الاثنين، 3 يناير 2022

الطريقة الصوفية ..فضلها وأهميتها وفوائدها

 






الطريقة الصوفية ..فضلها وأهميتها وفوائدها

محمد حبيب

 

مقدمة :

التصوف : هو منهج التربية الروحي والسلوكي الذي يرقى به المسلم الى مرتبة الإحسان التي عرفها النبي : (أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك) .

فالتصوف : هو البرنامج التربوي الذي يهتم بتطهير النفس من كل أمراضها التي تحجب الانسان عن الله .. وتقويم انحرافاته النفسية والسلوكية فيما يتعلق بعلاقة الإنسان مع الله ومع الله ومع الذات .

والنفس البشرية تحمل جملة من الصفات التي تحتاج الى تهذيب وتشذيب وتقليم كي تتمزق حجبها الظلمانية.. كما أن جسم الإنسان دائما يحتاج الى تهذيب وترتيب ليبدو جماله وألقه.. فالجسم البشري لابد من قص شعره مثل شعر الإبط والعانه والرأس وتهذيب شعر الوجه للرجل.. وتقليم أظفاره.. وتنظيف الأسنان و..إلخ كذلك النفس البشرية لو تركت وشانها لتحول الإنسان الى طبيعه متوحشة فلابد لنفسه من تهذيب وتزكية .

فالطريقة الصوفية:هي المدرسة التي تقوم بعملية التطهير والتربية والتزكية.. وكما ان المريض يحتاج الى طبيب لمعالجة ما مرض من أعضائه الجسمانية كذلك يحتاج الى معالجة نفسه من أمراضها الى طبيب حاذق عارف مدرك يشرف على التربية والتزكية .

فالنفس فيها مجموعه من الجراثيم والعاهات التي تقبع داخل النفس مثل الكبر والعجب والغرور والأنانية والبخل والغضب والرياء والرغبة في المعصية والخطيئة والرغبة في التشفي والإنتقام والكره والحقد والخداع والطمع والجشع وأمراض كثيرة.. فهذه الدوافع الخبيثة موجودة في كل نفس بشرية وتحتاج الى تهذيب وتنظيم وتوجيه وتزكية.. لأن هذه الشهوات البهيميه تشكل مثل الحجب السوداء على جوهر الروح المنور فيمنع عنها رؤية الحق والحقيقة.. وتفسد عليها تذوق طعم الحق والخير.. وإذا تركت هذه الأوصاف السيئة وشانها تنمو وتنمو في نفس الإنسان كما تنمو الأعشاب الضارة حول أجمل الزهور والأشجار فإنها تجعل من صفات الخير أكثر ضعفا وتحول الإنسان الى وحش بشري همه إشباع شهواته وغرائزه فقط .

من هنا كانت اهمية الطريقة السلوكية والصوفية في تزكية هذه النفس.. بتنقيتها من الرذائل وتحليتها بالفضائل.. وذلك بزرع صفات الخير في النفس مثل التواضع والإيثار والكرم والحب والتعاون وحب الله والصالحين والعمل على مساعدة البشرية بل كل مافي الكون.. والحياء وخشية الله وحب طاعته والتلذذ بها إلخ .

وكان لابد من أخذ الطريقة من يد شيخ مأذون.. لأن هذه الطريقة مستنبطه من الشريعه المطهرة لا تحيد عنها قيد أنملة.. لأنها في الحقيقة تكوين النفس الإنسانية للهيئة التي كان عليها السلف الصالح من هذه الأمة.. ذلك ان الشيخ المسلك للطريقة لا يجوز ان يكون مسلكا إلا إذا كان مأذوناً من شيخ مسلك مأذون كذلك وهكذا ود اليك الى رسول الله فهي ذا أسلوب تربوي نبوي مأخوذ من جماعه الى جماعه الى جماعه وهكذا الى رسول الله .. فالمسلم عندما يضع يده بيد شيخ يبايعه على الإلتزام بالطريقة كأنما يضع يده بيد رسول الله لأنه يعاهد شيخه على الإلتزام بالشريعة المطهرة .

أهمية الطريقه

ولعل قائلا يقول: ألا يستطيع الواحد منا ان يلتزم بالطريقه دون الإنخراط في أي طريقة صوفية.. بمعنى آخر: ألا يكفي ان بلتزم المرء في الكتاب والسنة يكون عندها قد أخذ بالطريقة التي يريدها الله ورسوله ...؟؟؟

نقول :

أولا: إن الإلتزام بالطريقة الصوفية لا يخرجك من التمسك بالكتاب والسنة إذ ان الطريقة الصوفية: هي منهج الكتاب والسنة وكل ما خلف الكتاب والسنة فهو ليس من الطريقة بل إن الطريقة ترفضه وتنهى عنه .

