‏إظهار الرسائل ذات التسميات مقالات صوفية. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات مقالات صوفية. إظهار كافة الرسائل

الأحد، 7 أبريل 2019

أهمية التصوف


أهمية التصوف




إن التصوف أضحى اليوم قانونا ضروريا لتحقيق التوازن في الحياة، وطريقة معَبدة للانسجام مع فطرية الوجود وبساطته، ومنهاجا محتما لتسديد القيم والسلوك، وشريعة غضة تستطيع برسالتها أن توجد الحلول الناجعة للمشاكل التي تعاني منها المجتمعات الإنسانية، وترزح تحت وطأتها فئات من المهووسين بحمى الحياة المعاصرة، وتعيش من وراء حجابها فئام من المضطربين والحيارى الذين فقدوا تفسيرا واضحا لحقيقة وجودهم، ومعنى حياتهم.
فالتصوف بهذا الاعتبار والتقدير، سفينة النجاة التي تمخر عباب الأمواج العاتية للحياة المادية الفاقدة للروح والغاية، والمحطة التي تزود الإنسان بطاقة روحية ووجدانية تفيده في تحرير نفسه من سلطان الهوى، وربقة الشهوة، وأغلال النزوة.


لكن هذا الإرث الروحي تعاملت معه أطياف كثيرة بالتعمية والنقض، وطالته ألوان عدة بمعاول الهدم والطمس، وأرسلت إليه سهام طاعنة، وأطلقت عليه حداد الألسنة تسلق أهله بكل تؤبة وشنار، وتجرح محبيه بكل نقيصة وعار، وهذا ما يستلزم من أربابه أن يدافعوا عن بيضته، ويستوجب من معتنقيه أن يحموا ذماره، ويعرفوا بحقيقته، ويجلو مذهبه، و إلا تسممت العقول بالإنكار، وتصحرت النفوس بالجفاء، وهبت على القلوب رياح الاشتباه، وتولت على الباطن موجات الشك والارتياب، واستولت على السلوك أحاسيس المصلحة والاضطراب، وانتفت من الأرواح حب الحياة الروحية، وأثرة الانتساب إلى معاهد الصلاح، ومغاني الأخيار، فيتحول الإنسان المفتون بالعولمة والعصرنة قهرا إلى النظرة العجلى للحياة، والرؤية المسطحة الفاقدة للبراهين والدليل العلمي، وهذا مربط الضرر، وموقع الخطر.
فما هي أهمية التصوف؟؟

أولا: إن التصوف يعد جامعة شعبية تجمع مكونات الثقافة الإسلامية، ومختلف شرائح المجتمع الإسلامي، فالفلاسفة والحكماء، والمتكلمون والإلهيون، والمفسرون، والمحدثون، وأهل الفقاهة، وأرباب الأدب والشعر، وسائر طبقات الناس من العلية إلى السفلة، ومن النجباء إلى البلداء، يستطيع التصوف أن يمدهم بوهج يوقد أنوار الهداية في حياتهم، ويعطي غاية وهدفا حقيقيا لوجودهم.

ثانيا: إن التصوف يمثل الحياة الروحية للديانات السماوية، ويجسد حقيقة التدين الصحيح الذي يحرك الإنسان في دائرة الفعل المسئول، فلا حقد، ولا عداء، ولا حسد، ولا بغضاء، ولا كراهية، ولا إسفاف بحق الألوهية والربوبية، ولا تطاول على حقوق المخلوقين والعباد، فالتصوف هو الموصل للعبد الصادق إلى حضرة علام الغيوب، والمبلغ إلى مالك الملوك، وهو الجسر الذي يعين الإنسان على التعايش السلمي مع أخيه الإنسان، ويسير له أسباب الالتقاء والمقام الأمين.
ثالثا: إن التصوف يُعلِم الإنسان على اختلاف وظيفته في الحياة، ووظيفة في السلم الاجتماعي، كيف يحب غيره، فهو قيثارة الحب، وقانون الود، ومشتل الصفاء، فبالحب تصفوا الأرواح، وتسمو النفوس، وبالحب ستكتب الأمة قيمتها بين الأمم، وتعلوا مكانتها بين الأقوام.

رابعا: إن التصوف يبرُز في خاصيته بمثابة نقطة المحور التي تلتقي في رحابتها جميع المذاهب والمشارب، فالسني إلى جانب الشيعي، والماتريدي إلى جانب الأشعري، والمالكي إلى جانب الشافعي، وهكذا دواليك، فلكل حظ من هذا الإرث الروحي، ونصيب لا ينكر.

خامسا: إن التصوف يقدم للإنسان حلولا عملية تساعده على ترويض نفسه، وتهذيب أخلاقه، وتخليص ذاته من الأنانيات المفرطة، والإنيات النورانية، ويعطي أملا في تهيئة الأنفاس والحواس الباطنية والظاهرة للإقبال على الله عز وجل، والبلوغ إلى غاية استحضار عظمته في ملكه وملكوته، فمن اقتادته الأقدار، وساعدته الألطاف، لا بد أن ينتهي إلى مراده، ويستبين مقصوده، ومن لم تلحظه عناية الله بقي جامدا تقتله فترة البعد والسحق، وتُنقصه من مقاماته ساعات اليأس والحنين. 
فالتصوف يعبر كما يقول بعض الباحثين: عن شوق الروح إلى التطهر، ورغبتها في الاستعلاء على قيود المادة وكثافتها، وسعيها الدائم إلى تحقيق مستويات عليا من الصفاء الروحي، والكمال الأخلاقي. 

سادسا: إن التصوف يدفع عن المسلم غلواء الحياة، وفحيح الحضارة، وضغطة المادة، فنحن كما يقول سعيد حوى في كتابه تربيتنا الروحية، في عصر مادي، وهذا يقتضي منا أن نقابله بفكر مكافئ، وبحيوية روحية عالية، ونحن في عصر شهواني، وهذا يقتضي منا أن نقابله بأشواق روحية راقية مع تأمين الشهوات المباحة وإبقاء منافذها مفتوحة. والمتتبع لمسار المدنية المعاصرة يلحظ ابتعادها عن محور الوجود، وغفلتها عن المعاني الخالدة، والجوانب الملكوتية في النفس البشرية، ويلمس إيلاءها الرعاية القصوى، والأهمية الكبرى للجانب الحيواني في الإنسان، فالربح واكتناز الثروة، والرفاه المادي، والغنم السريع، صار مع التحولات الاقتصادية غاية الآملين للحياة الوديعة، ومنتهى غايات المحمومين بسعار الحضارة، وهذا ما أنتج كما يقول القرضاوي في كتابه الإيمان والحياة شعورين مختلفين، أولا: شعور الإنسان بالتفاهة والضياع، ونظرته إلى نفسه نظرة حيوانية بحتة، ثانيا: شعور الغرور والكبر، ذلك الشعور الذي ينتهي بالإنسان إلى تأليه نفسه حتى يسقط وجود الإله الحق من اعتباره، ويتصرف كإله لا يسأل عما يفعل، كما زعم جوليان هسكلي حين قال: "إن الإنسان في العالم الحديث أصبح هو الله المنشئ المريد".
إن الفراغ الروحي، والعطش النفسي، والاضطراب الذي يواجهه الغربيون وأزلامهم من أبناء جلدتنا، لا يمكن القضاء عليه إلا بالإجهاز على مسبباته، والقضاء على موجداته، ولا مسلك يؤدي حتما إلى اقتلاع هذا الهوس من قلوب وعقول وأرواح كثير من شباب اليوم إلا بإحياء القيم الروحية، وتعبئة المتدينين للأخذ بما يضمن سلامة أرواحهم من عواصف فتنِ ومغريات الحياة، ويؤمن للمجتمع استقراره وهدوءه وطمأنينته، ويمد الحياة في مشكلاتها بحلول ناجعة، فالعصر الذي نعيش فيه كما يقول سعيد حوى في تربيتنا الروحية( ص12):" عصر الشهوة، وعصر النزوة، وعصر المادية، ولا بد أن تقابل هذه الأشياء فيه بما يكافئها ويقابلها، وإن التربية الصوفية وحدها هي التي تقابل ذلك، فالشهوة لا تحل مشكلتها المقال وحده، بل لا بد من الشعور والذوق والإحساسات الإيمانية مع المقال، والتمرد لا يعالج بالكلمة وحده، بل يعالج بالإخبات لله والتقوى والورع والأدب، وهذه طريقها العملي هو التصوف" فالتصوف كما يقول بعض الباحثين: يغطي زوايا حساسة ومهمة في حياة الأفراد، ويلبي الخَوَاء الروحي والنفسي الذي يعيشه الغربي في حياة الفكرية وحضارته المادية.

سابعا: إن التصوف يفسر الوجود، ويكشف الحقائق الكبرى للكون، عن طريق ذوقي بدون وسائط، وقد احتار الناس قديما في هذه الحقائق، دون أن يجدوا لها مدلولا إلا داخل التجربة الصوفية التي تعبر عن نظرية معرفية ذوقية مستوحاة من القرآن.

