الاثنين، 15 أبريل 2019

من أقوال شمس تبريزي


مختارات من “مقالات شمس الدين تبريزي”




ترجمة وتقديم: غسان حمدان

يقول شهاب الدين أبو حفص السهروردي [تُوفي عام632] في كتابه “عوارف المعارف” «أقوال المشايخ في ماهية التصوف تزيد على ألف قول». ويضيف أن الصوفي هو الذي يكون دائم التصفية، ولا يزال يصفي الأوقات من شوب الأكدار بتصفية القلب عن شوب النفس ويعينه على كل هذا دوام افتقاره إلى مولاه، فبدوام الافتقار ينقي الكدر، وكلما تحركت النفس وظهرت بصفة من صفاتها أدركها ببصيرته النافذة وفر منها لربه، فهو قائم بربه على قلبه وقائم بقلبه على نفسه قال الله تعالى:” كونو قوامين بالقسط”، وهذه القوامية لله على النفس هي التحقق بالتصوف([1])

وكتاب مقالات شمس يعد من التراث الأدبي العرفاني الفارسي، وهو عبارة عن محاضرات شمس الدين التبريزي أو خطبه التي ألقاها؛ كما سجلت فيه أجوبته لمريديه أو حتى خصومه.. لذلك لم يتم تبويبه فضلا عن عدم ترتيب مواضيعه ويعود سبب ذلك إلى أنه لم يقم بتأليف الكتاب بل هو في الحقيقة من إنجاز بعض طلابه الذين سمعوا خطبه وقاموا بتسجيلها على عجل ومن دون تنظيم.

وتلف الغموض حياة شمس الدين التبريزي فلم تصلنا معلومات كثيرة عنه والشيء اليسير الذي نعرفه هو أسطورة اتصاله بجلال الدين الرومي البلخي المعروف بمولانا وتأثر به. وتكشف المحاضرات المنقولة في هذا الكتاب عن بعض أفكار شمس الدين وسبب تأثر مولوي به ما جعله يؤلف ديواناً صوفياً باسم ديوان شمس أو أن يقوم بتوقيع معظم قصائده باسم أستاذه شمس تبريزي.

وشمس الدين التبريزي هو محمد بن علي بن ملك داد التبريزي (582-645 هـ) عارف ومتصوف وشاعر فارسي، وقد قام برحلات إلى مدن عدة منها حلب وبغداد وقونية ودمشق حتى التقى بالشاعر العظيم جلال الدين الرومي في تجواله، وتكونت بعد ذلك اللقاء صداقة غيرت مجرى حياة كليهما، حيث تحول الرومي من رجل دين إلى شاعر يجيش بالعاطفة، وصوفي ملتزم، وداعية إلى الحب؛ إلا أن شمس التبريزي اختفى في ظروف غامضة حيث يدعي البعض أنه قُتل على يد تلاميذ جلال الدين الرومي بسبب غيرتهم من علاقة التبريزي مع الرومي. كما أن هناك من يقول إن شمس التبريزي غادر مدينة قونيه وتوفي في خوي حيثُ دفن، وله ضريح هناك.

مقتطفات من كتاب مقالات شمس

سألوني في طفولتي: لماذا أنت مهموم؟ هل أنت بحاجة إلى ملابس أم المسكوكات؟

قلت لهم: يا ليت يأخذون هذا اللباس الذي يكسوني أيضاً!

****

إن الأنبياء يعرفون بعضهم بعضاً. يقول عيسى: أيها النصراني، إنك لم تتعرف على موسى جيداً، فتعال انظر إلي حتى تتعرف عليه. ويقول محمد أيها النصراني وأيها اليهودي، لم تتعرفا على المسيح وموسى جيداً، فتعالا انظرا إلي لتتعرفا عليهما. إذن، الأنبياء جميعهم يعرفون بعضهم البعض، وكلامهم يشرح ويبين كلام من سبقهم. بعد ذلك قال الصحابة: يا رسول الله، إن جميع الأنبياء كانوا يعرفون من سبقهم؛ وأنت خاتم الأنبياء فمن يقوم بتعريفك؟ فقال: من عرف نفسه فقد عرف ربه([2])؛ أي من عرف “نفسي” فقد عرف ربي.