ثانيا: الطريقة ليست تعاليم منفصلة عن تعاليم الكتاب والسنة بل هو روحها ولحمتها .

ثالثا: إن من يقول هذا القول لو قلنا له إن كلفناك أن تتعلم سنن الصلاة وآدابها وشروطها وأركانها من الكتاب والسنة هل تستطيع ..؟؟

سيقول: لا أستطيع إلا إذا رجعت الى كتب الفقه وأقوال الفقهاء المختصين الذين استخرجوا الأحكام من نصوص الكتاب والسنة وذلك لأنه بلغوا رتبة الإجتهاد وهذا أمر انا غير قادر على فعله.. بل إن الأمة الاسلامية منذ تاريخها البعيد لم تجمع إلا فقهاء معدودين استطاعوا أن يقدموا فقها(مستنبطا) من الكتاب والسنة مثل أبي حنيفة ومالك والشافعي وابن حنبل وسفيان والأوزاعي وغيرهم..

فنقول: كما ان للفقة والتفسير والتاريخ والحديث علماء اختصوا به فقدموا لنا فقها ومصطلحات خاصة به فعلمنا الواجب من السنة من المندوب.. كذلك علماء السلوك قدموا لنا فقها في السلوك له مصطلحاته وأصوله.. وبرز منهم علماء كثر ولكن أجمعت الأمة عليهم مثل الإمام الجنيد والشيخ عبد القادر الجيلاني والشيخ أحمد الرفاعي والشيخ أحمد البدوي والشيخ ابراهيم الدسوقي وآخرين .

رابعاً: كما ان الحديث لا يقبل مالم يكن موثقا بسند الى رسول الله ليكون مقبولا وملزما.. كذلك الطريقة الصوفية هي: موثقة بسند الى رسول الله مأخوذه مشافهة جيلا من بعد جيل الى رسول الله فلكي تكون مرتبطا بهذه السلسلة كان لابد من أخذ الطريقة من شخص مجاز بها .

خامسا: بما أن هذا العلم ليس علم أقوال وأحكام ظاهرة إنما يرتبط بالقلب والباطن والنفس البشرية فهو لا يتحصل بالقراءة والكتابة لا بد له من صحبة ورفقة شيخ يدل المرء بأحواله وأقواله وملاحظته ونظره وسلوكه .

أوصاف المرشد (الشيخ) الذي تأخذ منه

الطريقة الصوفية :

قال بعض العلماء للشيخ المرشد شروطا ليكون أهلا لتسليك الناس وتربيتهم في طريق التصوف.. وأهمها:

1. أن يكون عالما بالفرائض العينية كالصلاة والصوم و..إلخ .

2. أن يكون عارفا بالله متحققا بعقيدة أهل السنة والجماعه .

3. أن يكون عالما بأساليب وطرق تربية النفس وتزكيتها وعارفا بأمراض النفس ومداخل الشيطان على الإنسان .

4. أن يكون مأذونا بإعطاء الطريقة ولإرشاد .

قال ابن سيرين: إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم .

فعلى المسلم الصادق أن يتوجه الى الله بالدعاء بصدق وإلحاح أن يجمعه مع شيخ يتربى على يديه وان يبحث في البلد الذي يسكن فيه فإن وجد شيخا الأولى أن يأخذ الطريق من الشيخ الذي في بلده فإن لم يجد في بلده شيخا يبحث في مكان آخر ولو كان خارج بلده ألا ترى المريض إذا مرض يذهب الى أقرب طبيب عليه ليعالج مرض جسده.. فإن لم يجد في بلده قطع آلاف الأميال بحثا عن طبيب يخلصه من مرضه.. فكيف بمرض يوصل الإنسان الى جهنم ..؟!

ألا يستحق ان تبذل لأجل إيجاده الغالي والنفيس .؟؟!

وهذا لا يستلزم أن يكون بالضرورة شيخا يحمل زيا معينا او شهادة معينة.. فهذا علم قلوب وتربية وسلوك لا يعترف بالمظاهر والأشكال.. لكن المهم أن يكون متصفا بالأوصاف التي ذكرنا وبعدها لا يهم ان يكون اكاديميا أم غير ذلك ..

وليس مهما ان يكون مريدوه كثر أم قله.. فهذا أيضا ليس معيارا لأهليته في الطريقة والتربية .

بل المهم هو: الاستقامة والصلاح ومعرفة أصول التربية والسلوك .