ثامنا: إن التصوف يعلم الإنسان كيف يستشعر مسؤوليته في موقعه من الحياة، ويحفزه لتنمية جوانبه المرتبطة بكون الروح الذي أودعه الله بجسده، ويهيئه لتعميق تجربة الإيمان ذوقا ووجدانا بعد أن كانت أنظارا فلسفية لا تفيده في قيام علاقة فيما بينه وبين نفسه وكونه وعالمه العلوي والسفلي، فينتقل الإنسان بواسطة التصوف إلى إنسان مسدد مقوم يتحرك في فلك الحياة بقابلية الخير والرشاد، ويسعى في مجال العبادة بنية خلوصة تدفع عنه الريب والشكوك، وتمنعه من حضور الأغيار في ممارساته العبادية. 

تاسعا:إن التصوف بعد من أبعاد التجربة الدينية، ما دامت التوجيهات الدينية مرتبطة بالجانب العقدي والأخلاقي، فالتصوف فقرة أخيرة من فقرات السير الذي ينتقل فيه المتدين من الإسلام شعيرة، إلى الإيمان عقيدة، إلى الإحسان سلوكا، فالتصوف عبارة عن التخلية عن الأخلاق الأرضية، والتحلية بالأخلاق الملكوتية، والتدثر بالصفات الإلهية، 

عاشرا: إن التصوف يعلم الإنسان كيف يحتفظ على أعمال الظاهر والباطن، وكيف يرسم الطريق الموصل إلى تحقيق ذلك، فالظاهر يجسد جوهر العمل بإحدى الجوارح والكواسب، والباطن يمثل الحقيقة الدافعة إلى العمل، والغاية المقصودة منه، فإذا فسد الباطن تحولت العبادة إلى فراغ لا ترجى منه فائدة ولا عائدة، وإذا صلح أثرت في سير الإنسان، وجعلت عبادته مقبولة تؤثر على الإنسان في مسار حياته وسلوكه، يقول السيوطي: (وأما علم القلب ومعرفة أمراضه من الحسد والعجب والرياء ونحوها، فقال الغزالي: إنها فرض عين) ["الأشباه والنظائر" للسيوطي ص504]، فتطهير الباطن يؤثر في سداد الظاهر، والنصوص متواترة في شأن ذلك، قرآنا وحديثا. يقول ابن عابدين في حاشيته الشهيرة: (إن علمَ الإخلاص والعجب والحسد والرياء فرضُ عين، ومثلها غيرها من آفات النفوس، كالكبر والشح والحقد والغش والغضب والعداوة والبغضاء والطمع والبخل والبطر والخيلاء والخيانة والمداهنة، والاستكبار عن الحق والمكر والمخادعة والقسوة وطول الأمل، ونحوها مما هو مبين في ربع المهلكات من "الإحياء". قال فيه: ولا ينفك عنها بشر، فيلزمه أن يتعلم منها ما يرى نفسه محتاجاً إليه.

وإزالتها فرض عين، ولا يمكن إلا بمعرفة حدودها وأسبابها وعلاماتها وعلاجها، فإن من لا يعرف الشر يقع فيه) ["حاشية ابن عابدين" المسماة رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار، ج1/ص31]. فالتصوف هو الذي اختص بتبيان معرفة أدواء الأرواح، ووسائل علاجها، وطرق المحافظة على سلامتها.

إحدى عشر:إن التصوف يحقق للإنسان فردانيته التي تجعله مسئولا عن أفعاله واختياراته، فلا يعيش تحت تأثير أو مجريات أخرى تجعله مسلوب الإرادة، فاقد الحركة، فهو من الله وإلى الله، وغايته أن يفنى في الله عز وجل حضورا وفقدا، ووجودا وعدما، والتصوف في خدمة الإنسان حتى تكتمل دوراته وقراراته، وتنتهي حياته دون خنوع إلا للجمال الإلهي، يقول ابن عربي::" فلا يزال العالم محفوظاً ما دام فيه هذا الإنسان الكامل " ( فصوص الحكم )

إثنا عشر: إن التصوف يقرب صورة المعتقد والعبادة على أنها بسيطة غير معقدة، بخلاف المماحكاة المنطقية التي شغلت المتكلمين والفلاسفة ردحا من الزمان.
...
المصدر : موقع الحوار المتمدن

الجمعة، 5 أبريل 2019

الكرامة عند الصوفية

الكرامة عند الصوفية




ذ. طارق العلمي
من المظاهر التي يتميز بها التصوف الجنيدي هو عدم الالتفات إلى الكرامات، واعتبارها من أسباب الاستدراج التي قد تعود على السالك  بالتوقف في سيره إذا ما تعلق  بها واستكان إليها.
   فكان رجال التربية لا يُظهِرون الكرامات إلا حينما تدعو الحاجة إلى ذلك، أي أن يكون في إظهارها فائدة تربوية، من شأنها أن ترفع مواطن الشك التي قد تعتري المُتشكِّك في أمر التصوف، أو في أحد مبادئه الأساسية، وإلا فإن الظهور بوجه عادي يبقى هو ديدن أهل الولاية في غالب أحوالهم.
ومما يُظهِر هذا المعنى التربوي للكرامات، ما رواه الإمام الجنيد عن أبي حفص النيسابوري حينما عارضه هذا الأخير أحد تلامذته، بكونه لا تظهر على يديه أية كرامة، بخلاف من كان قبله الذين أُيِّدوا بهذه الخوارق، فكان من أمر الشيخ أبي حفص النيسابوري "أن عمد إلى كور عظيم محميٍّ، فيه حديدة عظيمة، فأدخل يده في الكورفأخذ الحديدة المحمّاة، فبردت في يده، فقال له: يجزيك هذا. فسئل بعضهم عن معنى إظهار ذلك من نفسه، فقال الجنيد: كان مُشرفاً على حاله، فخشي على حاله أن يتغير عليه إن لم يُظهر ذلك له، فخصّه بذلك شفقة عليه، وصيانة لحاله، وزيادة لإيمانه".[1]
فيظهر أن لجوء الشيخ إلى إظهار الكرامة لم يكن عن رغبة ذاتية، ولانزعة نفسية، وإنما دعا إلى ذلك أمر توجيهي، يتمثل في زرع الثقة التي ينبغي أن تسود بين المريد وشيخه، وهي الأساس في سلوك طريق القوم.
ولقد استثمر صوفية المغرب هذا المبدأ، حيث أدخلوا الكرامات في باب الرخص، فلا ينبغي إظهار شيء منها، إلا حينما يُضطر إلى ذلك، حيث يقول الإمام الشاطبي بعد ما ذكر مذهب القوم من عدم التفاتهم إلى لكرامات بقوله: " وهذا كله يدلك على ما تقدم من كونها في حكم الرخصة، لا في حكم العزيمة".[2] 
   ويضيف قائلا: " بل كان منهم من استعاذ منها ومن طلبها، والتشوف إليها، كما يُحكى عن أبي يزيد البسطامي. ومنهم من استوت عنده مع غيرها من العادات، من حيث شاهد خروج الجميع من تحت يد المنّة، وواردة من جهة مجرد الإنعام. فالعادة في نظر هؤلاء خوارق للعادات. فكيف يتشوف إلى خارقة ؟ ومن بين يديه ومن خلفه، ومن فوقه، ومن تحته مثلُها. مع أن ما لديه منها أتم في تحقيق العبودية كما مرّ في الشواهد. وعدُّوا من ركن إليها مستدرجاً، من حيث كانت ابتلاءً لا من جهة كونها آية أونعمة".[3]
وذلك أن الراسخين في مقامات القرب، قد تجردوا عن حظوظهم، فليس لهم قصد إلا طلب وجه الله تعالى، لذلك كان "للولي أن يقصد إظهار الكرامة الخارقة لمعنى شرعي مبرإ من طلبه لحظ نفسه ... وعلى هذا المعنى ظهرت كرامات الأولياء الراقين عن الأحوال، حسبما دلّ عليه الاستقراء".[4]
 ومن ثمة فإن التوجه العام الذي اتخذه صوفية المغرب، أنهم عملوا على الظهور بمظهر لا يخرج عما يألفه الجمهور، وذلك نابع من خصوصية المسلك الجنيدي، الذي يعتبر مجال الكرامة من المسائل التي لا ينبني عليها ادعاء الرسوخ في المعرفة الربانية، بل يمكن أن يظهر الله تعالى الكرامة على من لم يستقم حاله، فيكون ذلك امتحانا له ولغيره، لذلك اعتبر الراسخون من الصوفية، بأن أعظم كرامة أن يكون العبد على استقامة.
  فالتصوف المغربي يعطي لجانب السلوك أهمية كبرى باعتباره قوام الرقي في مدارج الكمال المحمدي، ولا يمكن ادعاء الوصول إلى مقامات القرب إلا بانغماس المريد بالعمل على جهة التعبد، رغم ما يحصل لديه من معان ذوقية وفتوحات وهبية، التي ينبغي يتعامل معها السالك بحكمة وفق الآداب التي حددها أهل الرسوخ المعرفي.
وبالنظر إلى المصادر التي أرّخت للمئات من رجالاتِ التصوف بالمغرب منذ بدايةِ القرن الخامس الهجري وما بعده، نجدها تنحو وتؤكد هذا المسلك الجنيدي الذي اتخذه أهل الولاية بالمغرب،منها: 
- كتاب: "المستفاد في مناقب العباد بفاس وما يليها من البلاد"، للتميمي (ألّفه قبل عام 572 هـ)، وهو في التعريف بصلحاء فاس.
- كتاب: "التشوف إلى رجال التصوف"، لابن الزيات (ألّفه عام 617 هـ)، وهو في التعريف بصلحاء الجنوب خصوصا مراكش وأغمات وما جاورهما.
- كتاب: "المقصد الشريف والمنزع اللطيف في التعريف بصلحاء الريف"، للبادسي، وقد أرَّخ فيه لرجالات التصوف بالريف من الفترة الممتدة ما بين منتصف القرن السادس الهجري إلى أوائل الثامن الهجري.
- كتاب: "دوحة الناشر بمحاسن من كان بالمغرب من مشايخ القرن العاشر"، لابن عسكر الشفشاوني.
-  كتاب: "نشر المثاني لأهل القرن الحادي عشر والثاني"، لمحمد بن الطيب القادري.
- وكتب الأسانيدِ، مثل: "تحفة أهل الصديقية بأسانيد الطريقة الجزولية الشاذلية"، و"الترجمان المعرب عن أشهر فروع الشاذلية بالمغرب"، لعبد الحفيظ الفاسي، و"ممتع الأسماع في الجزولي والتباع وما لهما من الأتباع"، و "المعزى في مناقب أبي يعزى"، لأحمد التادليالصومعي، و"أخبار أبي العباس السبتي"، لابن الزيات التادلي، و"المنهاج الواضح في تحقيق كرامات أبي محمد صالح"، لأبي العباس الماجري، و "مرآة المحاسن من أخبار الشيخ أبي المحاسن"، لمحمد العربي الفاسي...
فالناظر في هذه المؤلفات وفي كثرتها يُدرك من جهة،المغرب كان وما يزال بلد التصوف والأولياء بامتياز، كما يدرك من خلالها ما ميّز ويُميِّز هؤلاء الأعلام ذوي المنحى الأخلاقي والذوق الإسلامي الصادق بعيدا عن الشطحات الإشراقية والحقائق المبهمة؛ فمن ذلك: ما صرّح به ابن الزيات في أوائل القرن السابع الهجري (617 هـ) في مقدمة كتابه، أنه جرّده من "الحقائق"، وأنه خبر رجالات الصلاح والولاية في عصره، ومن قبلهم، وأكد تمسكهم "بالسنة والجماعة، وطهارتهم من البدع والإحداث في الدين، والاقتفاء لآثار من مضى من السلف الصالح..".[5]
   وعليه فإن الكرامة عند الصوفية لا تعبر بالضرورة على منزلة في العرفان الصوفي، بقدر ما يمكن أن تكون تحفيزا للمريد على السير، كما يمكن أن تكون استدراجا له، وفتنة عليه إن هو سكن إليها، ولذلك كان الصوفية يحذرون السالكين من هذه الخوارق حتى لا يخرج على المنهج المطلوب، والمقصد المنشود، فكان أعظم كرامة يمكن أن يتشوف إليها المريد هو طلب الاستقامة.
هوامش

