وفي تقدير الدكتور نصر أبو زيد إن دراسة ( هنري كوربان ) هي اقرب الدراسات التي قدمها المستشرقون إلماماً بالجوانب المختلفة لفكر الشيخ ابن عربي ، فهي تجمع بين وحدة الوجود عند الشيخ ابن عربي وبين الثنائية الواضحة في فكره كذلك ، وذلك انطلاقاً من دراسة موضوع عالم وجودي وسيط هو ( عالم الخيال الخلاق ) . لا في فكر الشيخ ابن عربي فحسب ، بل في الفكر الإشراقي كله([14]) .








الباحثون العرب ووحدة الوجود عند الشيخ ابن عربي

لم يختلف فهم الباحثين العرب لوحدة الوجود عند الشيخ ابن عربي عن المستشرقين في شيء ، ومن بين هؤلاء الدكتور أبو العلا عفيفي الذي يعد في رأي البعض رائد الباحثين في الشيخ ابن عربي ، لا في رسالة الدكتوراه التي أعدها تحت إشراف نيكلسون فحسب ، بل في أبحاثه العديدة التي توجهت في معظمها على جوانب من فكر الشيخ ابن عربي .

وقد ذهب أبو العلا عفيفي إلى ان الشيخ ابن عربي من فلاسفة وحدة الوجود بل في رأيه أنه « لم يكن لمذهب وحدة الوجود وجود في الإسلام في صورته الكاملة قبل الشيخ ابن عربي ، فهو الواضع الحقيقي لدعائمه والمؤسس لمدرسته ، والمفصل لمعانيه ومراميه ، والمصور له بتلك الصورة النهائية التي اخذ بها كل من تكلم في هذا لمذهب من المسلمين من بعده »([15]) ؟ . هذا برغم تنبهه إلى التفرقة الأساسية في فكر الشيخ ابن عربي بين الذات الإلهية والعالم .

وقد علل الدكتور أبو زيد هذا الموقف من عفيفي بأنه راجع إلى إن الدكتور عفيفي قد فهم وحدة الوجود عند الشيخ ابن عربي في ضوء المفهوم الغربي متابعاً في ذلك أستاذه نيكلسون .

وحين لم يستجب فكر الشيخ ابن عربي لمثل هذا التصور عن وحدة الوجود اتهم بالتناقض ، وقصور أدواته الفلسفية ، وفي احسن الأحوال اتهم بالغموض والقصد إلى المداراة رغبة في ان يضفي على فكره طابعاً سنياً إسلاميا .

وقد تابع كل من إبراهيم بيومي مدكور ومحمود قاسم وأبو العلا عفيفي في رؤيته لفكر الشيخ ابن عربي ، يقول الدكتور إبراهيم بيومي مدكور : « إن مذهب وحدة الوجود لم يستكمل صياغته في الإسلام ، ولم يعرض العرض الكامل إلا في القرن السابع الهجري ، وعلى أيدي الشيخ ابن عربي الفيلسوف المتصوف ، اتخذه أساسا لدرسه وبحثه ، وبنى عليه آراءه كلها ، فصل القول فيه ، بحيث أضحى مذهباً مكتمل المراحل ، متماسك الأجزاء …

والشيخ ابن عربي زعيم مدرسة ، تأثر به من جاءوا بعده ممن قالوا بوحدة الوجود ، أمثال جلال الدين الرومي ، وحافظ ، وعبد الكريم الجيلي الذي استطاع أن يزيد المذهب وضوحاً ، ويصوغه صياغة أيسر »([16]) . وقد قارنا في دراستيهما بين الشيخ ابن عربي واسبينوزا وبين الشيخ ابن عربي وليبنتز .






الدفاع عن وحدة الوجود عند الشيخ ابن عربي

في مقابل الفريق الذي تابع أبو العلا عفيفي ونيكلسون وجدنا فريقاً آخر لا يرى في فكر الشيخ ابن عربي أي أثر لوحدة الوجود ، بل يرى فكره قائماً على الثنائية بين الله والعالم وبين الله والإنسان .

وقد انطلق هذا الفريق من موقف دفاعي حسن النية يستهدف تبرئة الشيخ ابن عربي من تهمة وحدة الوجود وإدخاله في حضيرة الإسلام التي حاول بعض الباحثين والدارسين إخراجه منها ، مثل عباس العزاوي الذي ذهب إلى حد اتهام الشيخ ابن عربي بالقصد إلى التخريب العقائدي في أقطار الدولة الإسلامية عن طريق نشر أفكار الباطنية في الحلول ووحدة الوجود.

ومن بين هؤلاء المدافعين الدكتور نصر حامد أبو زيد([17]) الذي يرى ان وحدة الوجود عند الشيخ ابن عربي يجب ان تفهم فهماً خاصاً يتباعد بها عن أي تصور مسبق لوحدة الوجود في الفلسفة الغربية أو المعاصرة أو الوسيطة أو القديمة ، وذلك لأن الشيخ ابن عربي ينطلق من ثنائية حادة واضحة يقيمها بين الذات الإلهية والعالم من جهة ، وبينها وبين الإنسان من جهة أخرى.

أما محمد غلاب فقد ذهب في دفاعه عن الشيخ ابن عربي – مستشهداً بالشعراني – إلى القول ان النصوص التي تدل على وحدة الوجود عند الشيخ ابن عربي قد دست عليه من الحاقدين والمتعصبين المعاصرين له أو التالين عليه .

أما جمال المرزوقي فقد حاول ان يقف من الشيخ ابن عربي موقفاً معتدلاً كما يقول ، فيأخذ من أقواله ما يتماشى مع الشرع على ما هو عليه ، ويؤول ما يمكن تأويله من أقوال الشيخ ابن عربي تأويلاً حسناً إن كان إلى ذلك سبيل ، وإلا فالإنكار أولى إن كان مخالفاً للشرع مخالفة صريحة لا تقبل شكاً ولا جدلاً .