دليل أخذ العهد (الطريقة) شرعا :

القرآن:

قال : إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظياً  (الفتح آية 10) وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم وكيلا  (سورة النحل:91) واوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا  (سورة الإسراء:34) .

السنة:

اخرج البخاري في صحيحيه عن عبادة بن الصامت أن رسول الله قال: (بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئاً ولا تسرقوا ولا تزنوا، ولا تقتلوا أولادكم، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم، ولا تعصوا في معروف فمن اوفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئاً فعوقب في الدنيا فهو كفارة له، ومن أصاب من ذلك شيئا ثم ستره الله فهو الى الله، إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه) .

عن يعلى بن شداد قال: حدثني اوس وعبادة بن الصامت حاضر يصدقه قال: كنا عند رسول الله فقال: هل فيكم غريب؟ -يعني من أهل الكتاب– فقلنا: لا يارسول الله، فأمر بغلق الباب فقال: ارفعوا أيديكم وقولوا: لا إله إلا الله، فرفعنا أيدينا وقلنا: لاإله إلا الله، ثم قال :الحمد لله، اللهم إنك بعثتني بهذه الكلمة وأمرتني بها، ووعدتني عليها الجنة، وإنك لا تخلف الميعاد، ثم قال : ألا أبشروا فان الله قد غفر لكم) .

روى الطبراني والبزار باسناد حسن: ان عليا سأل النبي بقوله: يا رسول الله دلني على أقرب الطرق إلى الله، وأسهلها عبادة، وأفضلها عنده تعالى، فقال النبي : (عليك بمداومة ذكر الله سراً وجهراً، فقال علي : كل الناس ذاكرون فخصني بشيء، قال رسول الله : أفضل ما قلته أنا والنبييون من قبلي: لا إله إلا الله ولو أن السموات والأرضين في كفة ولا إله إلا الله في كفة لرجحت بهم، ولا تقوم القيامة وعلى وجه الأرض من يقول: لا إله إلا الله، ثم قال علي : فكيف أذكر؟ قال النبي : أغمض عينيك واسمع مني لا إله إلا الله ثلاث مرات، ثم قلها ثلاثا وأنا أسمع، ثم فعل ذلك برفع الصوت) .

والأحاديث الواردة اكثر من أن تحصى ولكن اخترت منها للدلالة على مشروعية أخذ البيعه والعهد على طاعة الله كما يفعل شيوخ الطريقة الصوفية من مبايعة المريد على طاعة الله والتوبة والإنابة إليه.. وهكذا ظل علماء التصوف من بعد ذلك يأخذون البيعة على مريديهم الى يومنا هذا والى أن تقوم الساعة.. وكم دخلت دول في الإسلام من خلال أرباب الطرق الصوفية من غير حروب أو قتال إنما من خلال مشاهدة الناس لأخلاق الصوفي وصدقه وإخلاصه .

المصدر: موقع روض الرياحين

الاثنين، 8 فبراير 2021

الصوفية والرد على المشككين

 



