الأربعاء، 1 مايو 2019

أهل البدايات وأهل النهايات


أهل البدايات وأهل النهايات

( سيدي علي الجمل )



 (اعلم أن تنوير الظاهر، ضامن لإيجاد مواهب العمل، وهو سبب في تظليم البواطن، وكذلك العكس: تنوير البواطن ضامن لإيجاد مواهب العلم وهو السبب في تظليم الظواهر، وإلا فتنوير الظواهر حتمًا لا يكون إلا على قدر تظليم البواطن، وكذلك العكس: تنوير البواطن حتمًا لا يكون إلا على قدر تظليم الظواهر، وهذا القياس يحكم به على أهل البدايات. وأما أهل النهايات الذين استوى نفعهم بالظلمات والنور، وهم الذين صاروا عبيدًا لله في جميع الحالات حقًا، فهؤلاء لا ينكرون ظلمة ولا نورًا، ولا يفرحون لنور ولا يحزنون لظلمة، وإنما فرحهم بخالق النور والظلمة، قد امتحت نفوسهم بشهود مولاهم، بحيث صارت إرادتهم هي إرادة مولاهم وأفعالهم هي أفعال مولاهم وأقوالهم هي أقوال مولاهم، إذا قاموا قاموا بالله، وإذا قعدوا عدوا بالله، وإذا ناموا نامْوا بالله، وإذا استيقظوا استيقظوا بالله، وإذا تحركوا تحركوا بالله. ومفتاح هذه المنزلة العظمى هي كثرة المرافقة لأهل الله وكثرة النظر إليهم والتخلق بأخلاقهم، يكون ذلك استعمالًا حتى يصير حقيقة. أولًا تفنى فيهم عن نفسك، ثم بعد ذلك تفنى في مولاهم عنهم وعن أنفسهم، ومن لا فناء له في أولياء الله لا فناء له في الله. جرت عادة الله في خلقه أنه ما أفلح من أفلح إلا بصحبة من أفلح )، وقال: (اعلم أن جمال الحقيقة في مقام النهاية، أساسه هو جلال الشريعة في مقام البداية. كما أن جلال الشريعة في مقام نهاية النهايات، أساسه هو جمال الحقيقة في مقام النهايات: أي على قدر ما يأخذ المريد من جلال الشريعة في البدايات، على قدر ذلك يأخذ من جمال الحقيقة في النهايات وعلى قدر ما يأخذ من جمال الحقيقة في النهايات على قدر ما يأخذ من جلال الشريعة في نهاية النهايات. ومن لا جلال له في بدايته لا جمال له في نهايته، كما أن من لا جمال له في نهايته لا جلال له في نهاية نهايته، يقول صاحب القوانين في هذا المعنى: من ادعى شهود الجمال قبل تأدبه بالجلال ارفضه فإنه دجال )، وقال: (اعلم مبتدئ بدايته على أصلها، أفضل من منتهي خصوصيته لا أصل لها )، وقال: (اعلم أن البدايات إذا لم تكن على شبه النهايات فهي فساد، وذلك لأن النهايات حتمًا لا تكون على شبه البدايات، وإذا كانت البدايات فسادًا وخرابًا على كل حال تكون النهايات مثلها، فلذلك وجب على الشيخ: أول ما يباشر به المريد ينزله في منازل أهل النهايات كما قال في الحكم: « من أشرقت بدايته أشرقت نهايته ». وقولنا ينزله في منازل أهل النهايات يعني بذلك الاعتدال والتوسط في الأمور كلها لقوله : « أفضل الأمور أوسطها »، والتوسط في الأمور هي منزلته  ومنزلة الصحابة كلهم والخلفاء الراشدين والتابعين وتابع التابعين والسالكين على منهجهم من خاصة العارفين رضي الله عنهم أجمعين. العارف: أول ما يأمر به المريد، التوسط في العمل والسير على السنة والجماعة، لأن السنة بها تكون البدايات وإليها تكون النهايات، لأنه إذا أمره بكثرة العمل يعظم خوفه وذلك هو التعطيل، وإذا أمره بقلة العمل يعظم رجاؤه وذلك أيضًا تعطيل، وإذا أمره بالسير على قواعد السنة يحصل التوسط والاعتدال في الرجاء والخوف وذلك هو المطلوب في البدايات وهو المقصود في النهايات، لأن الباطن سائر على سير الظاهر، كما أن الظاهر سائر على سير الباطن. على قدر تقوية أفعال الظواهر يتقوى الخوف وبالعكس، على قدر تقوية الباطن يتقوى الرجاء وبالعكس ).
...
المصدر : كتاب سيدي علي الجمل

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الحركة فـي الذكر (التمايل)

  الحركة فـي الذكر (التمايل) أحمد عبد المالك الحركة في الذكر أمر تناوله علماء الإسلام ما بين الإباحة والتحريم والتقييد بشروط وما زال لل...