[1]  سعاد الحكيم : تاج العارفين، ص: 196. 
[2] الشاطبي : الموافقات،1/268.
[3] الشاطبي: الموافقات 1/267.
[4] نفس المصدر: 1/264.
[5] ابن الزيات: التشوف، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، ص: 14.

الاثنين، 1 أبريل 2019

طبقات الأولياء ومراتبهم وأصنافهم



طبقات الأولياء ومراتبهم وأصنافهم



ذكر الشيخ الأكبر سيدي محيي الدين بن العربي مراتب الأولياء وطبقاتهم على اختلاف أحوالهم في الباب الثالث والسبعين من الفتوحات المكية،وأطال في ذلك وقد رأيت الإمام المناوي في مقدمة طبقاته الصغرى اختصر ذلك من الفتوحات ولكنه لم يتقيد بعباراتها بل تصرف فيها، وترك فوائد كثيرة مهمة، فأردت أن أختصر ذلك هنا منها وأحافظ على عبارات سيدي محيي الدين وأنقل كثيراً من الفوائد التي تركها المناوي رحمه الله.
قال اعلم أن رجال الله في هذه الطريقة هم المسمون بعالم الأنفاس. وهو اسم يعم جميعهم، وهم على طبقات كثيرة، وأحوال مختلفة، ومنهم من تجمع له الحالات كلها والطبقات،ومنهم من يحصل له من ذلك ما شاء الله، وما من طبقة إلا لها لقب خاص من أهل الأحوال والمقامات، ومنهم من يحصره عدد من كل زمان، ومنهم من لا عدد له لازم فيقلون ويكثرون.ولنذكر منهم أهل الأعداد ومن لا عدد له بألقابهم إن شاء الله تعالى.

القسم الأول
في ذكر أصحاب مراتب الولاية الذين يحصرهم عدد
(فمنهم رضي الله عنهم: الأقطاب) وهم الجامعون للأحوال والمقامات بالأصالة أو بالنيابة، وقد يتوسعون في هذا الإطلاق فيسمون قطبا كل من دار عليه مقام ما من المقامات وانفرد به في زمانه على أبناء جنسه. وقد يسمى رجل البلد قطب ذلك البلد، وشيخ الجماعة قطب تلك الجماعة، ولكنَّ الأقطاب الْمُصطَلَحَ عَلَى أن يكون لهم هذا الاسم مطلقاً من غير اضافة لا يكون منهم في الزمان إلا واحد وهو الغوث أيضاً وهو من المقربين وهو سيد الجماعة في زمانه، ومنهم من يكون ظاهرَ الحكمِ ويحوز الخلافة الظاهرة كما حاز الخلافة الباطنة من جهة المقام، كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي والحسن ومعاوية بن يزيد وعمر بن عبد العزيز والمتوكل، منهم من حاز الخلافة الباطنة خاصة ولا حكم له في الظاهر كأحمد بن هارون الرشيد الستي وكأبي يزيد البسطامي،وأكثر الأقطاب لا حكم لهم في الظاهر.

( ومنهم رضي الله عنهم: الأئمة)
لا يزيدون في كل زمان على اثنين لا ثالث لهما. الواحد عبد الرب، والآخر عبد الملك، والقطب عبد الله ولو كانت أسماؤهم ما كانت، وهما اللذان يخلفان القطب إذا مات، وهما له بمنزلة الوزيرين، الواحد منهم مقصور على مشاهدة عالم الملكوت والآخر على عالم الملك.
(ومنهم رضي الله عنهم: الأوتاد)
وهم الأربعة في كل زمان لا يزيدون ولا ينقصون. رأينا شخصاً منهم بمدينة فاس يقال له ابن جعدون كان ينخل الحناء بالأجرة. الواحد منهم يحفظ الله به المشرق وولايته فيه، والآخر المغرب، والآخر الجنوب والآخر الشمال والتقسيم من الكعبة، وقد يكون منهم النساء، وكذلك غيرهم،وألقابهم عبدالحي، وعبد العليم، وعبد القادر، وعبد المريد.

(ومنهم رضي الله عنهم: الأبدال)
وهم سبعة، لا يزيدون ولا ينقصون، يحفظ الله بهم الأقاليم السبعة، لكل بدل منهم إقليم فيه ولاية،الواحد منهم على قدم الخليل وله الاقليم الأول،والثاني على قدم الكليم، والثالث على قدم هارون،والرابع على قدم إدريس،والخامس على قدم يوسف، والسادس على قدم عيسى،والسابع على قدم آدم على الكل الصلاة والسلام.وسموا أبدالاً لكونهم إذا فارقوا موضعاً ويريدون أن يخلفوا به بدلاً منهم في ذلك الموضع لأمر يرون فيه مصلحة وقربة يتركون به شخصاً على صورتهم، لا يشك أحداً ممن أدرك رؤية ذلك الشخص أنه عين ذلك الرجل، وليس هو بل هو شخص روحاني يتركه بدله بالقصد على علم منه، فكل من له هذه القوة فهو البدل، ومن يقيم الله عنه بدلاُ في موضع ما ولا علم له بذلك فليس من الأبدال المذكورين. وقد يتفق ذلك كثيراً عايناه ورأيناه، ورأينا هؤلاء السبعة الأبدال بمكة، لقيناهم خلف حطيم الحنابلة، وهنالك اجتمعنا بهم فما رأيت أحداً أحسن سمتاً منهم، وكنا قد رأينا منهم موسى البيدراني بأشبيلية سنة 586. وصل إلينا بالقصد واجتمع بنا، ورأينا منهم شيخ الجبال محمد بن أشرف الرندية ولقي منهم صاحبنا عبد المجيد بن سلمة شخصاً اسمه معاذ بن أشرص كان من كبارهم، وبلغني سلامه علينا، سأله عبد المجبد هذا عن الأبدال بماذا كانت لهم هذه المنزلة؟ فقال بالأربعة التي ذكرها أبو طالب المكي، يعني: الجوع والسهر والصمت والعزلة.
(ومنهم رضي الله عنهم: النقباء)
وهم اثنا عشر نقيباً في كل مكان وزمان لا يزيدون ولا ينقصون على عدد بروج الفلك الاثني عشر برجاً، كل نقيب عالم بخاصية برج. واعلم أن الله تعالى قد جعل بأيدي هؤلاء النقباء علوم الشرائع المنزلة ولهم استخراج خبايا النفوس وغوائلها ومعرفة مكرها وخداعها. وأما ابليس فمكشوف عندهم يعرفون منه ما لا يعرفه من نفسه.وهم من العلم بحيث إذا رأى أحدهم أثر وطأة شخص في الأرض علم أنها وطأة سعيد أو شقي. مثل العلماء بالآثار والقيافة، وبالديار المصرية منهم كثير يخرجون الأثر في الصخور وإذا رأوا شخصاً يقولون هذا الشخص هو صاحب ذلك الأثر ويكون كذلك.وليسوا بأولياء لله تعالى فما ظنك بما يعطيه الله لهؤلاء النقباء من علوم الآثار.

