الثلاثاء، 2 فبراير 2021

التجربة الروحية للإمام الغزالي

 



التجربة الروحية للإمام الغزالي

محمد عرب
إنَّ تجربة الإمام الغزالي المعرفية هي من أهم التجارب الموثّقة التي يمكن أن تكون نموذجاَ لكل باحث عن الحقيقة الإنسانية بكل أبعادها الوجودية. فالغزالي يضعنا أمام المشكلة الإنسانية كهدف ومصير، من خلال معاناته ورحلاته المعرفية، ويرسم لنا الطريق لاستخلاص الجواب بأنفسنا. فالمعرفة معاناة، وتجربة، ونتائج علينا أن نعيشها لكي نعرف. إذا كنا لا نصدق الآخر، أو إذا كنا نريد أن نعرف. إذا كنا لا نصدق الآخر، أو إذا كنا نريد أن نعرف ما عرفه الآخر فعلينا أن نقبل التجربة. الإمام الغزالي كان مثل الفاتحين العظام في مجال المعرفة. ارتاد كل الحقول المعرفية في زمنه، وقرأ كل الأديان والفلسفات، وظهر كشمس في سماء الشرق، عندما كانت بغداد عاصمة الدنيا، ومركز العلوم. ولكن مشكلة الغزالي ستأخذ أبعادها في صدقه مع نفسه، إذ ليس المهم بالنسبة إليه أن يكون شمساً لغيره، وإنما أن يكون أيضاً شمساً لنفسه. فهو بالنسبة لنفسه لا يعرف، ومعرفته لا تفي بغرضه، وإن كانت تفي بأغراض الآخرين. وسوف تكون أسئلة الغزالي الملحة بمثابة الصدمة له، بعد أن عرف أساليب كل الفلسفات ومنطقها وبراهينها ونقاط ضعفها. وكان يستطيع كأستاذ بارع أن يأتي بالبراهين العقلية لدعم أي فكرة، وأن يأتي بما ينقضها على طريقة السفسطائيين. ومثل هذا الشعور سيواجه أي مفكر عايش ثقافات عصره واستوعبها. ولذلك فعليه أن يختار إمّا الكفاح من أجل بناء جمهورية للنمل صالحة، تكون مهمتها إطعام مواطنيها وتأمين حياتهم، بتحديد دور مناسب لكل مواطن. أو التوغل عميقاً في مغزى الوجود الإنساني، والتخلي عن جمهوريات النمل لمن يحسنون الانصياع لسلطة الاقتصاد والثروة. سوف يسقط الإنسان الصادق في نظر نفسه عندما يدرك أبعاد لعبة الأفكار، وإن كان صادقاً ومجتهداً ومجداً في البداية، لأنَّ الأسئلة الكبرى عن المصير الإنساني ستصدّع كل السدود التي بنتها الأجيال حول نفسها لقبول السلام مع الحياة والتعايش معها كما هي في حلوها ومرها. لقد تصدّعت شمس الغزالي الساطعة في ظلمة لا تضاء بأي نور من أنوار علومه، حين تأكد له أن العقل يخطئ في أحكامه، والحواس تخطئ في تقديراتها. فالعين "تنظر إلى الكوكب فتراه صغيراً في مقدار الدينار، ثمَّ الأدلة الهندسية تدل على أنه أكبر من الأرض في المقدار"(1).‏ فأين هي الحقيقة، وبأي وسيلة سنتوصل إلى اليقين إذا كان هذا هو حال العقل مع الحواس. أسئلة ستأخذ من الغزالي وقتاً، وستمنعه من القدرة على الكلام، ومن إلقاء الدروس التي كان يلقيها حتَّى الأمس بسهولة على تلاميذه، ليس لأنه لا يستطيع، ولكن لأنه إذا كان لا يعرف الحقيقة فكيف سيعلمها للآخرين. أيكذب عليهم وهو يردد العلوم التي حفظها والتي لم يعد يطمئن إليها، أم يصمت حتَّى يجد الجواب الشافي على أسئلته؟. لقد (أعضل هذا الداء) داء الحيرة كما قال الغزالي "ودام قريباً من شهرين أنا فيهما على مذهب السفسطة بحكم الحال، لا بحكم النطق والمقال"(2). فقد كان يبحث عن العلم اليقيني الذي كما يصفه "فظهر لي أن العلم اليقيني هو الذي يكشف فيه المعلوم انكشافاً لا يبقى معه ريب، ولا يقارنه إمكان الغلط والوهم، ولا يتسع القلب لتقدير ذلك، بل الأمان من الخطأ ينبغي أن يكون مقارناً لليقين مقارنة لو تحدى بإظهار بطلانه مثلاً من يقلب الحجر ذهباً والعصا ثعباناً، لم يورث ذلك شكاً وإنكاراً، فإني إذا علمت أن العشرة أكثر من الثلاثة، فلو قال لي قائل: لا، بل الثلاثة أكثر بدليل أني أقلب هذه العصا ثعباناً، وقلبها، وشاهدت ذلك منه، لم أشك بسببه في معرفتي، ولم يحصل لي منه إلا التعجّب من كيفية قدرته عليه؛ فأما الشكّ فيما علمته فلا"(3). إنَّ الغزالي سينظر إلى أنواع العلوم في زمنه وسيقسمها إلى أقسام بالقياس إلى وظيفتها وفائدتها وصحتها في توضيح الحقائق. وسيجد أمامه علم "المتكلمين، والباطنية، والفلاسفة، والصوفية"، وإذا كان العلماء قد توزعوا بين هذه الفرق فإن الحق لا يعدو أن يكون عند إحداها. سوف يبدأ الغزالي بدراسة علم الكلام وسوف يراه كما قال "صادفته علماً وافياً بمقصوده، غير واف بمقصودي، وإنما مقصوده حفظ عقيدة أهل السنة وحراستها عن تشويش أهل البدعة... فلم يكن الكلام في حقّي كافياً، ولا لدائي الذي كنت أشكوه شافياً. نعم، لما نشأت صنعة الكلام وكثر الخوض فيه وطالت المدة، تشوف المتكلّمون إلى مجاوزة الذب عن السنة بالبحث عن حقائق الأمور، وخاضوا في البحث عن الجواهر والأعراض وأحكامها؛ ولكن لما لم يكن ذلك مقصود علمهم، لم يبلغ كلامهم فيه الغاية القصوى، فلم يحصل منه ما يمحو بالكلية ظلمات الحيرة في اختلافات الخلق، ولا أستبعد أن يكون قد حصل ذلك لغيري! بل لست أشك في حصول ذلك لطائفة. ولكن حصولاً مشوباً بالتقليد في بعض الأمور التي ليست من الأوليات. والغرض الآن حكاية حالي، لا الإنكار على من استشفى به، فإن أدوية الشفاء تختلف باختلاف الداء، وكم من دواء ينتفع به مريض ويستضرُّ به آخر"(4). إذا لم يجد الغزالي بغيته في علم الكلام. ولهذا سيبحث في علوم الباطنية عن الدواء، الذين يحيلون معرفة الحقائق إلى الإمام المعصوم، ولكن بما أن الإمام المعصوم قد تلقى علمه من علم رسول الله ، وهو غائب، ولا يوجد ما يشير إلى كتاب أو دليل يعصم الأئمة من بعده، بينما القرآن حاضر بين ايدينا، وقد قال الله تعالى عنه : اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي (المائدة/3). "وبعد كمال التعليم لا يضر موت المعلم كما لا تضر غيبته. فبقي قولهم: كيف تحكمون فيما لم تسمعوه؟ أبالنص ولم تسمعوه، أم بالاجتهاد والرأي وهو مظنة الخلاف؟. فنقول: نفعل ما فعله معاذ إذ بعثه رسول الله(ص) إلى اليمن، إذ كان يحكم بالنص عند وجود النص وبالاجتهاد عند عدمه"(5). وهذا هو تعليم رسول الله لمعاذ الذي وافقه عليه حين قال له، إنْ لم أجد نصاً في القرآن أجتهد برأيي. ولم يشهد الرسول لمعاذ بالعصمة ولا لغيره. وقد قال الرسول عن أحكامه، وهو المعصوم [أنا أحكم بالظاهر والله يتولى السرائر. أي: أنا أحكم بغالب الظن الحاصل من قول الشهود وربَّما أخطئ فيه. ولا سبيل إلى الأمن من الخطأ للأنبياء في مثل هذه المجتهدات فكيف نطمع في ذلك](6). المقصود الخطأ الناجم عن تزوير الشهود، أو حجة الخصم الأكثر إقناعاً، أمام ضعيف الحجة، وبما لم ينزل في بيانه وحي. إذن لا توجد فائدة من الإمام المعصوم وهو غائب. بينما توجد الفائدة في اتباع شريعة النبي الحاضرة والكاملة وإن غاب. ولهذا لم يجد الغزالي مطلوبه عندهم. وسيذهب للبحث عن مطلوبه عند الفلاسفة، وسيجد أنهم ينقسمون إلى ثلاثة أقسام "الدهريون، وقد زعموا أن العالم لم يزل موجوداً كذلك بنفسه لا بصانع... وهؤلاء هم الزنادقة... الصنف الثاني: الطبيعيون، وهم قوم أكثروا بحثهم عن عالم الطبيعة وعن عجائب الحيوان والنبات، وأكثروا الخوض في تشريح أعضاء الحيوانات، فرأوا فيها من عجائب صنع الله تعالى وبدائع حكمته ما اضطروا معه إلى الاعتراف بقادر حكيم، وأنكروا الجنة والنار، والحشر والنشر، والقيامة والحساب، فلم يبق عندهم للطاعة ثواب، ولا للمعصية عقاب، فانحل عنهم اللجام، وانهمكوا في الشهوات انهماك الأنعام. وهؤلاء أيضاً زنادقة؟ لأنَّ أصل الإيمان حد الإيمان بالله واليوم الآخر، وهؤلاء جحدوا اليوم الآخر، وإن آمنوا بالله وصفاته... الصنف الثالث: الإلهيون: وهم المتأخرون منهم، مثل سقراط وهو أستاذ أفلاطون... وأرسطاطاليس هو الذي رتّب لهم المنطق، وحرر لهم العلوم... وهم بجملتهم ردّوا على الصنفين الأولين من الدهرية والطبيعية... ومجموع ما صح عندنا من فلسفة أرسطاطليس... ينحصر في ثلاثة أقسام:
1
ـ قسم يجب التكفير به.
2
ـ وقسم يجب التبديع به ، أي نسبته إلى البدع ، وقسم لا يجب إنكاره أصلاً"(7). ويستعرض الغزالي أنواع علومهم ليحكم على كل موضوع بما رآه. وهي كما صنفوها "رياضة، ومنطقية، وطبيعية، وإلهية، وسياسية، وخلقية" أمَّا الرياضية فـ "ليس يتعلق شيء منها بالأمور الدينية نفياً وإثباتاً، بل هي أمور برهانية"(8). وكذلك "المنطقيات: فلا يتعلّق شيء منها بالدين نفياً وإثباتاً، بل هو النظر في طرق الأدلة والمقاييس وشروط مقدّمات البرهان وكيفية تركيبها، وشروط الحد الصحيح وكيفية ترتيبه. وأن العلم إمّا تصور، وسبيل معرفته الحد؛ وإما تصديق وسبيل معرفته البرهان. وليس في هذا كل ما ينبغي أن ينكر، بل هو من جنس ما ذكره المتكلمون وأهل النظر في الأدلة، وإنما يفارقونهم بالعبارات والاصطلاحات... إنهم يجمعون للبرهان شروطاً يعلم أنها تورث اليقين لا محالة، لكنهم عند الانتهاء إلى المقاصد الدينية ما أمكنهم الوفاء بتلك الشروط"(9).
"
وأما الإلهيات ففيها أكثر أغاليطهم، فما قدروا على الوفاء بالبراهين على ما شرطوه في المنطق، ولذلك كثر الاختلاف بينهم فيها... وأما السياسات: فجميع كلامهم فيها يرجع إلى الحكم المصلحية المتعلّقة بالأمور الدنيوية والإيالة السلطانية... وأما الخلقية: فجميع كلامهم فيها يرجع إلى حصر صفات النفس وأخلاقها... وكيفية معالجتها"(10). وسيكون موقفه من علومهم كما سيبيّن، موقف الناقد الخبير، الذي سيؤيد ما رآه صحيحاً، وإن صدر عن فيلسوف يختلف معه في الرأي والاعتقاد، والرافض لما تأكد له عدم صحته، أو ممَّا لا سند لديهم للحكم فيه ولا برهان عليه. والمؤجل للبت في القضايا التي تحتمل الصواب والخطأ مثل علوم الطبيعة أو الفلك أو الطب. وسيوجه اللوم إلى بعض المسلمين الذين رفضوا كل العلوم التي وردت في كتب الفلاسفة، لأنهم حكموا عليهم من جهلهم في الإلهيات بجهلهم في العلوم الأخرى ممَّا أساء إلى الإسلام والمسلمين. وهي حالة يعاني المسلمون منها اليوم برفض بعضهم لكل ما صدر عن الغرب من أفكار وإن كانت صالحة لمجرد أنها غربيّة، مثل الصبغة الديمقراطية للشورى، مع أنها في أصل المشروع الإسلامي للحكم. وقد تجلى أول تطبيق عملي لها بامتناع الرسول(ص) عن تعيين الخليفة من بعده بالنص. ونعتقد أن الرسول ما ترك هذا التعيين إلا عن تعمّد، ولثقته بحسن اختيار المسلمين، ولكي يترك أمامهم المجال مفتوحاً لمثل هذا الاختيار. فكان هذا الدرس وما نجم عنه من اختيار أبي بكر للخلافة أول درس تطبيقي للشورى، وهي شورى أهل الحل والعقد التي ما زالت تعتمدها بعض الأنظمة السياسية في اختيار قيادة البلاد. وسوف يتكرّر هذا الدرس على نطاق محدود بتعيين عمر بن الخطاب للمؤهلين للخلافة بعده. إذن سيرى الغزالي بأن أخطاء الفلاسفة في الإلهيات لا يجوز أن تمنع المسلمين من الاستفادة من علومهم الصحيحة، بل إنه يؤكد أن رفض كل علومهم سيضرُّ بالمسلمين والإسلام وهي كما يسميها "آفة... نشأت من صديق للإسلام جاهل، ظن أن الدين ينبغي أن يُنصر بإنكار كل علم منسوب إليهم، فأنكر جميع علومهم وادّعى جهلهم فيها، حتَّى أنكر قولهم في الكسوف والخسوف، وزعم أن ما قالوه على خلاف الشرع، فلما قرع ذلك سمع من عرف ذلك بالبرهان القاطع، لم يشك في برهانه، لكن اعتقد أن الإسلام مبني على الجهل وإنكار البرهان القاطع فيزداد للفلسفة حباً وللإسلام بغضاً. ولقد عظم على الدين جناية مَنْ ظنَّ أن الإسلام يُنصر بإنكار هذه العلوم، وليس في الشرع تعرض لهذه العلوم بالنفي والإثبات، ولا في هذه العلوم تعرض للأمور الدينية... والعاقل يقتدي بقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه حيث قال: (لا تعرف الحق بالرجال، بل اعرف الحق تعرف أهله) والعاقل يعرف الحق، ثمَّ ينظر في نفس القول، فإن كان حقاً قبله، سواء كان قائله مبطلاً أو محقاً... وأقل درجات العالم أن يتميّز عن العامي الغمر، فلا يعاف العسل، وإن وجده في محجمة الحجام، ويتحقق أن المحجمة لا تغير ذات العسل"(11).