وبين وحدة الوجود والثنائية يتردد أبو الوفا التفتازاني ، فهو في مكان يسلم بوحدة الوجود عند الشيخ ابن عربي ، وفي مكان آخر يفرق بين الوحدة المطلقة التي ذهب إليها ابن سبعين والتي تنفي أي اثنينية ، وبين وحدة الوجود عند الشيخ ابن عربي والتي تفسح في مذهبه مكاناً للقول بوجود الممكنات .

يعد هذا العرض السريع لآراء الباحثين والدارسين وخلافهم حول حقيقة الشيخ ابن عربي وحقيقة موقفه من وحدة الوجود أحد الدوافع الرئيسية التي حثتنا على محاولة تقديم هذه الدراسة . وقبل أن ندخل في تفاصيل نظرية وحدة الوجود عند الشيخ ابن عربي نجد من المفيد أن نقدم نظرة مبسطة لهذه النظرية في الفكر الإنساني بشكل عام ، وعلاقتها بالعقيدة الإسلامية ، ومن ثم نعرض لموقف الشيخ ابن عربي من هذه النظرية والتي تعتبر برأي الكثير من الباحثين النواة الأساسية التي تدور حولها جميع أفكار الشيخ ابن عربي وآراءه في الوجود والمعرفة .






المبحث الثاني

وحدة الوجود وتاريخها

ظهر الميل نحو وحدة الوجود في عموم التفكير البشري وفي مختلف مراحل تطور العقلية من البسيطة الساذجة وحتى الفلسفة الناضجة ولدى مختلف الشعوب والحضارات كالسومرية والمصرية والهندية واليونانية والعربية الإسلامية والأوربية الحديثة
والمعاصرة ([18]) .

فوحدة الوجود كما يرى الدكتور إبراهيم مدكور([19]) ليست وليدة التاريخ المتوسط أو الحديث ، وإنما تصعد إلى الفكر القديم شرقياً كان أو غربياً ، فعرفت لها صور في البراهمة والكونفوشية كما بدت لها مظاهر في الفلسفة الايونية . وأوضح ما تكون لدى الرواقيين والافلوطينيين الذين شاءوا ان يردوا الكون إلى اصل الهي .

وأساسها نزعات دينية لا تسلم إلا بما هو الهي وروحي ، ثم عمقتها نظرات فلسفية وبحوث عقلية تحاول ان توفق بين الواحد والمتعدد ، وان تربط اللانهائي بالنهائي ، والمطلق بالنسبي ، فأضحت باباً من أبواب الفلسفة الإلهية ، وسبيلاً لتصوير عقيدة التوحيد تصويراً عقلياً لا يسلم إلا بوجود واحد([20]) .

وعليه فوحدة الوجود اتجاه فكري يبدو واضحاً في مجال البحث الإلهي أو الميتافيزيقي الذي يتناول العلاقة بين الله والعالم ويقر بأن الحقيقة تتضمن موجوداً واحداً هو الله ، والخلاف يدور حول وجود كل ما سوى الله ، هل وجد من العدم المحض أو هو متضمن في الله أو هو ظل الله أو غيرها من الفروض التي تتنوع على أساسها نظرية وحدة الوجود إلى أنواع ؟ .

وقد أحصى بعض الباحثين لوحدة الوجود ( العلاقة بين الله والعالم ) في المنظور الأوربي ست أشكال لها يمكن تلخيصها بما يلي :

1. وحدة الوجود الهيلوزوستية : إن الله الذي هو العنصر الأساسي للعالم ، مبثوث فيه، محدثاً قوة الحركة ، والتغيير ، لكن يبقى العالم متكثر بتعدد عناصره .

2. وحدة الوجود الشامل : إن الله جزء من العالم ، وهو بالرغم من حلوله فيه ، غير منفصل عنه ، بل ان قدرته تتصل بكليته ، أي بكل شيء فيه .

3. وحدة الوجود الواحدي المطلق : إن الله مطلق ومتوحد في العالم ، والعالم بحكم هذه الحقيقة غير متغير .

4. وحدة الوجود الواحدي النسبي : إن العالم واقع حقيقي ، ومتغير في ذات الله ( كهيئة الله ) إلا ان الله مطلق ولا يتأثر بالعالم .

5. وحدة الوجود النافية للعالم : إن بنية الحقيقة الكلية للعالم هي الله ، والعالم مظهر غير حقيقي في ذاته .

6. وحدة الوجود الموحدة للأضداد : ان الله في علاقته الدائمة بالعالم ، يوصف بتعابير متعارضة شكلياً ، وبالتالي فأن الحقيقة التي ليست موضوعاً للوصف هي حقيقة الله ([21]) .



تعريف وحدة الوجود

حقيقة الأمر .. ليس من السهولة بمكان العثور على تعريف دقيق وشامل لوحدة الوجود، وذلك لكونها نظرية موشحه بالغموض من كل حدب وصوب([22]) فحين تقول مثلاً أنها
( وحدة في كثرة ، وكثرة في وحدة ) فهذا القول وامثاله أقرب إلى الأحاجي الخارجة عن المنطق العقلي . ومع ذلك ، لابد من تعريفها ، أو محاولة الاقتراب من تعريفها .. فماذا قيل فيها ؟ .

· الله والعالم وجهان لحقيقة واحدة

تتلخص وحدة الوجود كما يرى الدكتور أبو العلا عفيفي في أنها نظرية تقول برفع الفرق والتمايز بين الخالق والمخلوق ، أي ان الحق والخلق صورتان لحقيقة واحدة ، فمن جهة هي الإله ومن جهة أخرى هي الخلق .



· الله هو العالم المادي

يقول محمد بن عبد الرسول البرزنجي : إن الوجودية طائفتان : ملاحدة وموحدة ، فالملاحدة يرون « إن الباري تعالى وتقدس ليس موجوداً في الخارج بوجود مستقل ممتاز عن عالمي الأرواح والأجسام بل هو مجموع العالم … فالعالم هو الله والله هو العالم وليس ثمة شيء غير العالم يقال له : الله »([23]) .