(ومنهم رضي الله عنهم: النجباء)
وهم ثمانية في كل زمان، لا يزيدون ولا ينقصون وهم الذين تبدو منهم وعليهم أعلام القبول من أحوالهم وإن لم يكن لهم في ذلك اختيار لكن الحال يغلب عليهم ولا يعرف ذلك منهم إلا هو فوقهم لا من هو دونهم.

(ومنهم رضي الله عنهم:الحواريون)
وهو واحد في كل زمان فيه اثنان (فإذا مات ذلك الواحد أقيم غيره) وكان في زمن رسول الله ، الزبير بن العوام هو كان صاحب هذا المقام، مع كثرة أنصار الدين بالسيف والحواري من جمع في نصرة الدين بين السيف والحجة، فأعطي العلم والعبادة والحجة وأعطي السيف والشجاعة والإقدام، ومقامه التحري في إقامة الحجة على صحة الدين المشروع.

(ومنهم رضي الله عنهم: الرجبيون)
وهم أربعون نَفْساً في كل زمان لا يزيدون ولا ينقصون، وهم رجال حالهم القيام بعظمة الله وهم من الأفراد وسموا رجبيين لأن حال هذا المقام لا يكون لهم إلا في شهر رجب من أول استهلال هلاله إلى يوم انفصاله، ثم يفقدون ذلك الحال من أنفسهم فلا يجدونه إلى دخول رجب من السنة الآتية، وقليل من يعرفهم من أهل هذا الطريق، وهم متفرقون في البلاد، ويعرف بعضهم بعضا، منهم من يكون باليمن والشام وبديار بكر. قال سيدي محيي الدين: لقيت واحدا منهم بدنسير من ديار بكر ما رأيت منهم غيره، وكنت بالأشواق إلى رؤيتهم. ومنهم من يبقي عليه في سائر السنة أمرٌ ما مِمَّا كان يكاشف به في حاله في رجب. ومنهم من لا يبقى عليه شئ من ذلك

وهؤلاء الرجبيون أول يوم يكون في رجب يجدون كأنما أُطْبِقَتْ عليهم السماء فيجدون من الثقل بحيث لا يقدرون على أن يَطْرفُوَا ولا تتحرك فيهم جارحة، ويضطجعون فلا يقدرون على حركة أَصلا، ولا قيام ولا قعود ولا حركة يد ولا رجل ولاجفن عين، يبقى ذلك عليهم أول يوم، ثم يخف في ثاني يوم قليلا، وفي ثالث يوم أقل وتقع لهم الكشوفات والتجليات والاطلاع على المغيبات، ولا يزال مضطجعا مسجى ثم يتكلم بعد الثلاث أو اليومين، فيتكلم معه ويقول ويقال له إلى أن يكمل الشهر، فإذا فرغ الشهر ودخل شعبان قام كأنما نشط من عقال، فإن كان صاحب صناعة أو تجارة اشتغل بشغله وسلب عنه جميع حاله كله إلا من يشاء الله أن يبقى عليه من ذلك شيئا - هذا حالهم وهو حال غريب، مجهول السبب والذي اجتمعت به منهم كان في شهر رجب وكان في هذه الحال.
(ومنهم رضي الله عنهم: الختم)
وهو واحد لا في كل زمان بل هو واحد في العالم يختم الله به الولاية المحمدية فلا يكون في الأولياء المحمديين أكبر منه.

وثم ختم آخر يختم الله به الولاية العامة من آدم إلى آخر ولي وهو عيسى عليه السلام هو ختم الأولياء، كما كان ختم دورة الفلك فله يوم القيامة حشران يحشر في أمة محمد ويحشر رسولاً مع الرسل عليهم السلام.

(ومنهم رضي الله عنهم: ثلثمائة نفس على قلب آدم عليه السلام) في كل زمان لا يزيدون ولا ينقصون، واعلم أن معنى قول النبي في حق هؤلاء: الثلثمائة (أنهم على قلب آدم) وكذلك قوله في غير هؤلاء. ممن هو على قلب شخص من أكابر البشر أو الملائكة، إنما معناه أنهم يتقلبون في المعارف الإلهية تقلب ذلك الشخص إذا كانت واردات العلوم الإلهية إنما تَرِدُ على القلوب، فكل علم يَرِدُ على قلب ذلك الكبير من ملك أو رسول فإنه يَرِدُ على هذه القلوب التي هي على قلبه، وربما يقول بعضهم فلان على قدم فلان، وهو بهذا المعنى نفسه،وقد أخبر رسول الله عن هؤلاء الثلثمائة أنهم على قلب آدم.

قال سيدي محيي الدين:وما ذكر رسول الله أنهم ثلاثمائة في أمته فقط، أو هم في كل زمان وما علمنا أنهم في كل زمان إلا من طريق الكشف، وأن الزمان لا يخلو عن هذا العدد ولكل واحد من هؤلاء الثلثمائة من الأخلاق الإلهية ثلثمائة خلق إلهي، من تخلق بواحد منها حصلت له السعادة وهؤلاء هم المجتبون المصطفون ويستحبون من الدعاء ما ذكره الحق سبحانه في كتابه {ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين}.

(ومنهم رضى الله عنهم: أربعون شخصاً على قلب نوح عليه السلام)
في كل زمان لا يزيدون ولا ينقصون، هكذا ورد الخبر عن رسول الله في هذه الطبقة، أن في أمته أربعين على قلب نوح عليه السلام وهو أول الرسل والرجال الذين هم على قلبه صفتهم القبض ودعاؤهم دعاء نوح: {رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمناً وللمؤمنين والمؤمنات، ولا تزد الظالمين إلا تبارا} ومقام هؤلاء الرجال مقام الغيرة الدينية وهو مقام صعب المرتقى، وكل ما تفرق في هؤلاء الأربعين اجتمع في نوح، كما أنه كل ما تفرق في الثلثمائة اجتمع في آدم وعلى معارج هؤلاء الأربعين عملت الطائفة الأربعينيات في خلواتهم لم يزيدوا على ذلك شيئاً وهي خلوات الفتح عندهم،ويحتجون على ذلك بالخبر المروي عن رسول الله : « من أخلص لله أربعين يوماً ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه »
(ومنهم رضى الله عنهم: سبعة على قلب الخليل عليه السلام)
لا يزيدون ولا ينقصون في كل زمان، ورد به الخبر المروي عن رسول الله ودعاؤهم دعاء الخليل: { رب هب لي حكماً وألحقني بالصالحين} ومقامهم مقام السلامة من جميع الريب والشكوك، وقد نزع الله عنهم الغل من صدورهم في هذه الدنيا وسلم الناس من سوء ظنهم ، إذ ليس لهم سوء الظن، بل ما لهم ظن، فإنهم أهل علم صحيح فإنما الظن يقع ممن لا علم له فيما لا علم له به بضرب من الترجيح، فلا يعلمون من الناس إلا ما هم عليه الناس من الخير، وقد أسبل الله بينهم وبين الشرور التي هم عليها ـ الناس ـ حجبا. قال سيدي محيي الدين: وقد لقيتهم يوماً وما رأيت أحسن سمتاً منهم علماً وحلماً: (إخوان صدق على سرر متقابلين) وقد عجلت لهم جناتهم المعنوية الروحانية في قلوبهم.

(ومنهم رضى الله عنهم: خمسة على قلب جبريل عليه السلام)
لا يزيدون ولا ينقصون في كل زمان ورد بذلك الخبر المروي عن النبي « هم ملوك أهل هذه الطريقة » لهم من العلوم على عدد ما لجبريل من القوى المعبر عنها بالأجنحة التي بها يصعد وينزل ولا يجاوز علم هؤلاء الخمسة علم جبريل وهو الممد لهم من الغيب ومعه يقفون يوم القيامة في الحشر.

(ومنهم رضى الله عنهم: ثلاثة على قلب ميكائيل عليه السلام)
لا يزيدون ولا ينقصون في كل زمان لهم الخير المحض والرحمة والحنان والعطف والغالب على هؤلاء الثلاثة البسط والتبسم ولين الجانب والشفقة المفرطة ومشاهدة ما يوجب الشفقة ولهم من العلوم على قدرما لميكائيل من قوى.

(ومنهم رضى الله عنهم: واحد على قلب اسرافيل عليه السلام)
في كل زمان وله الأمر ونقيضه جامع للطرفين ورد بذلك خبر مروي عن رسول الله فيمن له علم اسرافيل ـ وكان أبو يزيد البسطامي ممن كان على قلب اسرفيل وله من الأنبياء عيسى عليه السلام فمن كان على قلب عيسى فهو على اسرافيل ومن كان على قلب اسرافيل قد لا يكون على قلب عيسى. قال سيدي محيي الدين: وكان بعض شيوخنا على قلب عيسى وكان من الأكابر.