الصوفية والرد على المشككين

بقلم: د. يوسف الشراح

نسمع بين الحين والأخر من ينادي بأن التصوف كله أباطيل وأن الصوفية طائفة زائغة عن الإسلام وإنهم أعداء هذا الدين، وان اصل معتقداتهم يونانية أو هندية أو مسيحية... ويستنكر هذا الاتهام د. يوسف الشراح الأستاذ بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية، مؤكد أن التصوف هو صفاء النفس وامتلاؤها بالفكر، وأن سلوك الصوفيين أقرب الطرق وأوسعها إلى الله تعالى.
وأكد د. الشراح في حواره لـ " الأنباء " أن الكرامة ثابتة للأولياء وأن من يتهم الصوفية وسلوكهم في التبرك والاستغاثة هو من خلط الحق بالباطل، وأن إلقاء التهم اعتباطاً ليس من خلق المسلم وقال ( إذا أردنا معرفة الحقيقة الصوفية فلنسمع إلى رأي الصوفية أنفسهم ورأي بعض من يدعي مخالفتهم ومحاربتهم.
مؤكداً أن ابن تيمية لم يعاد التصوف بإطلاق بل كان ينكر ما لا يوافق الكتاب والسنة ولم يكن مأثوراً عن أحد من السلف مشيراً إلى أن ثواب قراءة القرآن إلى الميت تصل إليه، وأن صلاة النصف من شعبان جائزة، ودفاعه عن الصوفية بإثبات أدلة الأمام ابن تيمية، وفيما يلي نص هذا الحوار :
بداية ما هو تعريف الصوفية؟ ولماذا يقول البعض أنها أباطيل؟
الصوفية ما هي إلا طائفة إسلامية مثل بقية الطوائف الإسلامية كالمحدثين والفقهاء والأصوليين والمؤرخين، فيهم الصالح والطالح، والصحيح والفاسد والمصيب والمخطئ ولا يصح أن ننسب إلى أي طائفة من هؤلاء الطالح والفاسد والمخطئ فقط. فعندما يقال الصوفية فإننا نعرف أن المراد بهم أمثال الفضيل بن عياض، ومعروف الكرخي، وبشر الحافي وعبد القادر الجيلاني والجنيد وغيرهم كثير ممن سطرهم على سبيل المثال يراع الأمام أبي نعيم في كتابه " حلية الأولياء وطبقات الأصفياء " ولا يراد بالصوفية أولئك الدجالون المخرفون المخالفون للكتاب والسنة، الذين دخلوا على التصوف فأفسدوه. لذلك وجب عدم خلط الأوراق بعضها من بعض فالعدل مطلوب مع الموافق والمخالف، وهو الأمر الذي طلبه منا الله في محكم تنزيله بقوله " يا أبيها الذين أمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط " فالعدل مطلوب مع العدو الكافر، وإلقاء التهم اعتباطا ليس من خلق المسلم.
الصوفية أسم جامع
وماذا يقول الصوفيون في أنفسهم؟
الجنيد- رحمه الله – سيد الطائفة البغدادية من الصوفية، كما يعتبره ابن تيمية وغيره، وقد سئل عن التصوف فقال: " التصوف اسم جامع لعشرة معان: التقلل من كل شئ في الدنيا عن التكاثر فيها، والثاني: اعتماد القلب على الله عز وجل من السكون إلى الأسبات، والثالث: الرغبة في الطاعات من التطوع في وجود العوافي، والرابع: والصبر عن فقد الدنيا عن الخروج إلى المسألة والشكوى، والخامس: التمييز في الأخذ عند وجود الشيء، والسادس: الشغل بالله عن سائل الأشغال، والسابع: الذكر الخفي عن جميع الأذكار، والثامن: تحقيق الإخلاص في دخول الوسوسة، والتاسع: اليقين في دخول الشك والعاشر : السكون إلى الله من ألإطراب والوحشة فإذا استجمع هذه الخصال استحق بها الاسم إلا فهو كاذب .
هذا هو التصوف الذي نعرفه من هذا الفن وهو صفاء النفس من الكدر، وخلاصها من الكفر، وامتلاؤها من الفكر، وتساوي الذهب والحجر عندها.
ما يوافق الكتاب والسنة
وما الفرق بين مصطلحي الفقير والصوفي؟
أجاب عنه شيخ ألإسلام ابن تيمية بعد بيان مصطلح المتقدمين والمتأخرين كما في مجموعة فتاويه 11/70 قائلا: " وأما المستأخرون: فالفقير في عرفهم عبارة عن السالك إلى الله تعالى، كما هو الصوفي في عرفهم أيضا والتحقيق بأن المراد المحمود بهذين الأسمين داخل في مسمي الصديق والولي والصالح ونحو ذلك من ألأسماء التي جاء بها الكتاب والسنة، وأما ما يقترن بذلك من ألأمور المكروهة في دين الله من أنواع البدع والفجور فيجب النهي عنه كما جاءت به الشريعة، فالتصوف عند أبي تيمية هو السلوك إلى الله تعالى، وهذا الاسم داخل في الجملة في مسمي الصديق والولي والصالح، وأن الإنكار لا يكون هذا الاسم بل على ما يقترن به من أفعال منكرة تخالف ما جاء به الشريعة الإسلامية.