ومن كان أكثر علماً ابتعد عن المقصود، فهذا عمل القلب ولا يعود بصلة إلى ما خلف الجبهة.. وهذا يذكرنا بقصة شخص وجد “خريطة كنز” جاء فيها: عليك أن تخرج من بوابة المدينة لتجد قبة، استدر وقف أمام القبلة وارم بسهمك، وأينما سقط سهمك هو مكان الكنز! لذلك كلموا الناس على قدر عقولهم، فالعقول آفة بالنسبة إليهم. العقل عقيلة الرجال والعشق محلل العقال، العقل يقول لا تبالغ والعشق يقول لا تبالي

كان عمر رضي الله عنه يقرأ في لفيفة التوراة، فأخذها المصطفى (ص) منه وقال: لو من نزل عليه التوراة كان حياً لاتبعني.

***

لا يمكنني قول الحقيقة، إذ بدأت بالصدق يطردوني! وإن قلت الحقيقة كاملة سيطردني جميع أهل المدينة! فدعني أقول لك أمراً: هؤلاء الناس يفرحون بالـنفاق، وينزعجون من الحقيقة!

رأيت أحد المساكين وأخبرته: “أنت رجل عظيم، وفريد عصرك!” ابتهج، وأخذ بيدي قائلاً: “اشتقت إليك، وقد قصّرت في حقك!” في حين أنني في العام الماضي قلت له الحقيقة، فانقلب ضدي وأصبح عدوي. فلا غرابة هناك إن كنت تريد الحياة بسعادة مع الناس فعليك أن تعيش بنفاق معهم! فإن شرعت بقول الحق عليك اللجوء إلى الجبال والصحارى!

***

الهروب من أي شيء أمر سهل إلا الهروب من الذات، فهو صعب؛ ومصدر سيئاتك هو النفس.

وقد روي أنهم سألوا السيد برهان الدين المحقق هل هناك من نهاية للطريق أم لا؟

أجاب: للطريق نهاية، ولكن ما من نهاية للمقصد لأن السير صنفان: أحدهما حتى الله والثاني في الله. والطريق إلى الله له نهاية، لأنه اجتياز الكينونة والدنيا والذات، وكل هذه الثلاثة لها نهاية؛ ولكن حين تصل إلى الحق سيكون بعده السير في عالم أسرار معرفة الله ولهذا الطريق ما من نهاية.

***

إني أحب الكفار لأنهم لا يدعون الصداقة. ويقولون: نعم، نحن من الكافرين، وأعداء. الآن نعلمهم الصداقة، ونعلمهم التوحيد. ولكن من يدعي الصداقة وليس كما يقول، فهو خطر جداً.

***

تاب ذلك الشخص، وقرر أن يحج… وفي الصحراء جرحت رجله بسبب الأشواك الحادة. رحلت القافلة وفي يأسه رأى أحداً يأتي من بعيد؛ فرجا الله داعياً: احتراماً لهذا الخضر الذي يقبل، أنقذني! قام الوافد بمعالجة القدم وأوصله إلى القافلة. فقال له: قسماً بالله الذي لا شريك له، قل لي من أنت لتملك هذه الفضائل؟ وكان مخاطبه يتلوى، وقد احمر وجهه، حتى قال له: “لماذا هذا الفضول؟ لقد تخلصت من البلاء، ووصلت إلى مقصدك، فدعني وشأني! فقال له: قسماً بالله فإني لن أدعك، حتى تقول لي! قال: “أنا إبليس!”… قلت هذا لتعلم إن كان المرء طاهراً، كيف يتجرأ إبليس أن يحوم حوله وألا يقوم بإيذائه؟ فكل ما هو بسبب البشر وإبليس مجرد ذريعة!
***

قيل لملك خوارزم إن الشعب يصرخ بفعل القحط: “الخبز ثمنه غالٍ”.

قال: “كيف ذلك؟ كيف ذلك؟”

قالوا: كان ثمنه مجرد قرش واحد، وأصبح الآن درهماً”

فقال: “ويحكم، وما ثمن الدرهم الذهبي؟!

أجابوا: هو مبلغ كبير جداً.

قال: تفو، تفو! ما هذا البخل؟ ألا تشعرون بالعار؟!”

***

في البداية لم أكن أجالس الفقهاء، بل أجالس الدراويش؛ إذ كنت أقول لنفسي إنهم يشعرون بالعداء تجاه الدراويش. وبعد أن عرفت ما هي الصوفية وأين هم من ذلك، أمسيت أرغب بمجالسة الفقهاء أكثر من هؤلاء الدراويش؛ فالفقهاء تعبوا كثيرا وجاهدوا. وهؤلاء الذين يدعون التصوف أين التصوف منهم؟

***

ومن خصالي أن أدعو للكفار بالخير، وأحب مجالسة اللصوص، فالكلام مع الجهال مضر جدا، والحديث مع الغافلين حرام!