وهكذا سيدين الغزالي من لا يعرف الحقّ إلا من خلال الرجال الذين يحسن فيهم الظن، وينكره على غيرهم وإن أصابوا. فهذه آفة تناقض حاجة طالب العلم وتضرّ به. لهذا فإن الغزالي وبعد اطلاعه على فلسفاتهم سيرفض ما ورد عنهم في الإلهيات، وسيبحث عند أهل التصوّف عن حاجته. ولكنه سيصل إلى النتائج التالية بعد تتبع أقوال هذه الفرق وأعمالهم بما فيهم بعض المتصوفة، وسيقول محزوناً لما رأى:‏"فإني تتبعت مدّة آحاد الخلق، أسأل من يقصر منهم في متابعة الشرع، وأسأله عن شبهته وأبحث عن عقيدته وسرّه، وقلت له: "ما لك تقصر فيها؟ فإن كنت تؤمن بالآخرة ولست تستعد لها وتبيعها بالدنيا، فهذه حماقة! فإنك لا تبيع الاثنين بواحد، فكيف تبيع ما لا نهاية له بأيام معدودة؟ وإن كنت لا تؤمن، فأنت كافر، فدبّر نفسك في طلب الإيمان، وانظر ما سبب كفرك الخفي الذي هو مذهبك باطناً، وهو سبب جرأتك ظاهراً، وإن كنت لا تصرح به تجملاً بالإيمان وتشرفاً بذكر الشرع!".‏
فقائل يقول: هذا أمر لو وجبت المحافظة عليه لكان العلماء أجدر بذلك، وفلان من المشاهير بين الفضلاء لا يصلي، وفلان يشرب الخمر، وفلان يأكل أموال الأوقاف وأموال اليتامى، وفلان يأكل إدرار السلطان ولا يحترز عن الحرام، وفلان يأخذ الرشوة على القضاء والشهادة! وهلمَّ إلى أمثاله...‏
وقائل ثان يدّعي علم التصوف، ويزعم أنه قد بلغ مبلغاً ترقى عن الحاجة إلى العبادة.‏
وقائل ثالث يتعلّل بشبهة أخرى من شبهات أهل الإباحة! وهؤلاء هم الذين ضلّوا عن التصوف.‏
وقائل رابع لقي أهل التعليم يقول: "الحق مشكل، والطريق إليه مُنسدّ، والاختلاف فيه كثير، وليس بعض المذاهب أولى من بعض، وأدلة العقول متعارضة، فلا ثقة برأي أهل الرأي، والداعي إلى التعليم متحكم لا حجة له، فكيف أدع اليقين بالشك؟".‏
وقائل خامس يقول: "لست أفهم هذا تقليداً، ولكني قرأت علم الفلسفة، وأدركت حقيقة النبوة، وأن حاصلها يرجع إلى الحكمة والمصلحة، وأن المقصود من تعبّداتها ضبط عوام الخلق وتقيّدهم عن التقاتل والتنازع والاسترسال في الشهوات؛ فما أنا من العوام الجهال حتَّى أدخل في حجر التكليف، وإنما أنا من الحكماء أتبع الحكمة وأنا بصير بها مستغن فيها عن التقليد!؟"(12).‏
وبما أنه لم يجد الجواب الشافي عند أغلب الخلق، فإنه توصل إلى النتيجة التي سيتوصل إليها كل حكيم، وهي أنه لابدَّ له من مباشرة الأمر بنفسه، والإقبال على الطريق الذي رسمته الشريعة، وسنة رسول الله . وسلك عليك في بدايات أمره، وتبعه في ذلك الصالحون من المسلمين. يقول الغزالي وهو يروي قصة حياته وبحثه عن العلم اليقيني "أقبلت بهمتي على طريق الصوفية، وعلمت أن طريقتهم إنما تتم بعلم وعمل؛ وكان حاصل عملهم قطع عقبات النفس، والتنزه عن أخلاقها المذمومة وصفاتها الخبيثة، حتَّى يتوصل بها إلى تخلية القلب عن غير الله تعالى وتحليته بذكر الله. وكان العلم أيسر علي من العمل، فابتدأت بتحصيل علمهم من مطالعة كتبهم مثل قوت القلوب لأبي طالب المكي رحمه الله، وكتب الحارث المحاسبي، والمتفرقات المأثورة عن الجنيد والشبلي وأبي يزيد البسطامي... فظهر لي أن أخص خواصهم ما لا يمكن إليه بالتعليم بل بالذوق والحال وتبدل الصفات. وكم من الفرق بين أن يعلم حد الصحة وحد الشبع وأسبابهما، وبين أن يكون حالك الزهد وعزوف النفس عن الدنيا. فعلمت يقيناً أنهم أرباب الأحوال لا أصحاب الأقوال، وأن ما يمكن تحصيله بطريق العلم فقد حصلّته، ولم يبق إلا ما لا سبيل إليه بالسماع والتعلّم بل بالذوق والسلوك. وكان قد حصل معي من العلوم التي مارستها والمسالك التي سلكتها في التفتيش عن صنفي العلوم الشرعية والعقلية إيمان يقيني بالله تعالى وبالنبوة واليوم الآخر... ولاحظت أعمالي وأحسنها التدريس والتعليم، فإذا أنا فيها مقبل على علوم غير مهمة ولا نافعة في طريق الآخرة. ثمَّ تفكرت في نيتي في التدريس، فإذا هي غير خالصة لوجه الله تعالى، بل باعثها ومحرّكها طلب الجاه وانتشار الصيت"(13).‏
والآن ستدق الساعة الحاسمة في حياة الغزالي، وستهز ضميره، وتزلزل أركان حياته، إذ ما الفائدة من عمل يطلب فيه صاحبه الجوائز من أهل الدنيا، مالاً أو وجاهة، فهل سيبقى له شيء يرجوه من الله، وقد نال ما سعى إليه ممَّا عند الناس، لمن تعمل أنت؟ ـ وإنما الأعمال بالنيّات ـ مسألة أقلقت الإمام الذي كان يحتل المنصب الأعلى من الدين، والذي اعتبره العالم الإسلامي في مقام الحجة، فكان موضع حفاوة العلماء واسترضاء الأمراء والخلفاء. فهل يستطيع أن يقول لهم، وهو الفقيه الذي لا يشق له غبار، ولم يغلبه معارض، إنني أريد أن أختلي بنفسي لكي أتعلّم ما أنا بحاجة إليه... من سيصدقه، ومن سيتركه وشأنه وهو في أذهان من حوله قد ختم العلم، وأحاط بالحقائق؟. ولكن شجاعة الغزالي وصدقه مع نفسه ستنتصر بعد معاناة طويلة وتردّد. لكي يقدّم بعد ذلك ما قدمه لنا من كنوز المعرفة اليقينية التي ستكون ثمرة جهاده الطويل مع نفسه. لنستمع إلى الغزالي وهو يروي لنا الحالات العصيبة التي سيمر بها من هو في مثل موقعه، طلباً لما هو أسمى "فلم أزل أفكر فيه مدّة وأنا بعد على مقام الاختيار، أصمم العزم على الخروج من بغداد ومفارقة تلك الأحوال يوماً، وأحل العزم يوماً، وأقدم فيه رجلاً وأؤخر عنه أخرى، لا تصدق لي رغبة في طلب الآخرة بكرة إلا ويحمل عليها جند الهوى حملة فتفترها عشية. فصارت شهوات الدنيا تجاذبني بسلاسلها إلى المقام، ومنادي الإيمان ينادي: الرحيل! الرحيل! فلم يبق من العمر إلا قليل، وبين يديك السفر الطويل، وجميع ما أنت فيه من العلم والعمل رياء وتخييل، فإن لم تستعد الآن للآخرة فمتى تستعد؟ وإن لم تقطع الآن هذه العلائق فمتى تقطع؟ فعند ذلك تنبعث الداعية، وينجزم العزم على الهرب والفرار.‏