(وأما رجال عالم الأنفاس رضى الله عنهم)
فأنا أذكرهم وهم على قلب داود عليه السلام لا يزيدون ولا ينقصون في كل زمان وإنما نسبناهم إلى قلب داود وقد كانوا موجودين قبل ذلك بهذه الصفة ـ فالمراد بذلك أنه ما تفرق فيهم من الأحوال والعلوم والمراتب اجتمع في داود ولقيت هؤلاء العالم كلهم ولازمتهم وانتفعت بهم. وهم على مراتب لا يتعدونها بعدد مخصوص لا يزيد ولا ينقص.وأنا أذكرهم إن شاء الله تعالى:

1 ـ (فمنهم رضى الله عنهم: رجال الغيب)
وهم عشرة لا يزيدون ولا ينقصون هم أهل خشوع فلا يتكلمون إلا همساً لغلبة تجلي الرحمن عليهم دائماً في أحوالهم. قال تعالى: {وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همساً} وهؤلاء هم المستورون الذين لا يعرفون، خبأهم الحق في أرضه وسمائه فلا يناجون سواه ولا يشهدون غيره {يمشون على الارض هونا، وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً} دأبهم الحياء إذا سمعوا أحداً يرفع صوته في كلامه ترعد فرائصهم ويتعجبون، واعلم أن لفظ رجال الغيب في اصطلاح أهل الله يطلقونه ويريدون به هؤلاء الذين ذكرناهم وهي هذه الطبقة وقد يطلقونه ويريدون به من يحتجب عن الأبصار من الإنس،وقد يطلقونه أيضاً ويريدون به رجالاً من الجن من صالحى مؤمنيهم. وقد يطلقونه على القوم الذين لا يأخذون شيئاً من العلم والرزق المحسوس من الحس ولكن يأخذونه من الغيب.
ب ـ (ومنهم رضى الله عنهم: ثمانية عشر نفساً أيضاً. هم الظاهرون بأمر الله عن أمر الله) لا يزيدون ولا ينقصون في كل زمان، ظهورهم بالله قائمون بحقوق الله مُثْبتُون الأسباب، العوائدُ لهم عادةٌ، آيتهم {قل الله ثم ذرهم} وأيضاً {إني دعوتكم جهاراً}، كان منهم شيخنا أبو مدين رحمه الله تعالى كان يقول لأصحابه: أظهروا للناس ما عندكم من الموافقة كما يظهر الناس بالمخالفة، وأظهروا ما أعطاكم الله من نعمه الظاهرة (يعني خرق العوائد) والباطنة (يعني المعارف) فإن الله يقول: {وأما بنعمة ربك فحدث} وقال عليه الصلاة والسلام: « التحدث بالنعمة شكر ».

جـ ـ (ومنهم رضي الله عنهم: ثمانية رجال يقال لهم رجال القوة الإلهية) آيتهم من كتاب الله {أشداء على الكفار} لهم من الأسماء الإلهية (ذو القوة المتين) لا تأخذهم في الله لومة لائم، وقد يسمون رجال القهر، لهم همم فعالة في النفوس وبهذ1 يعرفون. كان بمدينة فاس منهم رجل واحد يقال له أبو عبد الله الدقاق، كان يقول: (ما اغتبت أحداً قط، ولااغتيب بحضرتي أحد قط). قال سيدي محيي الدين ولقيت أنا منهم ببلاد الأندلس جماعة ولقيت أنا منهم أثر عجيب ومعنى غريب وكان بعض شيوخي منهم.

(ومن نمط هؤلاء رضى الله عنهم خمسة رجال) في كل زمان لا يزيدون ولا ينقصون هم على قدم هؤلاء الثمانية في القوة غير أن فيهم لِيناً ليس في الثمانية وهم على قدم الرسل في هذا المقام، آيتهم قوله تعالى {فقولا قولاً ليناً} وقوله تعالى {فبما رحمة من الله لنت لهم} فهم مع قوتهم لهم لين في بعض المواطن. أما في العزائم فهم على قوة الثمانية على السواء ويزيدون عليهم بما ذكرناه مما ليس للثمانية. قال سيدي محيي الدين وقد لقينا منهم رضى الله عنهم وانتفعنا بهم.

د ـ (ومنهم رضى الله عنهم: خمسة عشر نفساً)
هم رجال الحنان والعطف الإلهي آيتهم آية الريح السليمانية {تجري بأمره رخاء حيث أصاب} لهم شفقة على عباد الله مؤمنهم وكافرهم، ينظرون الخلق بعين الجود والوجود، لا بعين الحكم والقضاء، لا يولي الله قط منهم أحداً ولاية ظاهرة من قضاء أو ملك لأن ذوقهم ومقامهم لا يحتمل القيام بأمر الخلق فهم مع الخلق في الرحمة المطلقة التي قال الله تعالى فيها {ورحمتي وسعت كل شيء} ولقيت منهم جماعة وماشيتهم على هذا القدم.

هـ ـ (ومنهم رضى الله عنهم: أربعة أنفس في كل زمان)
لا يزيدون ولا ينقصون، آيتهم من كتاب الله {الله الذي خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن} وآيتهم أيضاً في سورة الملك {الذي خلق سبع سموات طباقا ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت} هم رجال الهيبة والجلال.

كأنما الطير منهم فوق أرؤسهم



لا خوف ظلم ولكن خوف اجلال




وهم الذين يمدون الأوتاد، الغالب على أحوالهم الروحانية، قلوبهم سماوية، مجهولون في الأرض، معروفون في السماء. أحدهم على قلب محمد ، والآخر على قلب شعيب عليه السلام، والثالث على قلب صالح عليه السلام، والرابع على قلب هود عليه السلام، ينظر إلى أحدهم من الملأ الأعلى عزرائيل، وإلى الآخر جبريل. وإلى الآخر ميكائيل. وإلى الآخر اسرافيل. شأنهم عجيب وأمرهم غريب. قال سيدي محيي الدين ما لقيت فيمن لقيت مثلهم، لقيتهم بدمشق فعرفت أنهم هم وقد كنت رأيتهم ببلاد الأندلس واجتمعوا بي ولكن لم أكن أعلم أن لهم هذا المقام، بل كانوا عندي من جملة عباد الله، فشكرت الله على أن عرفني بمقامهم وأطلعني على حالهم.
و. (ومنهم رضى الله عنهم: أربعة وعشرون نفسا في كل زمان يسمون رجال الفتح) لا يزيدون ولا ينقصون، بهم يفتح الله على قلوب أهل الله ما يفتحه من المعارف والأسرار جعلهم الله على عدد الساعات، لكل ساعة رجل منهم، فكل من يفتح عليه في شئ من العلوم والمعارف في أي ساعة كانت من ليل أو نهار فهو لرجل تلك الساعة، وهم متفرقون في الأرض لا يجتمعون أبدا، كل شخص منهم لازمٌ مكانَهُ لا يبرح أبدا، فمنهم باليمن اثنان، ومنهم ببلاد الشرق أربعة، ومنهم بالمغرب ستة، والباقي بسائر الجهات. آيتهم من كتاب الله {ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها}.

ز. (ومنهم رضى الله عنهم: سبعة أنفس في كل زمان)

لا يزيدون ولا ينقصون، رجال المعارج العلا، لهم في كل نفس معراج، وهم أعلى عالم الأنفاس. أي الأولياء أصحاب المراتب، آيتهم من كتاب الله تعالى {وأنتم الأعلون والله معكم} يتخيل بعض الناس من أهل الطريق أنهم الأبدال لما يرى أنهم سبعة كما يتخيل بعض الناس في الرجبيين أنهم الأبدال لكونهم أربعين عند من يقول أن الأبدال أربعون نفساً. ومنهم من يقول سبعة أنفس. وسبب ذلك أنهم لم يقع لهم التعريف من الله بذلك، ولا بعددٍ ما، ولله في العالم في كل زمان من الرجال المصطفين الذين يحفظ الله بهم العالم فيسمعون أن ثم رجالاً عددهم كذا، كما أن ثم أيضاً مراتب محفوظة لا عدد لأصحابها معين في كل زمان ـ بل يزيدون وينقصون كالأفراد، ورجال الماء، والأمناء والأحباء، والأخلاء، وأهل الله، والمحدثين والسُّمَرَاءِ، والأصفياء، وهم المصطفون، فكل مرتبة من هذه المراتب محفوظة برجال في كل زمان، غير أنهم لا يتقيدون بعدد مخصوص مثل من ذكرناهم.

ج ـ (ومنهم رضى الله عنهم: أحد وعشرون نفساً وهم رجال التحت الأسفل)

وهم أهل النفس الذي يتلقونه من الله لا معرفة لهم بالنفس الخارج عنهم، وهم على هذا العدد في كل زمان لا يزيدون ولا ينقصون، آيتهم من كتاب الله تعالى {ثم رددناه أسفل سافلين} يريد تعالى عالم الطبيعة إذ لا أسفل منه، رده إليه ليحيا به فإن الطبع ميت بالأصالة فأحياه بهذا النفس الرحماني الذي رده إليه وهؤلاء الرجال لا نظر لهم إلا فيما يَرِدُ من عند الله مع الأنفاس فهم أهل حضور على الدوام.