والى هذا المعنى ذهبت الموسوعة الفلسفية في تعريف وحدة الوجود من أفقها المادي قائلة : وحدة الوجود « تعاليم فلسفية تذهب إلى أن الله مبدأ لا شخصي ليس خارج الطبيعة ولكنه متوحد معها . ومذهب وحدة الوجود يبث الله في الطبيعة ، ويرفض العنصر الخارق
للطبيعة … »([24]) ، ويقول كرشنا مورثي : « إننا العالم ، وإن العالم نحن »([25]) .



· العالم وهم

يقول الدكتور داود علي الفاضل الفاعوري رئيس قسم العقيدة والدعوة في الجامعة الأردنية : « نظرية وحدة الوجود تعني أنه لا يوجد إلا وجود واحد فقط هو وجود الله ، أما التكثر المشاهد في العالم فهو وهم على التحقيق تحكم به العقول القاصرة العاجزة عن إدراك الوحدة الذاتية للأشياء »([26]) .



· أنواع الوحدة

يقول الدكتور جميل صليبا : « الواحدية عند المحدثين مذهب فلسفي يرد جميع الأشياء إلى مبدأ واحد ، سواء أكان ذلك من ناحية الجوهر ، أم من ناحية القوانين المنطقية ، أو الطبيعية ، أو الأدبية … إن هذا المذهب يرد الكون كله إلى المادة ، أو إلى المثال ، أو إلى الروح …

ومن لواحق هذا المعنى إطلاق الواحدية على مذهب ( أوستوالد ) الذي يرد جميع ظواهر الطبيعة إلى حقيقة جوهرية واحدة ، وهي الطاقة »([27]) .

ويقول الأستاذ نديم مرعشلي : « الواحدية مذهب يرد الكون إلى مبدأ واحد ، كالروح المحض ، أو كالطبيعة المحضة ، فالمادية ترد الوجود إلى المادة وحدها ، بينما الواحدية الروحية ترده إلى الروح الواحدية المثالية »([28]) .

المهم إن هذه النظرية تعني - بشكل أو بأخر - انعدام الفرق بين الله والعالم ، وأنه ما في الوجود إلا الإله . فالله هو الواحد الحق والوجود المطلق ، والظاهر من الأزل في صور كل المخلوقات ، وعلى هذا فالعالم من حيث جوهره قديم قدم الله نفسه ، وخلق العالم في نظر القائلين بهذه النظرية ليس إحداثاً له من العدم بل هو تجلي الحق الدائم في صور الوجود .

وقد ذهب القائلين بهذه النظرية في إثباتها مذاهب شتى ، فمنهم من قال بأن الإله حال في مخلوقاته وهم الوجودية الماديين ، ومنهم من قال بإلغاء العالم نسبة إلى الإله وهم الوجودية اللاهوتيين ، ومنهم من قال بان العالم امتداد للإله ، ومنهم من قال بأنه صورة له ، وغيرها من الآراء ..

ويمكن اختصار القول في وحدة الوجود بأنها تنفي مبدأ الثنائية بين الخالق والمخلوق . وهذه النظرية بهذا المفهوم تناقض تماماً مبدأ الثنائية الذي يتبناه رجال الدين في الإسلام . ففي نظرية الثنائية ، الخالق شيء والمخلق شيء آخر ، لا نسبة ولا تناسب بين الاثنين ، ولهذا ذهب السلف منهم إلى التوقف في الخوض في الآيات التي توحي بتشبيه الإله بصفات خلقه كالآيات التي ذكر فيها إن لله تعالى يداً أو سمعاً أو بصراً أو غيرها ، وكذلك الأحاديث النبوية التي تذكر ضحك الله أو مشيه أو جوعه أو غيرها . بينما ذهب الخلف إلى السير في طريق تأويلها بما يتناسب والتنـزيه المطلق لله تعالى عن خلقه . فمبدأ الأثنينية ينفي أي صلة وجودية أو معرفية بين الحق والخلق ، بمعنى أن الحق منـزه تماماً عن مماثلة خلقه في كل شيء ، والأصح انه على الخلق ان يتشبهوا بصفات خالقهم العظيم ليس إلا .

وبالرغم من الصبغة الفلسفية التي تكتسي هذه النظرية إلا إن العديد من الباحثين يذهبون الى القول أن مذهب وحدة الوجود تحول الآن الى نظرية مثالية عن وجود الله في الله ، وأصبح محاولة للتوفيق بين العلم والدين ، الأمر الذي يعني أن وحدة الوجود اتجاه فلسفي وديني في آن واحد ([29]) .

وعلى هذا تعد نظرية وحدة الوجود عبارة عن نظرة عامة لعموم الفكر البشري بحضاراته المختلفة والممتدة شرقاً وغرباً ، أما الذي يهمنا هنا فهو معرفة وحدة الوجود الصوفية التي احتواها الفكر الإسلامي ، وتحديداً عند الشيخ ابن عربي والبحث فيها .








المبحث الثالث

الشيخ ابن عربي ووحدة الوجود

يذهب العديد من الباحثين – ونحن نتفق معهم - الى القول بأن الشيخ ابن عربي رؤية شاملة كاملة للوجود من أعلى رتبة فيه إلى أدناها ، وقد نثر مفردات هذه الرؤية في مؤلفاته الكثيرة ، وعند محاولة تجميع متفرقات هذه الرؤية نجد من مجموعها بناءً هيكلياً ينتظم الوجود بأسره بمراتبه المختلفة . وبعد تجميع هذا البناء الهيكلي وتحليل علاقته مع بعضه البعض تتضح نوعية الوحدة الوجودية وحقيقتها في عند الشيخ ابن عربي .

يرى الشيخ ابن عربي ان العلاقة بين الخالق والمخلوق لا تقوم على الوحدة الذاتية ، تلك الوحدة التي يقال فيها ان الله هو العالم او ان العالم جسم الله او ما شابه ، كما أنه لا يرى التمايز الحاد بين الخالق والمخلوق أي الفصل التام بينهما كما يذهب الأثنينيون ، بل يرى ان هناك عالما وسيطا بين مرتبة الذات الإلهية الاحدية وبين مرتبة عالم الخلق ، وبذلك فأن الوجود عنده عبارة عن ثلاث مراتب رئيسية ، ليس بينها فصل تام كما انها ليست متحدة مع بعضها البعض اتحاد الذوبان او الاندماج ..