ثمَّ يعود الشيطان ويقول هذه حال عارضة إياك أن تطاوعها، فإنها سريعة الزوال، فإن أذعنت لها وتركت هذا الجاه العريض، والشأن المنظوم الخالي عن التكدير والتنغيص، والأمن المسلم الصافي عن منازعة الخصوم، ربَّما التفتت إليك نفسك ولا يتيسر لك المعاودة.‏
فلم أزل أتردد بين تجاذب شهوات الدنيا ودواعي الآخرة قريباً من ستة أشهر، أولها رجب سنة ثمان وثمانين وأربعمائة؛ وفي هذا الشهر جاوز الأمر حد الاختيار إلى الاضطرار، إذ أقفل الله على لساني حتَّى اعتقل عن التدريس، فكنت أجاهد نفسي أن أدرس يوماً واحداً تطييباً لقلوب المختلفين إليّ، فكان لا ينطق لساني بكلمة واحدة ولا أستطيعها البتة، حتَّى أورثت هذه العقلة في لساني حزناً في القلب بطلت معه قوّة الهضم ومراءة الطعام والشراب، فكان لا ينساغ لي ثريد، ولا تنهضم لي لقمة؛ وتعدى إلى ضعف القوى، حتَّى قطع الأطباء طمعهم من العلاج، وقالوا: هذا أمر نزل بالقلب ومنه سرى إلى المزاج، فلا سبيل إليه بالعلاج، إلا بأن يتراوح السر عن الهم الملم.‏
ثمَّ لما أحسست بعجزي وسقط بالكلية اختياري، التجأت إلى الله تعالى التجاء المضطر الذي لا حيلة لـه، فأجابني الذي يجيب المضطر إذا دعاه، وسهل على قلبي الإعراض عن الجاه والمال والأولاد والأصحاب، وأظهرت عزم الخروج إلى مكة وأنا أدبّر في نفسي سفر الشام حذراً أن يطلع الخليفة وجملة الأصحاب على عزمي في المقام بالشام؛ فتلطّفت بلطائف الحيل في الخروج من بغداد على عزم ألا أعاودها أبداً. واستهدفت لأئمة أهل العراق كافة، إذ لم يكن فيهم من يجوز أن يكون الإعراض عمَّا كنت فيه سبباً دينياً؛ إذ ظنوا أن ذلك هو المنصب الأعلى في الدين وكان ذلك مبلغهم من العلم.‏
ثمَّ ارتبك الناس في الاستنباطات، وظن من بعد عن العراق أن ذلك كان لاستشعار من جهة الولاة؛ وأما من قرب من الولاة فكان يشاهد إلحاحهم في التعلّق بي والانكباب عليّ وإعراضي عنهم وعن الالتفات إلى قولهم، فيقولون: هذا أمر سماوي، وليس له سبب إلا عين أصابت أهل الإسلام وزمرة العلم. ففارقت بغداد، وفرقت ما كان معي من المال، ولم أدّخر إلا قدر الكفاف وقوت الأطفال، ترخصاً بأن مال العراق مرصد للمصالح لكونه وقفاً على المسلمين؛ فلم أرَ في العالم مالاً يأخذه العالم لعياله أصلح منه.‏
ثمَّ دخلت الشام وأقمت بها قريباً من السنتين لا شغل لي إلا العزلة والخلوة والرياضة والمجاهدة، اشتغالاً بتزكية النفس وتهذيب الأخلاق وتصفية القلب لذكر الله تعالى، كما كنت حصلته من علم الصوفية، وكنت أعتكف مدّة في مسجد دمشق اصعد منارة المسجد طول النهار وأغلق بابها على نفسي.‏
ثمَّ رحلت منها إلى بيت المقدس، أدخل كل يوم الصخرة وأغلق بابها على نفسي، ثمَّ تحركت فيّ داعية فريضة الحج والاستمداد من بركات مكة والمدينة، وزيارة رسول الله تعالى عليه السلام بعد الفراغ من زيارة الخليل صلوات الله عليه؛ فسرت إلى الحجاز.‏
ثمَّ جذبتني الهمم ودعوات الأطفال إلى الوطن، فعاودته بعد أن كنت أبعد الخلق عن الرجوع إليه؛ فآثرت العزلة به أيضاً حرصاً على الخلوة وتصفية القلب للذكر.‏
وكانت حوادث الزمان ومهمات العيال وضرورات المعاش تغيّر فيّ وجه المراد، وتشوش صفوة الخلوة. وكان لا يصفو لي الحال في أوقات متفرقة؛ لكني مع ذلك لا أقطع طمعي منها، فتدفعني عنها العوائق وأعود إليها. فدمت على ذلك مقدار عشر سنين، وانكشف لي في أثناء هذه الخلوات أمور لا يمكن إحصاؤها واستقصاؤها. والقدر الذي أذكره لينتفع به: أني علمت يقيناً أن الصوفية هم السابقة لطريق الله تعالى خاصة، وأن سيرتهم أحسن السير، وطريقهم أصوب الطرق، وأخلاقهم أزكى الأخلاق؛ بل لو جمع عقل العقلاء، وحكمة الحكماء، وعلم الواقفين على أسرار الشرع من العلماء، ليغيّروا شيئاً من سيرهم وأخلاقهم ويبدلوه بما هو خير منه، لم يجدوا له سبيلا؛ فإن جميع حركاتهم وسكناتهم، في ظاهره وباطنهم، مقتبسة من نور مشكاة النبوة؛ وليس وراء نور النبوة على وجه الأرض نور يستضاء به"(14).‏
سيجد الغزالي الجواب على أسئلته وحيرته بعد تصفية القلب من أطماع الدنيا، واللجوء إلى الله، في خلوة دامت أكثر من عشر سنوات. فهل جاءه الجواب بعد السنوات العشر، وهل يعقل أن يترك الإنسان أولاده وأسرته ومنصبه ورزقه طيلة هذه السنين دون أي إشارة أو دليل على تحقيق ما يريد خلال هذه السنوات. سيقول الغزالي، لا، إذ لولا البشارة لما أمكن الصبر على مرارة العزلة، لو كانت حقاً مرارة، وهي في الحقيقة حلاوة وسعادة لا توصف، ولا يعرفها إلا الذائق لها، ولهذا سيقول:‏

وكان ما كان ممَّا لست أذكرُه
فظنَّ خيراً ولا تسأل عن الخبر