ط ـ (ومنهم رضى الله عنهم: ثلاثة أنفس)

وهم رجال الإمداد الإلهي والكوني في كل زمان لا يزيدون ولا ينقصون فهم يستمدون من الحق ويمدون الخلق ولكن بلطف ولين ورحمة لا بعنف ولا شدة ولا قهر يقبلون على الله بالاستفادة، ويقبلون على الخلق بالإفادة، فيهم رجال ونساء قد أهلهم الله للسعي في حوائج الناس وقضائها عند الله لا عند غيره وهم ثلاثة قال سيدي محيي الدين لقيت واحداً منهم بأشبيلية وهو من أكبر من لقيته يقال له موسى بن عمران، سيد وقته كان أحد الثلاثة لم يسأل أحداً حاجة من خلق الله. وقد ورد في الخبر أن النبي قال: « من تقبل لي بواحدة تقبلت له بالجنة أن لا يسأل أحداً شيئاً ». وصفة هؤلاء إذا أفادوا الخلق ترى فيهم من اللطف وحسن التأني حتى يظن أنهم هم الذين يستفيدون من الخلق. وأن الخلق هم الذين لهم اليد عليهم ما رأيت أحسن منهم في معاملة الناس.

ى ـ (ومنهم رضى الله عنهم: ثلاثة أنفس إلهيون رحمانيون في كل زمان)

لا يزيدون ولا ينقصون، يُشْبهونَ الأبدالَ في بعض الأحوال وليسوا بأبدال آيتهم من كتاب الله {وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية} لهم اعتقاد عجيب في كلام الله بين الاعتقاديين. هم أهل وحي إلهي لا يسمعونه أبداً إلا كسلسلة على صفوان، لا غير ذلك،ومثل صلصلة الجرس هذا مقام هؤلاء القوم.

ك ـ (ومنهم رضى الله عنهم: رجل واحد وقد تكون امرأة في كل زمان)

آيته (وهو القاهر فوق عباده) له الاستطالة على كل شيء سوى الله شهم شجاع مقدام كثير الدعوى بحق يقول حقاً ويحكم عدلاً. قال سيدي محيي الدين كان صاحب هذا المقام شيخنا عبد القادر الجيلي ببغداد كانت له الصولة والاستطالة بحق على الخلق كان كبير الشأن أخباره مشهورة لم ألقه ولكن لقيت صاحب زماننا في هذا المقام، ولكن كان عبد القادر أتم في أمور أخر من هذا الشخص الذي لقيته، وقد درج الآخر ولا علم لي بمن وليَّ بعده هذا المقام إلى الآن.

ل ـ (ومنهم رضى الله عنهم: رجل واحد مركب ممتزج في كل زمان)

لا يوجد غيره في مقامه وهو يشبه عيسى عليه السلام متولد بين الروح والبشر ولا يعلم له أب بشري كما يحكى عن بلقيس أنها تولدت بين الجن والإنس فهو مركب من جنسين مختلفين، وهو رجل البرزخ به يحفظ الله تعالى عالم البرزخ دائماً فلا يخلو كل زمان عن واحد مثل هذا الرجل يكون مولده على هذه الصفة فهو مخلوق من ماء أمه خلافاً لما ذكره أهل علم الطبائع أنه لا يتكون من ماء المرأة ولد، بل الله على كل شيء قدير.
م ـ (ومنهم رضى الله عنهم: رجل واحد وقد يكون امرأة)

له دقائق ممتدة إلى جميع العالم وهو شخص غريب المقام لا يوجد منه في كل زمان إلا واحد يلتبس على بعض أهل الطريق ممن يعرفه بحالة القطب، فيتخيل أنه القطب وليس بالقطب.

ن ـ (ومنهم رضى الله عنهم: رجل يسمى بمقامه سقيط الرفرف ابن ساقط العرش) قال سيدي محيي الدين: لقيته بقونية آيته من كتاب الله {والنجم إذا هوى} حاله لا يتعداه، شغله بنفسه وبربه، كبير الشأن عظيم الحال، رؤيته مؤثرة في حال من يراه، فيه انكسار، هكذا شاهدته صاحب انكسار وذل، أعجبتني صفته، له لسان في المعارف، شديد الحياء.

س ـ (ومنهم رضى الله عنهم: رجلان يقال لهما رجال الغنى بالله)

في كل زمان من عالم الأنفاس أي الأولياء أصحاب المراتب كما تقدم، آيتهما من كتاب الله { والله غني عن العالمين} يحفظ الله بهما هذا المقام، للواحد منهما إمداد عالم الشهادة فكلُّ غني في عالم الشهادة فمن هذا الرجل، وللآخر منهما إمداد عالم الملكوت فكل غنيٍ بالله في عالم الملكوت فمن هذا الرجل، والذي يستمدان منه (هذان الرجلان) روحٌ علوي متحقق بالحق غِنَاهُ اللهُ ما هو غناه بالله، فإن أضفته إليهما فرجال الغني ثلاثة وإن نظرت إلى بشريتهما، فرجال الغنى اثنان، وقد يكون منهم النساء فغني بالنفس وغني بالله وغني غناه الله، قال سيدي محيي الدين: ولنا جزء لطيف في معرفة هؤلاء الرجال الثلاثة رضى الله عنهم.

ع ـ (ومنهم رضى الله عنهم: شخص واحد يتكرر بقلبه في كل نفس)

لا ترى في الرجال أعجب منه حالاً، وليس في أهل المعرفة بالله أكبر معرفة من صاحب هذا المقام، يخشى الله ويتقيه، تحققت به ورأيته وأفادني. آيته من كتاب الله {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} وقوله تعالى {ثم رددنا لكم الكرة عليهم} لا يزال ترعد فرائصه من خشية الله هكذا شاهدناه.

ف ـ (ومنهم رضى الله عنهم: رجال عين التحكيم والزوائد وهم عشرة أنفس في كل زمان) لا يزيدون ولا ينقصون مقامهم إظهار غاية الخصوصية بلسان الانبساط في الدعاء، وحالهم زيادة الإيمان بالغيب واليقين في تحصيل ذلك الغيب، فلا يكون لهم غيب. إذ كل غيب لهم شهادة، وكل حال لهم عبادة، فلا يصير لهم غيب شهادة، إلا ويزيدون إيماناً بغيب آخر ويقينا في تحصيله، آيتهم من كتاب الله تعالى {وقل رب زدني علماً} }{وليزدادوا إيماناً مع إيمانهم} ـ {فزادتهم إيماناً وهم يستبشرون} بالزيادة وقوله تعالى: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان}.

ص ـ (ومنهم رضى الله عنهم: اثنا عشر نفساً يقال لهم البدلاء وما هم الأبدال) وهم في كل زمان لا يزيدون ولا ينقصون. مقامهم إظهار غاية الخصوصية بلسان الانبساط في الدعاء، وحالهم زيادة الإيمان بالغيب واليقين، وسموا بدلاء لأن الواحد منهم لو لم يوجد الباقون، ناب منابَهُم وقام بما يقوم به جميعُهُمْ.

ق ـ (ومنهم رضى الله عنهم: رجال الاشتياق وهم خمسة أنفس وهم من ملوك أهل طريق الله) بهم يحفظ الله وجود العالم، آيتهم من كتاب الله تعالى {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى} لا يفتُرُون عن صلاة في ليل ولا نهار. قال سيدي محيي الدين وكان صالح البربري منهم لقيته وصحبته إلى أن مات وانتفعت به، وكذلك أبو عبد الله المهدوي بمدينة فاس صحبته كان من هؤلاء أيضاً.

ر ـ (ومنهم رضى الله عنهم: ستة أنفس في كل زمان)

لا يزيدون ولا ينقصون. كان منهم ابن هارون الرشيد أحمد السبتي. قال سيدي محيي الدين : لقيته بالطواف يوم الجمعة يوم الصلاة سنة 599 وهو يطوف بالكعبة،وسألته وأجابني ونحن بالطواف، وكأن روحه تجسد لي في الطواف حساً كتجسد جبريل في صورة أعرابي ولهم سلطان على الجهات الست التي ظهرت بوجود الإنسان قال : وأخبرت أن واحداً منهم كان من جملة العوانية من أهل أرزن الروم، أعرف ذلك الشخص بعينه وصَحِبْتُه، وكان يعظمني ويراني كثيراً، واجتمعت به في دمشق وفي وسواس وفي ملطية وفي قيصرية، وخدمني مُدَّة،وكانت له والدة كان بارا بها، واجتمعت به في حَرَّانَ في خدمة والدته، فما رأيت فيمن رأيت من يَبَرُّ أمَّهُ مثله،وكان ذا مال وله سنون فقدته من دمشق، فما أدري هل عاش أو مات وبالجملة فما من أمر محصور في العالم في عدد ما إلا ولله رجال بعدده في كل زمان يحفظ الله بهم ذلك الأمر.