ونظرة سريعة إلى كتاب " مدارج السالكين " لابن القيم – تلميذ ابن تيمية – تبين لنا الفرق الشاسع بين التصوف وأهله الثناء عليهم، باعتبار تصوفهم هو سلوك أقرب الطرق وأوسعها إلى الله تعالى، وبين التصوف باعتبار التطرف والمتطرفين من أصحاب الشطحات والدجالين ومن يدعي الحلول والاتحاد ممن انتسبوا إلى التصوف.
حال الصحابة
عند بعض الصوفية ما يسمي بالأحوال والغناء والسكر فما هي وماذا تعني؟
قال أبن تيمية في مجموع فتاويه 11 (9 – 2) مراتب الناس وما يحصل لديهم من هذه الأحوال قال: حال المؤمن التقي الذي فيه ضعف عن حمل ما يرد على قلبه، فهذا الذي يصعق صعق موت أو صعق غشي فما يرد على القلوب مما يسمونه السكر والغناء ونحو ذلك من الأمور التي تغيب العقل بغير اختيار صاحبها فإنه إذا لم يكن السبب محظور لم السكران مذموما، بل معذوراً، وقد يحصل بسبب سماع الأصوات المطرية التي تورث مثل هذا مذموم لأن سببه محظور، وقد يحصل بسبب سماع الأصوات المطربة التي تورث مثل هذا السكر، وهذا أيضا مذموم فإنه متي أفضى إليه سبب غير شرعي كان محرماً، وما يحصل في ضمن ذلك من لذة قلبية أو روحية ولو بأمور فيها نوع من الإيمان فهي مغمورة بما يحصل معها من زوال العقل وقد يحصل السكر بسبب لا فعل للعبد فيه كسماع لم يقصده يهيج قاطنه ويحرك ساكنه ونحو ذلك، وهذا ل يلام عليه فيه ما وما صدر عنه في وما صدر عنه في حال زوال عقله فهو فيه معذور، لأن القلم مرفوع عن كل من زال عقله بسبب غير محرم. فهذه الأحوال التي يقترن بها الغشي أو الموت أو الجنون أو السكر أو الغناء حتى لا يشعر بنفسه ونحو ذلك، إذا كانت أسبابها مشروعة وصاحبها صادقاً عاجزاً عن دفعها، كان محموداً على ما فعله من الخير، وما ناله من الإيمان معذورا فيما عجز عنه وأصابه بغير اختياره، ولكن من لم يزل عقله مع انه قد حصل له من الأيمان ما حصل لهم أو مثله أو أكمل منه فهو أفضل منهم، وهذه حال الصحابة رضي الله عنهم وهي حال نبينا وهذا كلام أبن تيمية.
الجفري على حق
إذا كان هذا الكلام منقولا عن ابن تيمية فلماذا يحارب فيه محبوه الحبيب علي الجفري ويتهمونه باعتقاده إن أولياء يعلمون الغيب وان كراماتهم لا حد لها، وأن الاحتفال بمولد النبي والإسراء والمعراج يعتبر من الدين، وأن النبي ينفع الناس بعد وفاته وانه يغيثهم إذا توسلوا به وأن كل ذلك مبتدع، فما ردكم؟
عرفت الحبيب علي الجفري عن قرب في كثير من الأوقات، ووجدته العالم العابد التقي الورع، مع خلق رفيع وأدب، يعفو ويعفو، ولا يرد سائلا عن شيء مما يسأل عنه، أما ما يثار حوله من الكلام، فما من عالم رباني وصل إلى ما وصل إليه الحبيب الجفري من محبة الناس له وأتباعهم لطريقه إلا كثر الحاقدون عليه، ولفقوا التهم له، بل وأثاروا العوام عليه بجهلهم وغيظ قلوبهم ولأن الناس فرأوا ما كتبه علماؤنا المتقدمون وسمعوا من الجفري ما يقول، ولم يتناقلوا ما يثار بلا دليل، لعلموا الحق ووقع هؤلاء في سيء مكرهم.
الكرامة للأولياء ثابتة
ولكن أكثر ما ينكر على الحبيب الجفري قوله" كرامات الأولياء" فهل هناك فعلا ما يسمي بكرامات الأولياء؟