ان الحلقة المفقود بين التوحيد والكفر في قضية وحدة الوجود تكمن في حقيقة ذلك العالم او المرتبة الوسيطة بين الذات والعالم . لهذا يعد مفهوم العالم الوسيط العمود الفقري في هيكلية البناء الوجودي التي تستند عليها رؤية الشيخ ابن عربي في الوجود والمعرفة بأسرهما ، وذلك لانه يرى بان العالم الوسيط هو الحلقة التي تسد ثغرة الثنائيات المتعارضة أو المتناقضة في الفكر الإنساني بشكل عام والفكر الإسلامي بشكل خاص والتجربة الصوفية بشكل أخص.

بحسب رؤية الشيخ ابن عربي فأن المرتبة الوسيطة هي الاجابة لكل الاشكاليات والمعضلات والتعارضات الثنائية التي انقسم على أساسها أهل الكلام والفلاسفة إلى فرق مختلفة .

فهذا الوسيط يمكن أن يحل إشكالية صدور المحدث عن القديم ، دون أن يؤدي ذلك إلى حداثة القديم أو قدم المحدث . وينسحب ذلك على نظرية المعرفة حيث يمثل هذا العالم وسيط الرموز والدلالات الحقية ، و هو المجال الذي يتصل به الخيال الإنساني فيستمد منه معرفته وعلمه . وعلى مستوى النص الديني يمكن لهذا العالم الوسيط ان يحل إشكالية التشبيه والتنـزيه ، الذات والصفات ، الوحدة والكثرة ، المحكم والمتشابه ، الجبر والاختيار ، العدل الإلهي والمشيئة المطلقة ، الخ هذه الثنائيات المتناقضة .

من هذا المنطلق يكتسب هذا الوسيط أهمية على المستوى الوجودي والمعرفي الديني ، إذ انه يتضمن كل التناقضات والثنائيات ويمتص صراعها داخله ، وفي ظل هذا العالم الوسيط تصبح التناقضات مجرد أوهام ، والثنائيات اعتبارات مختلفة لحقيقة واحدة ، وتزول الخلافات داخل اتجاهات الدين الواحد ، وبين الأديان بعضها بالبعض الآخر ، ويصل الشيخ ابن عربي إلى الدين الكلي الشامل دين الحقيقة والحب الذي يسع كل أشكال العبادات وصورها .

فما هي هذه المرتبة الوسيطة ؟ وكيف يمكنها تحقيق كل ذلك ؟

بداية ينبغي توضيح مفهوم المرتبة عند الشيخ ابن عربي لأهميته .

المرتبة الوجودية ومفهومها عند الشيخ ابن عربي

يمكننا توضيح المراد بهذه المفهوم عند الشيخ ابن عربي من خلال المثال الآتي : لو فرضنا جدلا أن واحداً من الجن وقف على بساط من عالمنا الحسي فإنه قطعاً لا يحرقه بالرغم من كونه مخلوق من مارج من نار بحسب القرآن الكريم ، فلماذا ؟

لأن المرتبة الوجودية لعالم الجن تختلف عن المرتبة الوجودية لعالمنا ، إن المرتبة معنى يحدد الشيء خارج حدود الزمان والمكان ، فمن الممكن ان يكون جني الآن في نفس المكان الذي أجلس فيه أنا الآن ، ولا تعارض في هذا لأننا من مرتبتين مختلفتين .

وكذلك يمكن أن تكون مرتبة الجنة والنار والسماوات والعوالم الغيبة الأخرى كلها موجود في مكان واحد دون تداخل أو يؤثر بعضها على البعض الآخر ، وذلك لأن كل منها قائما في بُعد وجودي أو مرتبة وجودية تغاير الأخرى .

وعلى هذا فالمرتبة مفهوم يدل على إمكانية اجتماع عدة عوالم في مكان واحد وزمان واحد دون أن يؤثر أحدهما على الآخر أو يفقد أحدهم من خصائصه الذاتية والوجودية والمعرفية شيء .

قد يكون التحليل العلمي لهذا التداخل في العوالم هو أن هذه العوالم موجودة في فضاءات متوازية بحسب العلماء الذين يتبنون هذه النظرية . ولربما يمكننا أن نعبر عن هذه العوالم بالسماوات ، إذ كل عالم بالنسبة إلى الآخر هو سماء أو بعد وجودي لا يمكنه الوصول إليه إلا بظروف خاصة كالتروحن بالنسبة للمخلوقات الكثيفة أو التجسد بالنسبة إلى المخلوقات اللطيفة أو بواسطة التقدم العلمي والتكنلوجي إن استطاع الوصول إلى صناعة آله تبلغ سرعتها سرعة الضوء أو تزيد وهي الحالة التي قال إينشتاين عنها أنها تمكن الجسم من أن يكون في مكانين أو أكثر في وقت واحد ، وبهذا تخرق أقطار الأرض ، أي الفضاءات الموازية في عالمنا الأرضي ، ولعل هذه الآلة مع بعض التعديل والتطوير تقترب من صفة البراق الذي استطاع النفوذ من كل مراتب الوجود خارج حدود الزمان والمكان . وليس هذا الرأي بدعاً من القول إذ أشار إليه الحق سبحانه وتعالى بقوله : ] يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ [([30]) ، وهو نص يشير إلى إمكانية النفوذ عبر مراتب الوجود في التعبير الصوفي والفضاءات الموازية في التعبير العلمي وأقطار السماوات في التعبير القرآني إن توفرت الظروف المناسبة .



التوازي والتلاقي للمراتب

قد يبدوا أن مراتب الوجود منفصلة تمام الانفصال بعضها عن البعض الآخر لأنها تقع في أبعاد متوازية . والحق أن هذا المفهوم نصف الحقيقة ، والنصف الآخر أن هذه المراتب مترابطة بعضها مع البعض الآخر ومتواصلة بحيث يقوم بعضها بالبعض الآخر ، وقيمومتها ببعضها يمكن تشبيهه بالشكل المخروطي الذي له قاعدة مدورة واحدة ونهاية نقطية واحدة وهو متواصل بعضه مع البعض الآخر ، مع احتفاظ كل عالم أو مرتبة بخصائصه الوجودية بصورة مستقلة ([31]) .