التصوف معانقة الحق مع مخالطة الخلق

التصوف معانقة الحق مع مخالطة الخلق



حورية بن قادة: باحثة مساعدة بمركز الإمام الجُنيد للدراسات والبحوث الصوفية المتخصصة.
كثير من الناس لديهم مفهوم خاطئ حول التصوف، وإذا تحدثوا عنه، تحدثوا عن سلوك أقرب إلى "الرهبانية"، أو "الدروشة"، أو "الانعزال في أعالي الجبال"...، فقيل عن التصوف وعن أهله أنهم يُحرّمون ما أحل الله من أنواع اللذائذ والمتع، مستدلين بقوله تعالى: ﴿قل من حرّم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق﴾.[1] وأيضا قوله عز وجل: ﴿ يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين﴾.[2] بيد أن التصوف شيء، وهذا الذي ذكره هؤلاء شيء آخر، فالتصوف ليس تمسكا بالشكليات وإهمالا للجوهر- كما يظن البعض-، وإنما التصوف هو الفهم الواعي للدين، والعمل بما يربط حياة التعبد بحياة المجتمع، فلا ينعزل الدين ويتقوقع أصحابه بعيدا عن حقائق الحياة، فمِن أهم ما ينبغي أن يُفهم عليه الدين أنه في جوهره أخلاق بين العبد وربه، وبينه وبين نفسه، وبينه وبين أسرته، ثم بينه وبين أفراد مجتمعه...
ورجال التصوف لم يجعلوا الحلال حراما، إذ من أسمى مقاصدهم التقيد بشرع الله، ولكنهم حين عرفوا أن تزكية النفس فرض عين، وأن للنفس أخلاقا سيئة وتعلقات شهوانية، تُوصِلُ صاحبها إلى الهلاك، وتُعِيقُه عن الترقي في مدارج الكمال، وجدوا لِزاما عليهم أن يهذبوا نفوسهم ويحرروها من سجن الهوى...
وبهذا المعنى يقول الصوفي الكبير الحكيم الترمذي- رحمه الله تعالى- ردّا على هذه الشبهة، وجوابا لمن احتج بالآية الكريمة من سورة الأعراف السابقة الذكر: "فهذا الاحتجاج تعنيف، ومن القول تحريف، لأنّا لم نرد بهذا التحريم، ولكنّا أردنا تأديب النفس حتى تأخذ الأدب وتعلم كيف ينبغي أن تعمل في ذلك، ألم تنظر إلى قوله عز وجل: ﴿قل إنما حرّم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق﴾.[3] فالبغي في الشيء الحلال حرام، والفخر حرام، والمباهات حرام، والرياء حرام، والسُّرف حرام، فإنما أوتِيَتِ النفس هذا المنع من أجل أنها مالت إلى هذه الأشياء بقلبها، حتى فسد القلب، فلما رأيت النفس تتناول زينة الله والطيبات من الرزق تريد بذلك تغنيا أو مباهاة أو رياء، علمت أنها خلطت حراما بحلال فضيّعَت الشكر، وإنما رُزقت لتشكر لا لتكفر، فلما رأيت سوء أدبها منعتها، حتى إذا ذلّت وانقمعت، ورآني ربي مجاهدا في ذاته حق جهاده، هداني سبيله كما وعد الله تعالى: ﴿والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين﴾.[4]فصرت عنده بالمجاهدة محسنا فكان الله معي...".[5]
وقد تسرع البعض فزعم جهلا أن التصوف في مجاهداته هذه، يلتقي مع الانحرافات الدينية التي تعتبر تعذيب الجسد طريقا إلى إشراق الروح وانطلاقها، ومنهم من جعل التصوف امتدادا لنزعة الرهبنة التي ظهرت في الرهط الثلاثة حين سألوا عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم...
ويبرر الإمام الشاطبي أفعال الصوفية التي ظاهرها التشدد أو المبالغة، بقوله: "فإن الذي يظهر لبادئ الرأي منهم أنهم التزموا أمورا لا توجد عند العامة، ولا هي مما يلزمهم شرعا، فيظن الظان أنهم شدّدوا على أنفسهم، وتكلفوا ما لم يكلفوا، ودخلوا على غير مدخل أهل الشريعة، وحاشا لله، ما كانوا ليفعلوا ذلك، وقد بنوا نحلتهم على اتباع السنة، وهم باتفاق أهل السنة صفوة الله من الخليقة".[6]
فالتصوف لم يكن البتة في يوم من الأيام طريقة مستقلة، ولا دينا جديدا، وإنما هو تطبيق عملي لدين الله تعالى، واقتداء كامل برسوله صلى الله عليه وسلم، وإنما سَرَتِ الشبهة على هؤلاء المتسرعين لأنهم وجدوا في التصوف اهتماما بتزكية النفس وتربيتها وتصعيدها، ومجاهدتها على أسس شرعية وضمن نطاق الدين الحنيف، فقاسوا تلك الانحرافات الدينية على التصوف قياسا أعمى دون تمحيص أو تمييز.
وإذا وُجد في تاريخ التصوف من حرّم الحلال أو قام بتعذيب الجسد على غرار الانحرافات الدينية، فهو مبتدع ولا صلة له بالتصوف، ولذا ينبغي التفريق بين التصوف والصوفي، فليس الصوفي بانحرافه ممثلا للتصوف، كما أن المسلم بانحرافه لا يمثل الإسلام.
ولذلك كانت دراسة التصوف الإسلامي في وقتنا هذا أمرا مفيدا وهاما، فمن الخطأ أن يُفهم التصوف على أنه هروب من الحياة، فهذا ليس صحيحا، بل ينبغي أن يفهم على أنه تعود على الاستغراق المادي للإنسان في الحياة، حيث جعل الناس المادة كل شيء...، إن الصوفي يسعى إلى الإعلاء من شأن القيم الروحية والإنسانية جاعلا المادة وسيلة ينبغي تجاوزها دون الوقوف عندها، مبينا أنه من الضرورة بمكان أن يسعى كل منا إلى أن يحاسب نفسه قبل أن يُحَاسَب، وإلى أن يطهر نفسه قبل أن يفرض عليها التطهير...، إن الصوفية تمثل أخلاقا من طراز عال وفريد، ومن هنا كان قولها الحق وهدفها الحق".[7]
وفي التصوف الإسلامي من المبادئ الإيجابية ما يحقق تطور المجتمع إلى الأمام، فمن ذلك أنه يؤكد على محاسبة الإنسان لنفسه باستمرار ليصحح أخطاءها ويكملها بالفضائل، ويجعل نظرته إلى الحياة معتدلة، فلا يتهالك على شهواتها وينغمس في أسبابها إلى الحد الذي ينسى فيه نفسه وربه، فيشقى شقاءً لا حد له، والتصوف يجعل من هذه الحياة وسيلة لا غاية، يأخذ منها الإنسان كفايته ولا يخضع لعبودية حب المال والجاه، ولا يستعلي بهما على الآخرين، وبهذا يتحرر تماما من شهواته وأهوائه وبإرادة حية.[8]
فهذا مثلا أبو الحسن الشاذلي،[9] رضي الله عنه، وهو من صفوة الصفوة الصوفية، كانت له مزارع، وكان له حصاد، ودراس...، وكانت له ثيران...، وكان يتاجر...، وكان من دعائه المشهور بشأن الدنيا: "اللهم اجعلها في أيدينا ولا تجعلها في قلوبنا".[10] كما كان يلبس الفاخر من الثياب، ويركب الفاره من الدواب، ويتخذ الخيل الجياد، وقد دخل عليه يوما فقير وعليه ملابس شعر، فلما فرغ الشيخ من حديثه، دنا من الشيخ، وأمسك بملبسه الجميل، وقال: يا سيدي، ما عُبد الله بهذا اللباس الذي عليك، فأمسك الشيخ بملبسه فوجد فيه خشونة، فقال له: ولا عُبد الله بهذا اللباس الذي عليك، لباسي يقول للناس: أنا غني عنكم فلا تعطوني، ولباسك يقول للناس: أنا فقير إليكم فاعطوني.[11] وفي ذلك يقول سيدي عبد القادر الجيلاني: "ليس الشأن في خشونة ثيابك ومأكولك، الشأن في زهد قلبك".[12]
هذا هو الإسلام، إنه دين اعتدال لا يدعو أهله للرهبانية والتطرف، بل يدعوهم إلى البعد عن الإفراط والتفريط، وأن ينتهجوا نهجا وسطا في سلوكهم الحياتي، والصوفية إنما نهجوا ماكان عليه النبي عليه الصلاة والسلام من هذا الاعتدال- أو التوسط- والتي دلّت عليه آيات بيّنات من كتاب الله عز وجل، وحثّت عليه السنة النبوية المطهرة.
ففي كتاب الله عز وجل، ورد قوله تعالى: ﴿ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط﴾؛[13]جاء في التفسير: "أي: ولا تمسك عن العطاء، ولا تسرف في البذل بكثرة، واسلك بين الأمرين طريقا وسطا".[14] وقوله تعالى: ﴿وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا﴾؛[15] قال أصحاب التفسير: "﴿وابتغ فيما آتاك الله﴾؛ من الغنى والثروة ﴿الدار الآخرة﴾؛ بأن تتصدق على الفقراء، وتصل الرحم، وتصرف إلى أبواب الخير، أي استعمل ما وهبك الله من هذا المال الجزيل، والنعمة الطائلة، في طاعة ربك، والتقرب إليه بأنواع القربات، التي يحصل لك بها الثواب في الدنيا والآخرة، ﴿ولا تنس نصيبك من الدنيا﴾؛ أي مما أباح الله فيها من المآكل والمشارب، والملابس والمساكن والمناكح؛ فإن لربك عليك حقا، ولنفسك عليك حقا، ولأهلك عليك حقا، ولزوجك عليك حقا، فآت كل ذي حق حقه".[16] مصداقا لقوله عز وجل: ﴿والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما﴾[17].
وفي السنة المطهرة أيضا، أدلة على هذا الاعتدال، منها ما جاء عن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه: "جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي  صلى الله عليه وسلم، يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أُخبروا كأنهم تقالّوها،[18] فقالوا: وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم، وقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه، وما تأخر. قال أحدهم: أما أنا؛ فإني أصلي الليل أبدا، وقال آخر: أنا أصوم الدهر، ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا. فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم، فقال: أنتم الذين قلتم كذا وكذا؛ أما والله إني لأخشاكم لله، وأتقاكم له؛ لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء؛ فمن رغب عن سنتي فليس مني".[19]
واتخاذ مثل ذلك نمطا للحياة، يعد سلوكا سلبيا يؤدي إلى فساد التصور، واختلال التفكير الذي يترتب عنه الانطواء والبعد عن العمل الذي لا يستغني عنه أي عضو فعّال في مجتمع ما، كما يؤدي بالأمة إلى الضعف والبعد عن الدور الحضاري الذي يُنتظر منها. ويؤيد هذا الرأي الإمام الغزالي حيث يقول: "... ولكنني أرى أنه بالرغم من أن الزهد في لذات الحياة الدنيا هو خير الأعمال التي تواردت عليها الآثار عن التزام الأنبياء والتابعين والصدّيقين بها، إلا أنه لا يجب أن تترك الدنيا بأسرها وعلى إطلاقها، فإذا كانت الدنيا مقصودة لذاتها دونما اعتبار للآخرة فينبغي الزهد فيها، أما إذا تلمس المرء دنياه بحيث لا تتعارض مع آخرته، أو إذا تلمس الآخرة عن طريق الدنيا، فذلك أمر محمود لا ينبغي الزهد فيه. بل وسيأتيه نصيبه من الدنيا كما في الحديث: "أتته الدنيا وهي راغمة"، ويقول الله تعالى: ﴿وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة﴾،[20] كما أن للإنسان نصيبا مباحا من أمور الدنيا حيث جاء في الآية نفسها: ﴿ولا تنس نصيبك من الدنيا﴾، ولكن المذموم هو إيثار الدنيا على الآخرة، وقد جاء في قوله تعالى: ﴿بل تؤثرون الحياة الدنيا والآخرة خير وأبقى﴾،[21] ثم يقول: "وإنني أرى أنه إذا كان التلذذ في أمور مشروعة، ولا يؤدي إلى إسراف يضر في الحال أو في المستقبل، فقد يكون في ذلك نتائج إيجابية تتمثل في شكر الله على نعمه، وقد قال الله تعالى: ﴿وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين﴾؛[22] فهو لم يقيد العباد سوى بعدم الإسراف في الطعام والشراب، بل وأعقب ذلك قوله تعالى: ﴿قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة﴾؛[23] وأرى هنا الملبس الحسن يعد من زينة الله، والطيبات من الرزق تشمل الرزق الحلال.[24]
ومن يمعن النظر في تاريخ الصوفية يلمس بوضوح مدى الإيجابية التي يتعامل بها الصوفي مع مجتمعه من خلال تفاعله مع واقعه، فنجد من أعلام الصوفية الكبار- إلى جانب تعبدهم وزهدهم وورعهم-، يعرِقون ويعملون بالتجارة، فهذا عبد الله بن المبارك الصوفي المشهور، الذي بفضل سلوكه العملي الرائد، استطاع أن يصحح المقولة الخاطئة حول التصوف بأنه خمول وسلبية، وبُعد عن المجتمع، فقد كان يدعو بسلوكه العظيم إلى فهم الحياة الروحية في الإسلام فهما صحيحا، فكان إلى جانب زهده العظيم، وورعه المعروف، وكثرة انقطاعه للخلوة والعبادة، كان يعرق ويعمل بالتجارة، وحصل أن قال له مرة الزاهد الكبير، الفُضَيْل بن عياض: يا ابن المبارك، أنت تأمرنا بالزهد والتقلل والبلغة، ونراك تأتي بالبضائع من بلاد خراسان إلى البيت الحرام، وكيف ذاك؟ فقال: إنما أفعل ذلك لأصون ماء وجهي، وأكرم به عرضي، وأستعين به على طاعة ربي، لا أرى لله حقا إلا سارعت إليه حتى أقوم به. فقال الفضيل: يا ابن المبارك، ما أحسن ذا إن تم ذا.[25]
وقد أورد ابن عجيبة تفسيرا جميلا بالإشارة إلى قوله تعالى: ﴿قال هي عصاي أتوكّؤُ عليها وأهُش بها على غنمي ولي فيها مآرب أخرى﴾،[26] فكذلك يضيف ابن عجيبة: "يُقال للفقير: وما تلك بيمينك أيها الفقير[الصوفي]؟ قال: هي دنياي أعتمد عليها في قيام بنيتي، وأنفق منها على عيالي، ولي فيها مآرب أخرى: أتصدق منها، وأفعل بها وجوه الخير، فيقال له: ألقها من يدك أيها الفقير، فألقاها فإذا هي حية تسعى، كانت تلدغه في قلبه، وتشغله عن شهود ربه، فلما فرّ منها وأيس من نفعها قيل له: خذها ولا تخف، لأنك غني بالله عنها، فتأخذها بالله لا بنفسك، وتدفعها كذلك".[27]
وخلاصة القول، فالتصوف يمثل أخلاقا من طراز عال وفريد، إنه قوة روحية عظيمة، وإيمان صادق، وما أحوج إنسان هذا العصر الذي يعيش في مادية محضة أن يتنسم عبق الحياة الروحية، فالتصوف محاولة من الإنسان للتسلح بقيم روحية جديدة، تعينه على مواجهة الحياة المادية، وهو وضع للدنيا في موضعها الصحيح، لا إفراط ولا تفريط، وله من المبادئ والقواعد والأصول ما يجعله متميزا عن العلوم الأخرى...