***

قال البواب “من أنت؟” أجبت “هذا صعب، دعني أفكر”؛ حتى أقول بعد ذلك “في سالف الأوان كان هناك رجل عظيم اسمه آدم؛ وأنا من أبنائه”.

***

كان إبراهيم أدهم وقبل أن يترك حُكم بلخ، قد بذل الكثير من أمواله في سبيل رغبته وأدى الفروض والطاعات. وقال ماذا أفعل وكيف يمكن ألا يسهل أمري؟ حتى نام ليلة على سريره ورأى في المنام أن الحراس والعازفين والطبالين يهتفون، فقال لنفسه: أي عدو تمنعونه إذ هو راقد معي؟ فنحن بحاجة إلى نظرة عطف من الرب، ولا يأتي منكم أي أمان إلا في ظله.. وكان في خيالاته هذه ينهض عن الوسادة ويعود إليها؛ عجباً للمحب كيف ينام([3]). وفجأة اشتد صوت وقع خطوات سريعة على سطح القصر كأن هناك من يركض آتياً وغادياً، كما جاء صوت أقدام الحراس من القصر. فقال الملك لنفسه: ما مشكلة الحراس، ألا يرون هؤلاء الذين يركضون على السطح؟ ومرة أخرى أخذته الحيرة بسبب أصوات الركض على السطح حتى نسي نفسه في قصره ولم يقدر على مناداة الحراس. وفي هذه الأثناء أطل أحدهم برأسه من السطح وسأله: من أنت الجالس على السرير؟ أجابه: أنا الملك، ومن أنتم على هذا السطح؟ قال: لقد أضعنا قطارين أو ثلاثة من الإبل، ونبحث عنها على سطح هذا القصر. فقال: أنت مجنون. أجابه: أنت المجنون. قال: أتبحث عن إبل ضائعة على سطح قصر؟ فرد عليه: وهل يبحثون عن الله على العرش الملكي لتبحث عنه هنا؟

ومنذ ذلك اليوم لم يره أحدٌ وأصبحت الأفئدة تبحث عنه.

طالما لا تهب نفسك لأمر ما بشكل كامل سيكون وصاله صعباً وشاقاً، ولكن عندما تفوض أمرك إليه بالتمام لن يكون الوصول إليه صعباً. الولاية لا تعني أن تملك الجيوش والمدن والقرى، بل الولاية هي أن يكون المرء والياً على نفسه وكلامه وصمته..

***

كل امرئ يعيش كما يجب، ويموت كما لا يجب.

هل رأيت دبوراً يتنقل عبثاً؟ – ويحط أين ما يريد؟

يبعده الجزار عن اللحم مرات عدة، ولم يبتعد؛ وفي المرة الثالثة يهوي عليه بالساطور ويقطع رأسه. ويقع الدبور على الأرض ويتلوى، فيقول الجزار له: “ألم أقل لك لا تستقر أينما تريد؟”.

***

قسماً بالله إن معرفة هؤلاء القوم أصعب من معرفة الحق!

***

الناس جميعهم مقلدون، فقوم منهم يقلدون الأهواء، وقوم يقلدون الصفاء، وقوم يقلدون المصطفى، وقوم يقلدون الله، وعن الله يروون. وثمة قوم غير مقلدين أيضاً، كما أنهم لا يروون شيئاً عن الله، بل يتكلمون عن أنفسهم.

***

قل ثلاث مرات :«ارحل، أيها الوهم.» إن لم يذهب، عليك الرحيل.

[لم يذهب، ولم أرحل.]

***

«في هذه الأيام تجب العبادة، فالله ينظر في عباده في هذه الأيام، وفي الأيام الأخرى لا يتفحص عباده ولا يرى.» هؤلاء الناس يقولون ذلك.

***

يمكن للجمادات الفراق والوصال أيضاً، إلا أن أنينها غير مسموع.

[1]: راجع، السهروردي، عوارف المعارف، نشرة دار الكتب العلمية، بيروت، ص 57.

[2]: حديث نبوي، إلا أن شمس تبريزي فسّر الحديث على النحو التالي: من عرف “ذات” الرب، والذي هو أنا، فقد عرف ربي.

[3]: من كلام بعض العارفين إذ ينتهي بهذه المقولة: كل نوم على المحب حرام.

...

المصدر: موقع الشيخ الأكبر للدراسات العرفانية والصوفية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الحركة فـي الذكر (التمايل)

  الحركة فـي الذكر (التمايل) أحمد عبد المالك الحركة في الذكر أمر تناوله علماء الإسلام ما بين الإباحة والتحريم والتقييد بشروط وما زال لل...