وبعبارة أخرى أن هذه المراتب التي يتكون منها الوجود ذات طبيعة برزخية كالبرزخ الذي ذكره تعالى بين البحران ، فلا هما منفصلان ولا هما متحدان ، وبالنتيجة لا يبغي احدهما على الأخر ، أي الأعلى يبقى أعلى والأدنى يبقى أدنا وكل في مرتبته . بمعنى ان الحالة البرزخية عند الشيخ ابن عربي([32]) تعبر عن الوسيط الجامع للبحرين بذاته الفاصل بينهما بحيث لا يتصل ( يبغي ) أحدهما على الآخر ، أي أنه يحفظ التمايز الحاد والفرق الوجودي بين البحرين ، واللذان يشيران من الناحية التأويلية عند الشيخ ابن عربي إلى بحري الوجود والعدم ([33]) . يقول الشيخ ابن عربي : « فما من متقابلين إلا بينهما برزخ لا يبغيان ، أي لا يوصف أحدهما بوصف الآخر ، الذي به يقع التمييز ... فهو الحال الفاصل بين الوجود والعدم ، فهو لا موجود ولا معدوم ، فإن نسبته إلى الوجود وجدت فيه رائحة لكونه ثابتاً ، وان نسبته إلى العدم صدقت ، لأنه لا وجود له ... ثم إن هذا البرزخ الذي هو الممكن بين الوجود والعدم سبب نسبة الثبوت إليه مع نسبة العدم هو مقابلته للأمرين
بذاته »([34]) .

وعلى هذا يمكن اجمال مراتب الوجود الرئيسية عند الشيخ ابن عربي بثلاثة مراتب هي :

أولاً : مرتبة الذات الإلهية .

ثانياً : مرتبة العالم الوسيط البرزخي ( الوسائط بين الذات والعالم ) .

ثالثاً : مرتبة العالم .

لاحظ اننا قلنا بأن العالم الوسيط هو مجموعة وسائط ، بمعنى انه ليس حالة واحدة بل هو عبارة عن مجموعة من الوسائط المتداخلة المتواصلة التي تربط بين الذات والإلهية والعالم .








العالم الوسيط ومراتبه

يرى الشيخ ابن عربي ان العالم الوسيط يتكون من اربع مراتب برزخية وهي :

أولا : الألوهة

يقول الشيخ ابن عربي : لما تحققنا الألوهة ما وجدنا سوى ما ندعوه بها من الأسماء الحسنى ، فليس للذات من حكم في العالم إلا بهذه الأسماء الإلهية ، ولا يعرف من الحق غير هذه الأسماء الإلهية ([35]) . بمعنى ان الاسماء الإلهية وسيط برزخي بين الذات الإلهية والعالم ، ومعلوم ان اسماءه تعالى تدل صفاته وصفاته قائمة بذاته ، فلا هي هو ولا هي غيره ، ومجموعها يسمى الألوهة القائمة في الذات ، مثالها – ولله المثل الأعلى – مجموع صفات الإنسانية القائمة في ذات الإنسان .

إنها لا توحد بين الذات والعالم وتلغي ثنائيتهما عند الشيخ ابن عربي – كما يزعم أو يفهم بعض باحثي وحدة الوجود– بل الأحرى القول أنها تجمع بينهما ، كما تحفظ لكل منهما استقلاله المتميز في نفس الوقت بالطريقة التي بينها في خصائص وصفات الوسيط البرزخي ، فهي تجعل البحران يلتقيان دون ان يبغي أحدهما على الآخر كما أشار إلى ذلك النص القرآني .

على ان الدكتور نصر حامد أبو زيد يذهب إلى القول بأن الألوهة في فهم الشيخ ابن عربي يمكن أن تساوي العلة الفاعلة عند الفلاسفة مع فارق هام ، وهو ان العلة الفاعلة عند الفلاسفة منفصلة عن المفعول ، ففي مثال النجارة ، إذا كان النجار يمثل العلة الفاعلة ، فإن الكرسي أو المائدة ( نتيجة الفعل ) مفصولة شكلاً ومضموناً عن الفاعل بوجود مستقل متميز ، بينما دور الألوهة كعلة فاعلة مع العالم لا يقوم على هذا الانفصال والتمايز التام ، كما أنه لا يقوم على أساس الاتحاد التام . وأمر آخر يشير إليه الدكتور وهو أن العلة الفاعلة عند الفلاسفة هي علة مادية هيولية ، ومنها تكون العالم ، بينما الألوهة في منظور الشيخ ابن عربي يمكن اعتبارها علة ميتافيزيقية وليست مادية ([36]) .

ثانيا : حقيقة الحقائق الكلية

مرتبة الحقيقة الكلية عند الشيخ ابن عربي هي بذاتها المرتبة الوجودية للألوهة ، والفارق بينهما أن الألوهة تعد قوة فاعلة مؤثرة حاكمة لأنها أصلاً جمعية الأحكام الإلهية ، وأما من حيث الحقيقة الكلية فتلك الأسماء تعد الكينونة الأولى لتلك الأحكام ، وبتعبير الفلاسفة تعد المادة الأولى الهيولانية لتلك الأحكام ، والشيخ ابن عربي نفسه يطلق على حقيقة الحقائق أسماء مثل الهيولي الكل ، المادة الأولى ، جنس الأجناس . يقول الشيخ ابن عربي : هي الهيولي التي أوجد الله العالم من مادتها الموجودات العلويات والسفليات ، فهي الأم الجامعة لجميع الموجودات ، وهي معقولة في الذهن غير موجودة في العين وهو أن تكون لها صورة ذاتية ، لكنها في الموجودات حقيقة من غير تبعيض ولا زيادة ولا نقص ، فوجودها عن بروز أعيان الموجودات قديمها وحديثها ، ولولا أعيان الموجودات ما عقلناها ، ولولاها ما عقلنا حقائق الموجودات ، فوجودها موقوف على وجود الأشخاص ، والعلم بالأشخاص موقوف على العلم بها ([37]) .

