الاثنين، 15 أبريل 2019

مقام التوبة



بسم الله الرحمن الرحيم

مقام التوبة







الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين....

التوبة: رجوع عما كان مذموماً في الشرع إلى ما هو محمود فيه، وهي مبدأ طريق السالكين ، ومفتاح سعادة المريدين ، وشرط في صحة السير إلى الله تعالى.

قال تعالى : ( وتوبوا إلى الله جميعا أيه المؤمنون لعلكم تفلحون ) [النور:31]

وقال تعالى: (استغفروا ربكم ثم توبوا إليه) [هود:52]

وقال تعالى: ياأيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا) [التحريم:8]

وكان الرسول المعصوم عليه الصلاة والسلام كثيراً ما يجدد التوبة ويكرر الاستغفار تعليماً للأُمة وتشريعاً: عن الأغر بن يسار المُزني رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم)) : يا أيها الناس توبوا إلى الله واستغفروه ، فإني أتوب في اليوم مائة مرة)) (رواه مسلم في صحيحه في كتاب الذكر).

قال الإمام النووي رحمه الله تعالى:( التوبة واجبة من كل ذنب ، فإن كانت المعصية بين العبد وبين الله تعالى لا تتعلق بحق آدمي ، فلها ثلاثة شروط:

أحدها: أن يقلع عن المعصية.

والثاني: أن يندم على فعلها.

والثالث: أن يعزم أن لا يعود إليها أبداً

فإن فقد أحد الثلاثة لم تصح توبته. وإن كانت المعصية تتعلق بآدمي فشروطها أربعة : هذه الثلاثة، وأن يبرأ من حق صاحبها. فإن كانت مالاً أو نحوه رده إليه، وإن كان ] أي حق الآدمي[ حدَّ قذف ٍونحوه مكنه منه أو طلب عفوه،وإن كانت غيبة استحلَّه منها.ويجب أن يتوب من جميع الذنوب) (رياض الصالحين ص10).

ومن شروط التوبة ترك قرناء السوء ، وهجر الصحاب الفسقة الذين يحببون للمرء المعصية ، وينفرونه من الطاعة، ثم الالتحاق بصحبة الصادقين الأخيار ، كي تكون صحبتهم سياجاً يردعه عن العودة إلى المعاصي و المخالفات.

ولنا عبرة بالغة في الحديث الصحيح المشهور الذي روى لنا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم قصة قاتل المائة الذي أرشده أَعْلمُ أهل زمانه إلى أن الله يقبل توبته ، واشترط عليه أن يترك البيئة الفاسدة التي كان لها الأثر الكبير في انحرافه وإجرامه ، ثم أشار عليه أن يذهب إلى بيئة صالحة فيها أُناس مؤمنون صالحون ليحبهم ويهتدي بهداهم.

والصوفي لا ينظر إلى صغر الذنب ، بل ينظر إلى عظمة الرب،إقتداء بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقد كان أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: ( إنكم لتعملون أعمالاً هي أدق في أعينكم من الشعر إن كنا نعدُّها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الموبقات . قال أبو عبد الله : يعني ذلك المهلكات) (رواه البخاري في صحيحه في كتاب الرواق عن أنس رضي الله عنه) .

ولا يقف الصوفي عند التوبة من المعصية ، لأنها في رأيه توبة العوام ، بل يتوب من كل شيء يشغل قلبه عن الله تعالى ، وإلى هذا أشار الصوفي الكبير ذي النون المصري رضي الله عنه لما سئل عن التوبة فقال: ( توبة العوام من الذنوب ، وتوبة الخواص من الغفلة) ( الرسالة القشرية- باب التوبة ص47) .

ويقول عبد الله التميمي رضي الله عنه: ( شتان بين تائب وتائب... فتائب يتوب من الذنوب والسيئات ، وتائب يتوب من الزلل و الغفلات، وتائب يتوب من رؤية الحسنات والطاعات ) ( الرسالة القشرية- باب التوبة ص47) .

واعلم أن الصوفي كلما صحح علمه بالله تعالى ، وكثر عمله دقت توبته؛ فمن طهر قلبه من الآثام والأدناس و أشرقت عليه أنوار الإيناس لم يخْفَ ما يدخل قلبه من خفي الآفات ، وما يعكر صفوه حين يهم بالزلات ، فيتوب عند ذلك حياء من الله الذي يراه.

ويستتبع التوبة الإكثار منه الاستغفار آناء الليل وأطراف النهار ، وهذا يشعر الصوفي بالعبودية الحقة والتقصير في حق مولاه . فهو اعترف منه بالعبودية وإقرار بالربوبية.

يقرأ الصوفي في كتاب الله تعالى (استغفروا ربكم إنه كان غفارا * يرسل السماء عليكم مدرارا* ويمدكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا) [نوح:10-12]

وقوله تعالى: ( إن المتقين في جنات وعيون * آخذين ماآتاهم ربهم إنهم كانوا قبل ذلك محسنين * كانوا قليلا من الليل مايهجعون* وبالأسحار هم يستغفرون ) [الذاريات:15-18]

يقرأ الصوفي هذه الآيات وغيرها ، فيذرف الدمع أسفاً على ما قصر في حياته ، وحسرة على ما فرط في جنب الله . ثم يلتفت إلى عيوبه فيصلحها وإلى تقصيراته فيتداركها وإلى نفسه فيزكيها ، ثم يكثر من فعل الطاعات والحسنات عملاً بقوله عليه الصلاة والسلام : ((وأَتْبِعِ السيئة الحسنةَ تمحها)) .

قال الشيخ أحمد زروق في قواعده :( تعتبر دعوى المدعي نتيجة دعواه، فإن ظهرت ْ صحَّتْ ، و إلا فهو كذاب ، فتوبة لا تتبعها تقوى باطلة ، وتقوى لا تظهر بها استقامة مدخولة ، واستقامة لا ورع فيها غير تامة ، وورع لا ينتج زاهداً قاصر، وزهد لا يشيد توكلاً يابس ، وتوكل لا تظهر ثمراته بالانقطاع إلى الله عن الكل واللَّجَأِ إليه صورة لا حقيقة لها ، فتظهر صحة التوبة عند اعتراض المُحَرَّم،وكمالُ التقوى حيث لا مُطَّلِع إلا الله ، ووجود الاستقامة بالتحفظ على إقامة الورد في غير ابتداع ، ووجودُ الورع في مواطن الاشتباه فإن تَرَك فكذلك، و إلا فليس هنالك)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الحركة فـي الذكر (التمايل)

  الحركة فـي الذكر (التمايل) أحمد عبد المالك الحركة في الذكر أمر تناوله علماء الإسلام ما بين الإباحة والتحريم والتقييد بشروط وما زال لل...