نحن نثبت للأولياء الكرامة، وننبذ قول منعها من كل من خالفهم ولو رجعوا إلى ما سطره شيخهم ابن تيمية في كتابه ( الفرقان بين أولياء الرحمان وأولياء الشيطان) من كرامات ألصحابة وغيرهم لعلموا مدى قذفهم بالجهل كل من يخالفهم والكرامة أمر ثابت ونحن نعرف أن مريم أم عيسي عليه السلام وأصحاب الكهف والخضر والصبي الذي تكلم من جريح الراهب والثلاثة الذين أنسد عليهم الغار بصخرة وغيرهم، كل أولئك لم يكونوا أنبياء ليرسل الله معهم معجزات يتحدون بها البشر بها بل كانوا أولياء لله، أكرمهم المولى القوي القدير على مثل تلك الأمور، من غير تحد منهم ولا قوة وهكذا أثبتت الكرامة للأولياء لا للمشعوذين.
الاحتفال بالصالحين جائز
وما قولك فيما يقوم به الصوفية من إقامة الموالد والطبول والتبرك والتوسل والاستعانة مما يخلط الحق بالباطل؟
الاحتفال بمولد النبي والضرب بالدفوف ليسا من البدع والمنكرات عند جماهير أهل العلم كما هو معروف عند العلماء خلافا للسلفية والتبرك بآثار النبي قد أرشدنا إليه المصطفي نفسه ولا سيما عندما أمر حالفه في العمرة والحج أن يوزع شعره الشريف على الصحابة الكرام فكان رضي الله عنهم يتبركون بآثاره مما يحتاج منا إلى مجلدات في الكتابة فيه أما التوصل بالاستغاثة بالنبي بدعائه أو بمحبته أو بذاته بعد وافته مما أجازه جمهور أهل العلم خلاف الابن تيمية والسلافية في حال واحدة فقط وهي منع التوسل بذات بعد وفاته فإذا كان هؤلاء يرون ضلال الجفري في هذه الأمور فيضللوا علماء أمتهم بعد أن يبحثوا في الكتب عن أقوال أهل العلم ولم يكتفوا بما يسمعونه من فلان وعلان أو يكتفوا بما في كتب أبن تيمية عن الصوفية مما هو فيه طعن فيهم فالرجل رحمه الله لم يكن يعادي التصوف بإطلاق بل كان ينكر ما لا يوافق الكتاب والسنة ولم يكن مأثورا عن أحد من السلف.
حكم ألاستغاثة بغير الله
إذا كان هو رأي أبن تيمية الذي يتبعه الكثير ومع ذلك ينكرون موضوع التوسل والأستثغاثة بالنبي صلي الله عليه وسلم بدعائه أو بمحبته أو بذاته بعد وفاته فما ردكم؟
مما يسؤ المسلم في هذه الأيام أن يجد هؤلاء الجمع من الناس الذين أرتضوا من رأي ابن تيمية من منهجاً لهم ثم هم ينكرون ما هو مخالف لرأيهم مع ا، الأدلة محتمله والخلاف سائغ ولكل مجتهد نصيب من الظنيات دون القطعيان بل ربما كان رأي ابن تيمية مخالفا لرأي الحنابلة والجمهور في مسائل عديدة وليس قصدي محاكمة أبن تيمية فيما أختاره ولكن القي بالأئمة على محبيه الذين أنكروا على مخالفهم كثير من الآراء الذي يتبنها شيخهم وقال بها وهم جاهلون لهذه النصوص وإذا أردنا معرفة ميزان السلفية في محاكمة الجفري وتضليلهم إياه فليزنوا شيخهم ابن تيمية بالميزان ذاته حتى يتعرف على الحق الذي يدعون أتباعه.
المولد النبوي.
يقولون المعارضون بأن المحتفلون بالمولد النبوي الشريف لا يجوز فهل أجابه أبن تيمية؟
نعم يري أبن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم الجزء الأول ( ص297 – 298 ) أن الاحتفال بالمولد النبوي الشريف قد يؤجر عليه الإنسان وذلك حين يقول : فتعظيم المولد واتخاذه موسما قد يفعله بعض الناس ويكون له فيه أجر عظيم لحسن قصده وتعظيمه لرسول الله أنه يحسن من بعض الناس ما يستقيح من المؤمن المسدد فلهذا قيل للإمام أحمد عن بعض الأمراء انه انفق على مصحف إلف دينار فقال دعه فهذا أفض ما أنفق فيه الذهب مع أن مذهبه أن زخرفة المصاحف مكروهة وقد تأول بعض الأصحاب أنه أنفقها في تجديد الورق والخط وليس مقصود احمد هذا وإنما قصده أن هذا العمل فيه مصلحة وفيه مفسده أيضاً كره لأجلها.
توسل حسن
وماذا عن جواز التوسل بالنبي ؟
يقول ابن تيمية في مجموع الفتاوى 3 / 276 مبينا جواز التوسل بالنبي وأما حقوق الرسول بأبي هو وأميمثل تقديم محبته على النفس والأهل والمال، وتعزيزه وتوقيره، وإجلاله وطاعته، وأتباع سنته وغير ذلك، فعظيمة جداً، وكذلك مما يشرع التوسل به في الدعاء، كما الحديث الذي رواه الترمذي أن النبي علم شخص لأن يقول :