إن هذه المرتبة الوجودية المعقولة هي مرتبة هامة ولا تقل عن مرتبة الوجود الحسي الأمر الذي يعطي هذه الوسائط في فكر الشيخ ابن عربي قدراً من الاستقلالية والتمايز يقف عائقاً دون وحدة الوجود بالمعنى الفلسفي التقليدي .

ثالثا : العماء ( الاعيان الثابتة )

ان مفهوم العماء عند الشيخ ابن عربي يمكن ان يتساوى مع العلة الصورية عند الفلاسفة ([38])باعتباره التمثل الأول في صورة غير محدودة ، صورة بالمعنى الروحي إذا صح التعبير ، فالعماء اصل كل الصور في العالم ، أو المادة الهيولية الأولى لكل الصور ، وهو في الوقت نفسه يتضمن كل صور الموجودات الروحية والحسية في العالم . وهنا يكمن نمط البرزخية ، فهو من حيث الإطلاق يمثل الصورة الكل ، ومن حيث التقييد يمثل الصور المقيدة للموجودات .

رابعا : الحقيقة المحمدية

إذا كانت الألوهة – كما أسلفنا – تمثل العلة الفاعلة ، وحقيقة الحقائق تمثل العلة الهيولانية ، والعماء أو الأعيان الثابتة تمثل العلة الصورية ، فإن هذه الحقيقة الأخيرة تمثل العلة الغائية . فما هي هذه الغاية ؟ .

يرى الشيخ حسين البغدادي أن الحقيقة المحمدية هي الحقيقة التي أوجدها الله تعالى من تجلي ذاته لذاته لتكون له U كالمرآة ليشاهد جميع صفاته وكمالاته في ذاته . وهي اصل نوع الإنسان في الحضرة العلمية ، فوجدت حقائق العالم كلها بوجودها إجمالياً ثم أوجدهم فيها تفصيلياً ([39]) ، هذا المعنى يؤكد نظرية الشيخ ابن عربي في غائية إيجاد العالم وهي تتلخص في إظهار سلطان الأسماء الإلهية واحكامها من جانب ، والظهور في صورة غيرية من جانب آخر ، فكما يقول الشيخ ابن عربي « إن رؤية الشيء نفسه بنفسه ما هي مثل رؤيته نفسه في أمر آخر يكون له كالمرآة »([40]) .

فالغاية من ظهور العالم هي إظهار فاعلية الأسماء الإلهية من جهة ، ورؤية الله ذاته في مرآة من جهة أخرى وهو المشار إليه في الحديث : « كنت كنـزاً مخفياً فأحببت أن اعرف فخلقت الخلق فتعرفت إليهم فبي عرفوني ».

على انه يجب ان لا يغفل عن الاختلاف بين مفهوم الغائية عند الفلاسفة وبينه عند الشيخ ابن عربي فالانقسام إلى علة فاعلة وعلة هيولانية وعلة صورية وعلة غائية عند الفلاسفة هو تقسيم واقعي بينما هذا التقسيم عند الشيخ ابن عربي هو تقسيم توضيحي لا يعني كثرة ، إذ كلها مراتب متعددة لحقيقة واحدة هي البرزخ الأعلى أو الخيال المطلق أو برزخ البرازخ الذي يمثل وسيطاً بين الذات الإلهية والعالم من جهة ، وبينها وبين الإنسان من جهة
أخرى ([41]) .

إن الحقيقة المحمدية تتحد بهذه الحقائق وتشترك معها في وظيفتها البرزخية الوجودية والمعرفية على السواء . فتتوحد بالعماء من حيث كونها الموجود الأول الذي اصطفاه الله من في هذا العماء ، فكانت أول العقول ، وقد جعلها الله بسيطة بحيث لا تغفل ولا تنام ولا تنسى، فصارت أحفظ الموجودات واضبطه لما علمه الله من ضروب العلم ([42]) .

بعبارة أوضح : إن هذه الحقيقة كانت في العماء عبارة عن العقل الأول أو الكلي ، وهي أول الأعيان الثابتة ، وهي ذات وظيفة برزخية وجودية ومعرفية بين الله والعالم والإنسان .

وكما توحدت هذه الحقيقة بالعماء ، فإنها تتوحد كذلك بحقائق العلم الإلهي ، أي الحقيقة الكلية ، فالعلوم التي يعرفها العقل الأول بالتجلي الإلهي ويحصيها ويدونها باعتبارها قلماً هي عبارة عن حقائق العلم الإلهي ، لأن علم هذا العقل بنفسه وما هو عليه ، وحقيقة ما هو عليه يتضمن كل الأشياء التي تنبعث عنه في العالم بكل مراتبه إلا حقيقة الألوهة .

فالوجود عند الشيخ ابن عربي أشبه بدائرة مركزها الذات الإلهية ، والعلاقة بين مركز الدائرة ومحيطها لا تقوم على الانفصال ولا على الاتصال ، فالمحيط بطبيعته يطلب المركز ، والمركز يطلب المحيط ([43]) .





الخلاصة



من خلال دراستنا لهذا العالم الوسيط تبين لنا أن فكر الشيخ ابن عربي يقوم على أساس الإيمان بثلاثية الوجود وليس بالثنائية التي يقول بها رجل الدين أو وحدة الوجود التي يقول بها الفلاسفة والمتكلمين ، والتي يتهمه بها الكثيرين .

بعبارة أخرى : وحدة الوجود عند الشيخ ابن عربي ذات طبيعة برزخية تنتضم في حقيقتها لمراتب متداخلة ، وكل مرتبة لا هي غير المراتب الأخرى ولا هي عينها .

احيانا اشبه هذه الرؤية بحرف ( أ ) اذا نظرت له رأيته حرفا واحدا ، ولكن ان تمعنت أكثر وجدته يتكون من حرف ثلاث هي ( أ ل ف ) ، مع الفارق بالتأكيد .