وسيحدثنا عن بعض مشاهداته قائلاً "من أول الطريقة تبتدئ المشاهدات والمكاشفات، حتَّى إنهم في يقظتهم يشاهدون الملائكة وأرواح الأنبياء، ويسمعون منهم أصواتاً ويقتبسون منهم فوائد. ثمَّ يترقى الحال من مشاهدة الصور والأمثال إلى درجات يضيق عنها نطاق النطق"(15) ومن كان هذا حاله ومقامه، كيف سيعود إلى الخلق، وكيف سيتمكن من العيش معهم مع ضعف إيمانهم، ورداءة سلوكهم، وقلة الأتقياء بينهم، وكثرة المنافقين الذين يقولون ما لا يفعلون. والقلب قد صار صافياً يعكس ما يفكرون، ويكشف عمَّا يخططون، وهو ينظر إليهم بنور الله فيفهم حركاتهم وسكناتهم ومعبودهم. فهل يستطيع من يسكن في الحدائق الغنّاء والقصور الظليلة أن يعود للإقامة بين عقارب الصحراء على قلّة الطعام والماء. سيسقط أبو يزيد مغشياً عليه حين أمره الحق بالخروج إلى الناس، قائلاً: أخرج إليهم بصورتي وخاطبهم بلساني. سيسقط وهو يخطو الخطوة الأولى. وسيأمر الحق ملائكته ـ ردّوا على حبيبي فإنه لا يطيق الابتعاد عني ـ هذا هو لسان حال كل من ذاق الأنس في حضرة الربوبية، وارتدى مع الحق لباس العبودية. ولكن أمر الحقّ إذا جاء بالخروج إلى الخلق لابدَّ منه، فالعبد مطيع لمن أحب. وهو لشدّة حبه عند طلب سيده، بل إنَّ طلب السيد يسعده وإن سبب له العذاب، وهذا طور آخر من تجليات الحق (فاصدع بما تؤمر( ليكتمل برهان الحب. أنقذ عبادي، وأشفق عليهم، وأخرج إليهم بأنواري، فإنك عندي، فالحبيب لا يبتعد عن الحبيب، وإن كان قد قال ما قال أبو يزيد في كلامه الغريب. أما سمعت ما قاله حين تلا القارئ يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا (مريم/ 85)، كيف صرخ وضرب رأسه وقال "كيف يحشر إليه من هو عنده". فما خرج أبو يزيد عن الحضرة وما ابتعد عنها وإن مشى. والأمر سيأتي لإمام الزمان، والإمام سيعتذر "فترخصت بيني وبين الله تعالى بالاستمرار على العزلة، تعللاً بالعجز عن إظهار الحق بالحجة؛ فقدر الله تعالى أن حرك داعية سلطان الوقت من نفسه لا بتحريك من خارج، فأمرَ أمرَ إلزام بالنهوض إلى نيسابور لتدارك هذه الفتنة، وبلغ الإلزام حدّاً كاد ينتهي لو أصررت على الخلاف إلى حد الوحشة"(16). لقد انتهت مبررات العزلة بعد أن تحقق المطلوب واطمأن القلب "فلا ينبغي أن يكون باعثك على ملازمة العزلة الكسل والاستراحة... وصونها، أي النفس ، عن أذى الخلق "(17). أيضنّ الحبيب بنفسه على مولاه، أو بعرق الجبين وتحمّل عدوان المبطلين؟ سيخرج الإمام إلى الخلق بأنوار الحق، بعد أن أفناه الحب، وعلم كما قال "إني لم أتحرك ولكنه حركني، وإني لم أعمل ولكنه استعملني"(18). أفلا يكون من كان هذا حاله، وعرف مقامه، أن يكون (عبداً شكوراً) كما كان سيد الرسل والأنبياء؟ لقد خرج الإمام، وراح يكتب رسائله المعطرة بعبق الروح إلى الخلق، فأدهش من كان يعرفه قبل السفر، فأحبه بعضهم، وأنكره بعضهم فقالوا تاه الإمام... ورحل من بغداد التي لا تتسع لخليفتين، فكان ما كان (فظُن خيراً ولا تسأل عن الخبر) وما بقي من الأخبار سيكشف عنه اللسان. ولكن إذا كان قد احتاج الإمام إلى كل هذه السنوات للوصول وهو من العلماء الأجلاء، فكم سيحتاج غيره، وهل الطريق معبد لكل سالك، والكشف مضمون بمجرد الاعتزال. وهل يمكن تحقيق ما حققه الغزالي بتوجه الروح إلى الحق، وإن كان الجسم بين الناس.. أم أنه لا بد من الرحيل بالجسم والروح ليصح وصف الغرباء والثناء عليهم، بقول الرسول ( "طوبى للغرباء"؟ ثم ما هي الثمار المعرفية الأساسية لهذه الخلوة؟‏
لقد بيّن الإمام الغزالي خلاصة تجربته الروحية في العديد من الكتب. وإن أهم النتائج التي نستخلصها مما ذكره الغزالي هي التالية:‏
1
ـ إن "وراء العقل طوراً آخر تتفتح فيه عين أخرى يبصر بها الغيب وما سيكون في المستقبل، وأموراً أخرى العقل معزول عنها كعزل قوة التمييز عن إدراك المعقولات، وكعزل قوة الحس عن مدركات التمييز"(19).‏
2
ـ إن النبوة هي انكشاف للبصيرة التي وراء طور العقل "فكما أن العقل طور من أطوار الآدمي يحصل فيه عين يبصر بها أنواعاً من المعقولات، والحواس معزولة عنها، فالنبوة أيضاً عبارة عن طور يحصل فيه عين لها نور يظهر في نورها الغيب، وأمور لا يدركها العقل"(20).‏
3
ـ إن النبوة، وهي من التنبؤ بالمستقبل، يمكن أن تفهم بقياسها على الرؤيا الصادقة. فإذا كان الإنسان الصالح يشاهد في نومه أموراً، ثم تحدث هذه الأمور؛ بينما لا يستطيع أن يتنبأ بوقوع أي حادث وهو في اليقظة مهما أطال التفكير والتركيز بعقله، فإن عليه أن يدرك بأن الذي أنبأه بوقوع ما وقع، هو قوة خارجة عن علمه وإرادته، تعلم بكل ما سيحدث، وهو الله. فالرؤيا هي مثال لحالة من النبوة "لأن هذا إنما فهمته بأنموذج رزقته وهو النوم، ولولاه لما صدقت به. فإن كان للنبي خاصة ليس لك منها أنموذج فلا تفهمها أصلاً، فكيف تصدق بها؟ وإنما التصديق بعد الفهم؛ وذلك الأنموذج يحصل في أوائل طريق التصوف"(21) فالرؤيا ضرب مثل، وهي تكريم وعناية للصالحين، لكي يذوقوا طعم النبوة وهم عن حواسهم وقواهم النائمة غافلون "وقد قرب الله تعالى ذلك على خلقه بأن أعطاهم أنموذجاً من خاصية النبوة وهو النوم، إذ النائم يدرك ما سيكون من الغيب إما صريحاً وإما في كسوة مثال يكشف عنه التعبير"(22)، فالرؤيا الصادقة هي بدايات النبوة والدليل عليها.‏
4
ـ سيتأكد للغزالي أن الإنسان مؤلف من قوتين هما البدن والقلب ولكل منهما وظيفته "إني لما واظبت على العزلة والخلوة قريباً من عشر سنين، وبانَ لي في أثناء ذلك على الضرورة من أسباب لا أحصيها، مرة بالذوق، ومرة بالعلم البرهاني، ومرة بالقبول الإيماني، أن الإنسان خلق من بدن وقلب، وأعني بالقلب حقيقة روحه التي هي محل معرفة الله، دون اللحم والدم الذي يشارك فيه الميت والبهيمة، وأن البدن له صحة بها سعادته ومرض فيها هلاكه، وأن القلب كذلك لـه صحة وسلامة ، ولا ينـجو إلا من أتى الله بقلب سليم (الشعراء/ 89)"(23).‏