(
الله ما أني أسألك وأتوسل إليك بنبيك محمد نبي الرحمة يا محمد يا رسول الله أني أتوسل بك إلى ربي في حاجتي ليقضيها، اللهم فشفعه فيه ) فهذا التوسل به حسن.
الإخبار بالغيب
وهل يعتبر الأخبار بالغيبيات من المحظورات ؟
يقول ابن تيمية في مجموعة الفتاوى 5 /252 أنه لا مانع من الأخبار بالغيبيات:
وكذلك إيمانهم بالمعاد والجنة والنار وغير ذلك من أمور الغيب؟ وكذلك ما يخبر به الناس بعضهم بعض من أمور الغيب هو كذلك ؟ بل يشاهدون ألأمور ويسمعون ألأصوات وهم متنوعون في الرؤية والسماع ؟ فالواحد منهم يتبين من حال المشهود ما لا يتبين للأخر ؟ حتى قد يختلفون فيثبت هذا ما لا يثبت أخر فكيف فيما أخبروا به من الغيب ؟
بركات ألأولياء وهل يوافق أيضا ابن تيمية على قدرات ألأولياء وتأثيراتهم التي يؤمن بها الصوفية؟
أرد على ذلك بقول أبن تيمية في مجموع الفتاوى 3/156 مبينا مكاشفات الأولياء وقدراتهم وتأثيراتهم قال ومن أصول أهل السنة ؟ التصديق بكرامات الأولياء وما يجري الله على أيديهم من خوارق العادات في أنواع العلوم والمكاشفات وأنواع القدرة والتأثيرات. كما يعتقد أبن تيمية في مجموع الفتاوى 4/376 بأن الله أعطي بعض الأولياء أعظم مما أعطي جبريل وأن هذا عام في كل الأشياء وذلك حين يقول وإذا تبين هذا أن العلم مقسوم من الله ليس كما زعم هذا الغبي بأن لا يقوم بأيدي الملائكة على الإطلاق وهو قول بلعي ؟
بل الذي يدل عليه القرآن أن الله تعالى أختص أدم بعلم لم يكن عند الملائكة وهو علم ألأسماء الذي هو أشرف العلوم ؟ وحكم بفضله عليهم لمزيد العلم ؟ فإن العدول عن هذا الموضع إلى بنيات الطريق ومنها القدرة ؟
خروج الميت من قبره
ما تعليقكم في أن الميت يخرج من القبر ويمشي؟
يعتقد أبن تيمية في مجموع الفتاوي5/526 أن الميت يخرج من القبر ويمضي فيقول: وقد يقوى الأمر حتى يظهر ذلك في بدنه وقد يري خارجا من قبره والعذاب عليه وملائكة العذاب موكله به ؟ فيتحرك ببدنه ويمشى ويخرج من قبرة؟ وقد سمع غير واحد أصوات المعذبين في قبورهم وقد شوهد من يخرج من قبرة وهو معذب ومن يقعد بدنه أيضاً إذا قوي الأمر ؟ لكن ليس هذا لازما في حق كل ميت ؟ كما أن قعود بدن النائم لما يراه ليس لازما لكل نائم بل هو بحسب قوة ألأمور.
ينكر الكثير على بدعة القراءة للأموات، فما ردكم؟
أبن تيمية يرى عدم بدعية القراءة للأموات وجواز إهدائهم ثواب القراءة وذلك حين يقول في مجموعة فتاوى 24/321 – 324: أفضل العبادات ما وافق هدى رسول الله وهدي الصحابة كما صح عن النبي انه كان يقول في خطبته: خير الكلام كلام الله وخير الهدى هدى محمد وشر الأمور محدثاتها كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار )
وقال (خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ) وقال أبن مسعود: من كان منكم مستنا فليستن بمن قد مات فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنه وألئك أصحاب محمد. فإذا عرف هذا ألأصل فالأمر الذي كان معروف بين المسلمين في القرون المفضلة أنه كانوا يعبدون الله بأنواع العبادات المشروعة فرضها ونفلها من الصلاة والصيام والقرأة والذكر وغير ذلك وكانوا يدعون المؤمنين والمؤمنات كما أمر الله بذلك لأحيائهم وأمواتهم في صلاتهم على الجنازة وعند زيارة القبور وغير ذلك وروي عن طائفة من السلف عند كل ختمه دعوة مجابة. فإذا دعي الرجل عقيب الخدمة لنفسه ولوادي ولمشائخه وغيرهم من المؤمنين والمؤمنات كان هذا من الجنس المشروع وكذلك دعائه لهم في قيام الليل وغير ذلك من مواطن الإجابة وقد صح عن النبي صلي الله عليه وسلم إنه أمر بالصدقة على الميت وأمر أن يصام عند الصوم فالصدقة عن الموتى من الأعمال الصالح وكذلك ما جاءت به السنة في الصوم عنهم.