ولهذا يذهب الباحث الى اعتبار إن وحدة الشيخ ابن عربي وحدة ايمانية توحيدية كونها وفقت في ذاتها بين مفهومي ( الوحدة عند الفلاسفة ) وبين ( الثنائية عند رجال الدين )






______________________

أهم المراجع

أولا : القرآن الكريم

ثانيا : المراجع المخطوطة

●شرح مشكلات الفتوحات المكية وفتح الابواب المغلقات من العلوم اللدنية ، الشيخ عبد الكريم الجيلي ، مخطوطة برقم ( 37372) .

● الرسالة الحسينية في كشف حقائق الانسانية، الشيخ حسين البغدادي، مخطوط مكتبة الاوقاف العامة ببغداد ، رقم (19379) .

● البوارق النورية ، الشيخ عبد الحميد التبريزي ، مخطوطة متحف دلهي، الهند ، برقم (1778 DA ) .

●اصطلاحات الصوفية ، القاشاني ، مخطوط برقم ( 3825 ) .

ثالثا : المراجع المطبوعة

● انشاء الدوائر ، ابن عربي ، طبع ليدن ، مطبعة بريل 1336 هـ .

● الفتوحات المكية ، ابن عربي ، دار صادر ، بيروت .

● فصوص الحكم ، الشيخ الاكبر ابن عربي ، بقلم أبو العلا عفيفي ، مكتبة دار الثقافة ، نينوى ، ط2 ، 1989 .

● الكتاب التذكاري (محي الدين بن عربي ) في الذكرى المئوية الثامنة لميلاده، الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر ، أشرف عليه وقدم له: د. إبراهيم بيومي مدكور ، دار الكتاب العربي ، القاهرة ، 1969 .

● كتاب التعريفات ، علي بن محمد الشريف الجرجاني ، مكتبة لبنان ، بيروت ، 1985

● معراج التشوف الى حقائق اهل التصوف ، احمد بن محمد بن عجيبة الحسني ، تصحيح وتعليق محمد بن احمد بن الهاشمي بن عبد الرحمن التلمساني ، مطبعة الاعتدال ، دمشق ، الطبعة الاولى سنة 1355 هـ ، 1937 م .

● المعجم الصوفي ، د . سعاد الحكيم ،ندرة للطباعة والنشر(بيروت)، ط1 ، 14.1 هـ

● فلسفة التأويل ، الدكتور نصر حامد ابو زيد .

● فلسفة وحدة الوجود ، أصولها وفترتها الإسلامية ، نظلة احمد نائل الجبوري .

● وحدة الوجود من الغزالي إلى الشيخ ابن عربي ، محمد الراشد .

● الموسوعة الفلسفية ، وضع لجنة من العلماء ، اشراف روزنتال ، بودين ، ترجمة سمير كرم ، طبعة بيروت ، 1981 .

● روبير لنسن ، التطور النفسي في الألف القادمة ، ترجمة ندرة اليازجي ، ط دمشق ، 1981 .

● المعجم الفلسفي ، الدكتور جورج صلبيا ، ط بيروت .

● معجم مصطلحات الصوفية ، د . عبد المنعم الحفني ، دار المسيرة بيروت، الطبعة الاولى سنة 1400 هـ ،1980 م .

● المعجم الفلسفي، مراد وهبة ويوسف كرم ويوسف شلال ، القاهرة ، 1970






[1] - ومن ذلك ما ذهب إليه عبد الرحمن الوكيل حيث أعتبر ان الرب عند الشيخ ابن عربي ( هو الذي يجمع بين النقيضين فهو الواحد الحق والعدم الصرف وهو الخلاق وهو المخلوق وهو عين كل كائن وصفاته عين صفات كل موجود وكل معدوم ، هو الحق الكريم والباطل اللئيم ، هو الفكرة العبقرية ، والخرافة الحمقاء ، هو المؤمن والكافر … ) ولهذا يخلص إلى القول : ( فالشيخ ابن عربي كما ترى أصرح الدعاة إلى وحدة الوجود ، بل هو كاهنها الأكبر ) أنظر : عبد الرحمن الوكيل – هذه هي الصوفية – ص 30 .


[2] - أهل الكشف والشهود : مصطلح صوفي يراد به « الاطلاع على ما وراء الحجاب من المعاني الغيبية والأمور الحقيقية وجودا وشهودا » ، انظر : الجرجاني – التعريفات – ص 193 .


[3] - ابو العلا عفيفي : ( 1897 -1966)، عالم بالفلسفة الإسلامية ، تخرج في دار العلوم 1921 وأوفد في بعثة علمية إلى إنجلترا حيث حصل على الدكتوراه في الفلسفة من جامعة كمبردج 1930 برسالته عن ( فلسفة الشيخ ابن عربي الصوفية ) تحت اشراف المستشرق البريطاني رينولد نيكسون .


[4] - « الكشف ... هو اطلاع العارف على ما وراء الحجب الغيبية بأنوار التجليات الإلهية » ، الشيخ عبد الحميد التبريزي – مخطوطة البوارق النورية – ورقة 57 أ .


[5] - الذوق والوجدان في الاصطلاح الصوفي : « هو دوام حلاوة الشهود ، واتصاله مع غلبة السكر والدهش » ، الشيخ أحمد بن عجيبة – معراج التشوف إلى حقائق التصوف – ص 34 – 35 .


[6] - كمال الدين القاشاني – اصطلاحات الصوفية – ص 5 .


[7] - البقرة: من الآية282


[8] - أستاذة علم التصوف بكلية الآداب يالجامعة اللبنانية ، من أسرة صوفية .


[9] - الفناء والبقاء بابسط معانيهما الاصطلاحية عند الصوفية : « الفناء : هو سقوط الأوصاف المذمومة ، كما أن البقاء وجود الأوصاف المحمودة » ، تعريفات الجرجاني – ص 176 .


[10] - د . سعاد الحكيم – المعجم الصوفي – ص 1149


[11] - الشيخ ابن عربي – فصوص الحكم – ص 11 .