5
ـ إن الإلهام هو المرحلة الثانية الذي يتبع الرؤيا الصادقة، والذي تتلقاه الروح: "ضمن إفاضة العقل الكلي يتولد الإلهام ومن إشراق النفس الكلية يتولد الإلهام، فالوحي حلية الأنبياء، والإلهام زينة الأولياء"(24). ولكي لا نضيع في المصطلحات، فإننا نقدم ما قصده الغزالي بالنفس والقلب أو الروح إذ قال "إنما أعني بالنفس ذلك الجوهر الكامل الفردي الذي ليس من شأنه إلا التذكر والتحفظ والتفكر والتمييز والروية، ويقبل جميع العلوم ولا يمل من قبول الصور المجردة المعراة عن المواد.‏
وهذا الجوهر رئيس الأرواح وأمير القوى، الكل يخدمونه ويمتثلون أمره، وللنفس الناطقة، أعني هذا الجوهر، عند كل قوم اسم خاص. فالحكماء يسمون هذا الجوهر النفس الناطقة، والقرآن يسميه النفس المطمئنة والروح الأمري، والمتصوفة تسميه القلب، والخلاف في الأسامي والمعنى واحد لا خلاف فيه. فالقلب والروح عندنا، والمطمئنة كلها أسامي النفس الناطقة، والنفس الناطقة هي الجوهر الحي الفعال المدرك، وحيثما نقول الروح المطلق أو القلب فإنما نعني به هذا الجوهر، والمتصوفة يسمون الروح الحيواني نفساً... والدلائل واضحة أن الروح الناطق ليس بجسم ولا عرض، بل هو جوهر ثابت دائم غير فاسد... وقال الله : قل الروح من أمر ربي (الإسراء/ 85). وقال : فنفخنا فيه من روحنا (التحريم ـ 12). والله تعالى أجل من أن يضيف إلى نفسه جسماً أو عرضاً لخستهما وتغيرهما وسرعة زوالهما وفسادهما... وهذا الروح لا يموت بموت البدن لأن الله تعالى يدعوه إلى بابه فيقول: ارجعي إلى ربك (الفجر ـ 28). وإنما هو يفارق ويعرض عن البدن، فمن إعراضه تتعطل أحوال القوى الحيوانية والطبيعية فيسكن المتحرك فيقال لذلك السكون، موت"(25).‏
والخلاصة: أن الإمام الغزالي سيتحقق مما كان قد علمه بالإتباع سماعاً، وآمن به لإيمانه بصدق الناقل والمنقول عنه، ولكنه الآن وبعد الخلوة سيعرفه يقيناً بشهوده لبعض ما أخبرَ به الأنبياء بإمداد الروح وشهادة الحواس وحكم العقل، وبذلك ستكتمل المعرفة بترقيها من السماع إلى عين اليقين... من الخبر إلى المشاهدة والمعايشة.‏
ولكن هل الخلوة أو العزلة والابتعاد عن الناس، وترك الأعمال، والتفرغ للعبادة، لا بد منها للوصول إلى المعرفة الروحية؟.‏

طريق المعرفة الروحية‏
"
إذا أردنا أن ندرس حياة من دونت سيرة حياتهم من الرسل والأنبياء والأولياء، فإننا سنلاحظ تشابهاً في الكثير من سمات حياتهم وسلوكهم، مع اختلاف في المنهج الذي أوصلهم إلى المعرفة الروحية. فالرسل ما عدا الرسول الخاتم محمد (، كان لهم مربون روحانيون قبل بعثتهم. فموسى عليه السلام رباه النبي شعيب، والمسيح عليه السلام ربته أمه مريم العذراء التي شهد لها الرسول ( بالكمال فقال عنها "كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا آسية امرأة فرعون ومريم بنت عمران"(26). وسيقوم كل رسول بعد بعثته بتربية تلاميذه. ومن هذا نستنتج حاجة كل راغب في سلوك طريق المعرفة الروحية إلى المربي، وإن كان بالإمكان أحياناً الاستغناء عن المربي في حال عجز السالك عن التعرف على المربي الصالح. فعند ذلك يمكن أن تكون كتب العارفين دليلاً ومرشداً، والأصل هو فهم الشريعة والسنة والالتزام بهما. ولكن أهمية المربي تكمن في أنه سيكون كالدليل لسالك في صحراء لا يعرف شيئاً عن طرقها وأسرارها، فهو سيأخذ بيد السالك ويدله على أقصر الطرق للوصول إلى هدفه. وإن الأدلاء يختلفون فمنهم المدعي، ومنهم الصادق الذي يظن أنه يعرف الطريق وهو يجهله، ومنهم العارف حقاً، وعلامته الصدق في كل ما يقول ويفعل، بحيث لا تختلف سريرته عن علانيته، والأصل التزامه بالشريعة، وفهمه لها. والأمر الثاني الذي نلاحظه أن التقليل من الاختلاط بالناس في مراحل تزكية النفس ضرورية، ولكن ليس إلى حد الانقطاع عنهم، وهجر الأهل والأسرة لفترة طويلة. وقد وجدنا أن‏
الرسول( كان يعتكف في العشر الأواخر من رمضان، وكان قد مارس العبادة قبل البعثة في غار حراء، ولكنه لم يأمر الصحابة باعتزال الناس، ولم يعرف عن الصحابة أنهم تفرغوا للعبادة كلياً، وكان بعضهم يعتكف في أواخر رمضان، ولكنهم لم ينقطعوا عن العبادة في نهار أو ليل. وفهموا أن العمل والكفاح لتأمين لقمة العيش عبادة، ووصفوا بأنهم رهبان في الليل، فرسان بالنهار. مما يجعلنا نستنتج أن العزلة الطويلة غير ضرورية إلا لمن وجد بأنه لا بد له منها. فهذه نفوس وأرواح، وهناك تلاميذ ينجحون بتفوق وهم يعملون، وتلاميذ وفر لهم آباؤهم كل الظروف للنجاح ولا ينجحون. فالعبرة في صفاء النفوس وحماسها وصدقها، وليس في عزلة لا يخرج صاحبها عن التفكير في دنيا ملأت قلبه وسيطرت عليه وهو يذكر الله بلسانه، وربما كان بعض الذين يقيمون المشاريع الاقتصادية وقلوبهم متعلقة بالله، هم أكثر قرباً لله من ذاكرين متفرغين. فالعبرة ليست في التفرغ للعبادة، وإنما بما يحتويه القلب ويسعى إليه صاحبه. ولكن في زمننا ونظراً لتنوع الثقافات وانتشارها، لا بد لمن يهيئ نفسه لمهمة المعرفة من التفرغ. للإطلاع على الثقافات المنتشرة وفهمها، للحكم عليها بالموازين السليمة، اقتداء بالقرآن الذي رد على كل المعتقدات السائدة في زمنه، وأخبرنا عن المعتقدات البائدة وما حل بأهلها، وعرض كل الأمراض الفكرية والاقتصادية التي انتشرت في العصور كافة، وبيّن موقفه منها وحكمه عليها، بعكس ما يفعله كثير من العلماء والمتصوفة الذين