وبهذا وغيره أحج من قال من العلماء انه يجوز إهداء ثواب العبادات المالية والبدنية إلى موات المسلمين كما هو مذهب أحمد وأبوا حنيفة وطائفة من أصحاب مالك والشافعي، فلا ينبغي للناس أن يعدلوا عن طريق السلف لأنه أفضل وأكمل.
كما قال أبن تيمية أن الميت يصله قرأة أهله وتسبيحهم وتكبيرهم وسائر ذكرهم لله تعالى إذا أهدوه إلى الميت وصل إليه.
صلاة النصف من شعبان
يتهم البعض الصوفيين بما يقومن به من صلاة النصف من شعبان وعدم جوازها، فماذا تقولون؟
يجيب بقول هذا السؤال بقول ابن تيمية أيضا في مجموع الفتاوى 23/131 عن العمل بصلا النصف من شعبان حيث بقول: إذا صلي الإنسان ليلة النصف وحدة أو في جماعة خاصة كما كان يفعل طوائف من السلف فهو أحسن، وأما الاجتماع في المساجد على صلاة مقدرة كالاجتماع على مئة ركعة بقراءة إلف ( قل هو الله احد ) دائما فهذه بدعة لم يستحبها أحد من ألأئمة والله أعلم
كرامة الأولياء
وهل كان أبن تيمية يعلم الغيب ويشفي المرضي كما يقولون ؟
قال أحد طلاب أبن تيمية وهو الحافظ البزار في كتابة الأعلام العلية ( 1/56 – 62 ) في مناقب أبن تيمية في ذكر بعض كرامته وفراسته أخبرني غير واحد منت الثقات ببعض ما شاهدة من كرامته وأنا أذكر بعضها على سبيل الاختصار وأبدا من ذلك بعض ما شاهدته. فمنه أنه جري بيني وبين بعض العلماء منازعه في مسأل عدة وطال كلامنا فيها وجعلنا نقطع الكلام في كل مسألة بأن نرجع إلى الشيخ وكما يرجحه من القول فيه ثم أن الشيخ حضر فلما ههممنا بسؤاله عن ذلك سبقنا هو وشرع يذكر لنا مسألة مسالة فصلة كما كنا فيه وجعل يذكر غالب ما أوردناه في كل مسألة ويذكر أقوال العملاء ثم يرجح منها ما يرجحه الدليل حتى أتي على أخر ما أردنا أن نسأله عنه وبين لنا ما قصدنا ما إن نستعمله منه فقيت أنا وصاحبي ومن حضرنا أولاً مبهوتين متعاجين مما كاشفنا به وأظهره الله عليه مما كان في خواطرنا.
وهناك من ألأمثلة الكثير الذي يدل على ثبوت كرامة الأولياء.
معني ما ذكرتموه أن الداعية الحبيب الجفري لم يكن مخطأ حين أباح التبرك بالأولياء وذكر كرامتهم ؟
حبيب الجفري عابد تقي ورع ولو أن الناس قرأو ما كتبه علمائنا المتقدمون وسمعوا من الجفري ما يقول ، ولم يتناقلوا ما يثأر بلا دليل ، لعلموا الحق ووقع هؤلاء في سيء مكرهم .
السبحة
وهل تسبحوا الله تعالى بمسبحة يعتبر بدعة لا تجوز ؟
يري ابن تيمية إن السبحة لا بأس بها وذلك في قوله 22/506 في مجموع الفتاوى: وعد التسبيح بالأصابع سنة كما قال النبي للنساء (سبحن واعقدن بالأصابع فإنهن مسؤولات مستنطقات ) وأما عده بالنوى والحصى ونحو ذلك ، فحسن وكان الصحابة من يفعل ذلك ، وقد رأي النبي أم المؤمنين عائشة تسبح بالحصى وأقرها على ذلك، وري أن أبو هريرة كان يسبح بها أما التسبيح بما يجعل في نظام من الخرز ونحوه ، فمن الناس من كرهه ومنهم من لم يكرهه وإذا حينت فيه النية فهو حسن غير مكره وأما اتخاذه من غير حاجه أو أطهارة للناس مثل تعليقه في العنق أو جعله كالسوار في اليد أو نحو ذلك فهذا أما رياء للناس أو مظنة المراءاة ومشابهة المرائين من غير حاجة الأولي محرم والثاني أقل أحوال الكراهة فإن مرآة الناس فالعبادات المختصة كالصلاة والصيام والذكر وقراءة القران من أعظم الذنوب .


المصدر: موقع الرفاعية اون لاين
نشر في جريدة الأنباء (الخميس 24-6-2004)

 


الحركة فـي الذكر (التمايل)

  الحركة فـي الذكر (التمايل) أحمد عبد المالك الحركة في الذكر أمر تناوله علماء الإسلام ما بين الإباحة والتحريم والتقييد بشروط وما زال لل...