[12] - د . سعاد الحكيم – المعجم الصوفي – ص 1145 .


[13] - أنظر : الشيخ ابن عربي حياته ومذهبه ص 251 – 252 .


[14] - د. نصر حامد ابو زيد – فلسفة التأويل – ص 21 .


[15] - الشيخ ابن عربي – فصوص الحكم – ج1 ص 25 .


[16] - الكتاب التذكاري لمحي الدين الشيخ ابن عربي – ص 379 – 370 .


[17] - الدكتور نصر حامد أبو زيد : نصر حامد أبو زيد (10 يوليو 1943 - 5 يوليو 2010) أكاديمي مصري، وباحث متخصص في الدراسات الإسلامية ومتخصص في فقه اللغة العربية والعلوم الإنسانية


[18] - نظلة احمد نائل الجبوري – فلسفة وحدة الوجود ، أصولها وفترتها الإسلامية – ص 15 .


[19] - إبراهيم مدكور ( 1902م - 1996م). عالم لغة ومختص بالفلسفة وأستاذ جامعي مصري ومصلح اجتماعي وسياسي. رئيس مجمع اللغة العربية بالقاهرة منذ عام 1974م خلفا لطه حسين .


[20] - الكتاب التذكاري – ص 368 .


[21] - - نظلة احمد نائل الجبوري – فلسفة وحدة الوجود ، أصولها وفترتها الإسلامية – ص 19 .


[22] - محمد الراشد – وحدة الوجود من الغزالي إلى الشيخ ابن عربي – ص 17 .


[23] - الجاذب الغيبي في شرح الجانب الغربي في حل مشكلات الشيخ ابن عربي – نسخة مخطوطة حديثة من مكتبة رياض المالح / دمشق- ق296


[24] - الموسوعة الفلسفية – وضع لجنة من العلماء ، اشراف روزنتال ، بودين – ترجمة سمير كرم – طبعة بيروت – 1981 – ص 580


[25] - روبير لنسن – التطور النفسي في الألف القادمة – ترجمة ندرة اليازجي – ط دمشق – 1981 – ص 23.


[26] - فلسفة التصوف من خلال النشأة والتطور – ص175 .


[27] - د . جورج صلبيا – المعجم الفلسفي – ط بيروت – ج2 ص 584 .


[28] - د . عبد المنعم الخفجي – معجم اصطلاحات الصوفية – ط بيروت – 1980 – ص 263 .


[29] - مراد وهبة ويوسف كرم ويوسف شلال – المعجم الفلسفي – ط2 – القاهرة – 1970 ص 4-5 .


[30]- الرحمن:33


[31] - يطلق الشيخ ابن عربي على الترتيب المخروطي للوجود اسم ( الصور ) وهو نفس الصور الذي ينفخ فيه اسرافيل يوم القيامة ، ويعي الشيخ ابن عربي بهذا الصور ( عالم الصور الروحية والجسمانية ) على السواء ، ويشبهه بالقرن الذي أعلاه ضيق واسفله واسع . أنظر : الشيخ ابن عربي – الفتوحات المكية - ج 1 ص 306 – 307 . د . نصر حامد ابو زيد – فلسفة التأويل – ص 95 .


[32] - حاول الدكتور ابو العلا عفيفي جاهداً ان يرد مفهوم البرزخ إلى تأثير ( فيلون الاسكندري )، حيث رأى أن تأثير هذا المفهوم بارز بوضوح في التشابه في المصطلحات التي يستخدمها كل منهما.

وقد رد الدكتور نصر حامد ابو زيد على هذا الرأي بقوله : إن ابو العلا عفيفي منطلقاً من تصوره الأساسي لفلسفة الشيخ ابن عربي قد وحد بين مصطلحات كثيرة ، واعتبرها اسماء تدل على حقيقة واحدة . ورغم تنبه ابي العلا عفيفي إلى الأصل القرآني الذي يمكن أن يفسر مفهوم الكلمة وكذلك البرزخ عند الشيخ ابن عربي ، فإنه يرجح التأثير اليهودي والمسيحي على التأثير القرآني . والحق أن مصطلح البرزخ له اصله القرآني في فكر الشيخ ابن عربي .

أنظر : الفلسفة الصوفية لالشيخ ابن عربي – ص 90 . وأيضاً : ص 66 هامش 1 .

نظرية الإسلاميين في الكلمة 35 ، 48 ، 55 ، 56 .

فلسفة التأويل – ص 38 –39 .


[33] - د . سعاد الحكيم – المعجم الصوفي – ص 186 .

وانظر : الشيخ ابن عربي – الفتوحات المكية – سفر 1 فقرة 482 .


[34] - الشيخ ابن عربي – الفتوحات المكية – ج3 ص 47 .


[35]- الشيخ ابن عربي - الفتوحات المكية – ج4 – ص 208 .


[36] - نصر حامد ابو زيد – فلسفة التأويل – ص 67 .


[37] - الشيخ ابن عربي – انشاء الدوائر – ص 24 – 26 .


[38] - الشيخ ابن عربي نظرية خاصة في الصورة أسميناها ( نظرية الصورة ) ، أنظر تفاصيلها في الباب الثاني .


[39] - الشيخ حسين البغدادي – مخطوطة الرسالة الحسينية في كشف حقائق الإنسانية – ص22 – 23 (بتصرف) .


[40] - الشيخ ابن عربي – الفتوحات المكية - ج 1 ص 739 ، فصوص الحكم – 48 –49 .


[41] - د. نصر حامد ابو زيد – فلسفة التأويل – ص 94 .


[42] - أنظر : الشيخ ابن عربي – الفتوحات المكية - ج 2ص 422 .


[43] - الشيخ ابن عربي – الفتوحات المكية - ج 1 ص 125 .

الحركة فـي الذكر (التمايل)

  الحركة فـي الذكر (التمايل) أحمد عبد المالك الحركة في الذكر أمر تناوله علماء الإسلام ما بين الإباحة والتحريم والتقييد بشروط وما زال لل...