الهوامش: 

[1]- سورة الأعراف، الآية: 32.
[2]- سورة المائدة: 87.
[3]- سورة الأعراف، الآية: 33.
[4]- سورة العنكبوت، الآية: 69.
[5]- أدب النفس، الحكيم الترمذي، تحقيق: أحمد عبد الرحيم السايح، الدار المصرية اللبنانية، ط1، 1413ھ-1993م، ص: 64-65.
[6]- الثابت والمتغير في فكر الإمام أبي إسحاق الشاطبي، مجدي محمّد محمد عاشور، دار البحوث للدراسات الإسلامية وإحياء التراث، ط1، 1423ھ-2002م، ص: 472.
[7]- التصوف الإسلامي: الطريق والرجال، فيصل بدير عون، ص: 17-18.
[8]- المدخل للتصوف الإسلامي، أبو الوفا الغنيمي التفتازاني، ص: 4.
[9]- علي أبو الحسن بن عبد الله السيد الشريف، من ذرية محمد بن الحسن الشاذلي، زعيم الطائفة الشاذلية، نسبة إلى شاذلة – قرية بإفريقية- تسلّك ببلده فاشتغل بالعلوم الشرعية حتى أتقنها، وصار يناظر عليها مع كونه ضريرا، ثم سلك منهاج التصوف وجدّ واجتهد حتى ظهر صلاحه وخيره، وطار في فضاء الفضائل طيرُه، وحمد في طريق القوم سُراه وسيره. ترجمته في: الكواكب الدرية، عبد الرؤوف المناوي، 2/192.
[10] - قضية التصوف المنقذ من الضلال، أبو حامد الغزالي، ص: 21.
[11]- أبو الحسن الشاذلي: الصوفي المجاهد والعارف بالله، عبد الحليم محمود، دار الكتاب العربي، ط2، 1967م، ص: 47-48.
[12]- الفتح الرباني، عبد القادر الجيلاني، ص: 26.
[13]- سورة الإسراء، الآية: 29.
[14]- تفسير القشيري المسمى لطائف الإشارات، أبو القاسم القشيري (465)، تحقيق: سعيد قطيفة، المكتبة التوقيفية، القاهرة، د.ط، د.ت، 4/17.
[15]- سورة القصص، الآية: 77.
[16]- الأساس في التفسير، سعيد حوّى، دار السلام، القاهرة، ط7، 1430- 2009م، 4/388.
[17]- سورة الفرقان، الآية: 67.
[18]- تقالّوها: أي: استقلّوها. واستقل الشيء: رآه قليلا. لسان العرب، ابن منظور، مادة: قلل.
[19]- صحيح البخاري، كتاب: النكاح، باب: الترغيب في النكاح، رقم الحديث: 50630.
[20]- سورة الفرقان، الآية: 67.
[21]- سورة الأعلى، الآيتين: 17-18.
[22]- سورة الأعراف، الآية: 31.
[23]- سورة الأعراف، الآية: 32.
[24]- الاتجاه الصوفي عند الإمام أبي حامد الغزالي، سهام خضر، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 2010م، ص: 244.
[25]- تاريخ بغداد، أبو بكر الخطيب البغدادي، دار الكتب العلمية، بيروت، د.ط، د.ت، 10/159-160.
[26]- سورة طه، الآية: 18.
[27]- الفتوحات الإلهية في شرح المباحث الأصلية، أحمد بن عجيبة (1224ھ)، تحقيق: إبراهيم عاصم الكيالي، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط1، 2010م، ص: 142. 

الحركة فـي الذكر (التمايل)

  الحركة فـي الذكر (التمايل) أحمد عبد المالك الحركة في الذكر أمر تناوله علماء الإسلام ما بين الإباحة والتحريم والتقييد بشروط وما زال لل...