يعتقدون أن تلقين المسلم لواجباته الدينية فقط، وتجاهل الثقافات المحيطة به تكفي لحمايته من الانحراف، بل إن كثيراً من العلماء يعتبر تجاهل الثقافات المعاصرة وسيلة ناجحة لحماية الأجيال المسلمة. ولذلك فإن بعض العلماء لا يُسمع منهم غير كان، وكان. وهؤلاء دون أن يدرون يساهمون في موت الأمة وإفساد عقول الأجيال وانحرافها عن طريق الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، والضياع في عصر يحتاج فيه كل إنسان لفهم كل الثقافات للتحاور معها، والاستفادة مما فيها من الحكمة التي هي ضالة كل مؤمن، ولإيصال ما لدينا أيضاً للآخرين بالأسلوب الملائم لعصرنا دون تعصب أو تعال، على قاعدة : ادعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن (النحل/ 125). وهي القاعدة العامة في الحوار مع كل الناس، بينما القاعدة الخاصة في جدال أهل الكتاب ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسنُ إلا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي أُنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحدٌ ونحنُ له مسلمون (العنكبوت/ 46). ولكن هل نستطيع أن نحاور من نجادله إذا كنا لا نعرف السمات العامة لثقافته وعقيدته؟.‏
ولذا يجب أن نعرف روح الآيات القرآنية والمناسبات التي تصلح للقياس عليها، وكذلك ما أفتى به الفقهاء، والمناسبات، لأن القرآن كما قال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه (حمّال أوجه) وما يصلح من تأويل لزمان قد لا يصلح لزمن آخر، وليس من المناسب أن نقول للمسلم الذي يُعتدى على ماله أو نفسه (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة) مع الذين اعتدوا عليه، وسوف ينقض الإمام الغزالي فتوى للإمام أحمد بن حنبل رغم اعترافنا بشدة ورعه وتقواه، وذلك بسبب تغير الزمان والظروف، فقال الغزالي: "لقد أنكر أحمد بن حنبل على الحارث المحاسبي رحمهما الله تصنيفه في الرد على المعتزلة، فقال الحارث: ـ الرد على البدعة فرض ـ فقال أحمد: ـ نعم، ولكن حكيت شبهتهم أولاً ثم أجبت عنها، فبم تأمن أن يطالع الشبهة من يعلق ذلك بفهمه ولا يلتفت إلى الجواب، أو ينظر إلى الجواب، ولا يفهم كنهه؟ ـ وما ذكره أحمد حق، ولكن في شبهة لم تنشر ولم تشتهر، فأما إذا انتشرت، فالجواب عنها واجب ولا يمكن الجواب عنها إلا بعد الحكاية"(27). وسوف يغير عمر بن الخطاب نظام التوزيع في بيت مال المسلمين عن زمن أبي بكر رغم قوله "إن ليلة من ليالي أبي بكر تساوي عمر وآل عمر". إننا نعرف بأنه لا خلاف بين العلماء على حق الاجتهاد وضرورته، ولكن العبرة في اختيار الاجتهاد المناسب لكل زمن وكل حالة. وفي مجال المعرفة هناك من تضرّبه الخلوات الطويلة كما تضر بآخرين يعيلهم. وهناك من ينفعه الحوار والقراءة، وهناك من ينفعه الذكر، ولذلك فإن الطرق إلى الله على عدد أنفاس الخلق، كما قيل. والحكيم من يحسن الاختيار والدلالة على الطرق المناسبة لكل إنسان. ولو أننا استعرضنا حياة جميع الصالحين، لوجدنا رغم تنوع مناهجهم وأساليب عبادتهم سمة واحدة تميزوا بها، وهي حماسهم الشديد لمعرفة الله، حتى إن الحماس سيبدو كما ولو أنه تحول إلى عشق جارف، وهوى عاصف، ستدل عليه أقوالهم وأشعارهم. ومنهم من سيعبر عن هواه بميزان، ومنهم من سينكسر معه الميزان إلى درجة الاتهام. ولكن العاشق قد يسكر بهواه، ويفنى بليلاه، وإن كان السكر والفناء لا حقيقة لهما، وإنما هي أحوال، تدل على شدة الهوى، لا صحة المقال. وهل يصح للفاني الظهور، فكيف لمن يزعم أنه فني في الرب؟.. والرب يُعرف ولا يشهد بالحواس، وإنما هي تجليات النور القادمة من بحر الإمداد، والتي اختلف في وصفها العارفون، فقالوا: اتحاد، وقالوا: حلول، وقال سلطان العارفين الشيخ محي الدين بن عربي: لا اتحاد، ولا حلول لأن "من قال بالحلول فقوله معلول" لأن "من كان علة لم يفارق معلوله كما لا يفارق الدليل مدلوله"(28). و "من وصل فقد شهد على نفسه أنه فصل" (29)‏
فالعلة تكمن في عودة المسافر قبل الوصول بسبب ظنه أنه حقق الوصول. وقد قال الرسول ( "إذا أتى علي يوم لا أزداد فيه علماً يقربني إلى الله تعالى فلا بورك لي في طلوع شمس ذلك اليوم" (كنز العمال ـ 28687/ ج10). وقال عن اعتراض سيدنا موسى عليه السلام على الخضر عند خرق السفينة وقتل الغلام، وبناء الجدار دون أجر "رحمة الله علينا وعلى موسى! لو صبر لرأى من صاحبه العجب، ولكنه قال: إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذراً (الكهف، 76)(30). فكان لا بد من الفراق لأن الوعد وقع، والشاهد اختلف، ورأت كل عين حقاً وباطلاً في نفس الأمر بالقياس إلى الحكم، فهو حلال بحكم الروح، وحرام في حكم العقل، وكل حكم صحيح بالقياس إلى مصدر الحكم. وقد قال الرسول ما اكتسب المرء مثل عقل يهدي صاحبه إلى هدى، أو يرده عن ردى (31). فالعاقل من يستدل على كلّ علم بأهله، بل بخواص أهله. وهذه أمثلة، فإذا كان موسى عليه السلام يبحث عن أهل العلم ليتعلم منهم فماذا نقول لمن لا يعلم، ولا يريد أن يتعلم، ويبحث مع ذلك عن جاهل ليعلمه، وهو بعقله مفتون. أو من مدرسة (أبو اعرفوني) كما قال علي بن أبي طالب الحكيم في وصفه لمن وجده يعلم الناس وهو لا يعلم. فقد مر علي كرم الله وجهه على أبي يحيى كما قال "مر بي علي وأنا أقصُّ. فقال: هل عرفت الناسخ من المنسوخ؟ قلت: لا. قال: أنت أبو اعرفوني"(32). وكم سيسقط من الضحايا بسبب الكلام، وبسبب الاستعجال. لقد غاب الغزالي لأنه طلب الإخلاص، فعاد بالكنوز من قلبه الذي امتلأ بالإيمان، بعد أن كان يخوض في وديان علم الكلام ليثبت باللسان أنه الأعلم. واللائق بأهل العلم، هو تذليل وقتهم وأنفسهم لمعرفة الحق، والصمت حين لا يتبين لهم الحق، لأن الله ما طلب من أحد الشهادة فيما لا يعلم، كما حرّم في كل شريعة الكذب وشهادة الزور. والحكيم يقول ما قاله ملوك اللسان، وإن كان المنافقون سيزينون لهم كل ما يقولون. فقد "تكلم أربعة من الملوك بأربع كلمات كأنما رميت عن قوس واحدة. قال كسرى: أنا على رد ما لم أقل أقوى مني على رد ما قلت. وقال ملك الهند: إذا تكلمت بكلمة ملكتني وإن كنت أملكها. وقال قيصر ملك الروم: لا أندم على ما لم أقل وقد ندمت على ما قلت. وقال ملك الصين: عاقبة ما قد جرى به القول أشد من الندم على ترك القول"(33). لقد عاد الغزالي بعد صمته إخلاصاً للحق وللخلق ليقول لنا ما لم يقدر على قوله قبل خلوته، فأصبحت كتبه حياة لأجيال من طلبة الحق، فعاش وما زال في أرواح كثيرة، فلم يمت، ومات كثيرون من أدعياء العلم وهم أحياء لأنهم آثروا الجاه والوصول، فكانت قلوب الناس لهم كالقبور. ولهذا أوصى الرسول ( المؤمنين، فقال لهم "موتوا قبل أن تموتوا" لأن الموت في الحق حياة ولأن "الناس نيام إذا ماتوا انتبهوا". وهذا ما أعطاه الغزالي رحمه الله للعلماء والجهلاء، حين آثر موت الجاه على موت العلم، فعاد بالعلم والجاه، والحياة. ولكن مع ذلك لنا سؤال لا بد من الوقوف عنده، وهو: هل أنصف الغزالي الفلاسفة إذ حكم عليهم بمقياس واحد. ونسب إليهم اتهامات، لأنهم كما قال، خالفوا فيها المسلمين في ثلاث مسائل وهي "إن الأجساد لا تحشر، وإنما المُثاب والمعاقب هي الأرواح المجردة، وقولهم، إن الله يعلم الكليات دون الجزئيات. وقولهم بقدم العالم وأزليته"(34). فهل يصح أن يشمل مثل هذا الحكم جميع الفلاسفة، ومن سيأتي منهم وإن كان غير مخالف للشريعة؟. وهل الاتهام أو التكفير يصح أن يطلق على علم معين وعلى من يعملون به وإن لم يخالفوا الشريعة؟. إن فهمنا للغزالي يجعلنا نقول: إنه لم يقصد إلى تعميم حكمه على الفلسفة والفلاسفة كما بيّن وبيّنا، وإنما على فلسفة زمانه، وما سبقها، بسبب ما وصله من معلومات ليست صحيحة كلها. وإن إشارته إلى ما وصله من معلومات عن فلسفة أرسطو تدل على نقص معلوماته عنه حتى بعد تأليف كتابه (تهافت الفلاسفة).‏
فهو يقول "ولقد قرب أرسطوطاليس مذهبه فيها من مذاهب الإسلاميين، على ما نقله الفارابي وابن سينا"(35). وهذا القول يدل على ضعف معلوماته التي اعتمد فيها على ما نقله الفارابي وابن سينا، عن أرسطو، مع أن أرسطو أبعد في مذهبه عن المسلمين والأقرب أفلاطون من حيث العقيدة. ولكن الغزالي مع ذلك معذور لأنه حكم على ما نقله إليه، ولم يحكم على ما كتبه هؤلاء مما لم يترجم في زمنه. فحكم على ظاهر أقوالهم دون أن يتعمق في دراسة مصطلحاتهم، ولهذا فإننا لا نرى، وإن كان ليس هذا موضوع بحثنا، أن الغزالي قد أدان كل الفلسفة وكل فيلسوف ولكنه أدان المخطئ لا المصيب، وأدان الخطأ وقبل الصواب.‏
وهو المطالب بالحكم على الرجال بالحق. ولهذا لا يجوز أن نفهم من كلامه بأنه ضد الفلسفة، أو بأنه يتهم كل فيلسوف بالانحراف عن الحق، وإن كان هذا هو الغالب في زمانه كما في زماننا. فالغزالي بحكم علمه ومنطقه وعدله أبعد عن مثل هذا التعميم الذي استغله من لم يفهموا الغزالي لإعلان حربهم على الفلسفة في زمن ابن رشد وبعده، مع أن الإسلام سيكون بحاجة إلى الفلسفة لتأييد موقفه ودعمه بالمنطق الملائم لزمن الفلسفات. وهذا ما قام به الفلاسفة المسلمون كما نعرف منذ البدايات.‏
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع:‏
-
الفتوحات الملكية، محي الدين بن عربي، بيروت، منشورات دار صادر.‏
-
كنز العمال، علاء الدين الهندي، بيروت: مؤسسة الرسالة، ط5.‏
-
مجموعة رسائل الغزالي، دمشق: دار الفكر، ص1، 1996.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش :
(1)
رسائل الغزالي ـ 539‏
(2)
المرجع السابق، .539‏
(3)
المرجع نفسه، 538.
(4)
المرجع نفسه، 541.‏
(5)
المرجع نفسه، 549.‏
(6)
المرجع نفسه، 550.‏
(7)
المرجع نفسه، 542.‏
(8)
المرجع نفسه، 543.‏
(9)
المرجع نفسه 544.‏
(10)
المرجع نفسه،545.‏
(11)
المرجع نفسه، 544.‏
(12)
المرجع نفسه، 558.‏
(13)
المرجع نفسه، 552.‏
(14)
المرجع نفسه، 553.‏
(15)
المرجع نفسه،555.‏
(16)
المرجع نفسه، 560.‏
(17)
المرجع نفسه560.‏
(18)
المرجع نفسه، 561.‏
(19)
المرجع نفسه، 556.‏
(20)
المرجع نفسه، 556.‏
(21)
المرجع نفسه، 557.‏
(22)
المرجع نفسه، 556.‏
(23)
المرجع نفسه، 558.‏
(24)
المرجع نفسه، 232.‏
(25)
المرجع نفسه، 225.‏
(26)(
كنز العمال ـ ج12،ص 34408)‏
(27) (
الرسائل ، 548).‏
(28)
الفتوحات المكية، 373/ ج4.‏
(29)
المرجع السابق، 372..‏
(30)
كنز العمال ـ 32379/ ج11.‏
(31)
كنز العمال ـ 7037/ ج3.‏
(32)
كنز العمال ـ 29450/ ج10.‏
(33)
الفتوحات المكية ـ 549/ ج4.‏
(34)
الرسائل ـ 545.‏
(35)
الرسائل ـ 545.‏

المصدر: موقع مجلة التراث


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الحركة فـي الذكر (التمايل)

  الحركة فـي الذكر (التمايل) أحمد عبد المالك الحركة في الذكر أمر تناوله علماء الإسلام ما بين الإباحة والتحريم والتقييد بشروط وما زال لل...